الصورة عن بُعد توحى بأن شيئا لم يتغير فى الجزائر فى أعقاب الاعلان عن نتائج الانتخابات التشريعية الجمعة الماضية فالحزب الحاكم جبهة التحرير الوطنى مازال فى المرتبة الأولى برلمانيا يليه حليفه فى السلطة حزب التجمع الوطنى الديمقراطى، فالأغلبية ظلت فى يد أكبر حزبين على الساحة يتحكمان فى مفاصل الدولة والعملية السياسية الجزائرية.
ولكن إذا اقتربت قليلا تجد العديد من التفاصيل التى تؤكد أن الساحة السياسية فى هذا البلد المغربى قد شهدت تغيرات توحى بحراك مستقبلى فى المرحلة المقبلة، فالبرلمان المقبل سيحمل فى طياته تغيرات كبرى ستنعكس بشكل مباشر على شكل الحكومة الجزائرية المقبلة والتى بدأ الحديث عنها فى صمت بين الفاعلين سياسيا، كما قالت صحيفة الشروق الجزائرية أنه لا حديث فى كواليس أحزاب المولاة سوى عن رئاسة المجلس الشعبى الوطنى وتشكيل الحكومة الجديدة.
ومن أبرز تفاصيل الصورة التى خلفتها الانتخابات التشريعية هو اهتزاز موقع الحزب الحاكم، فصحيح أنه لا يزال يحتفظ بالمقدمة فى ترتيب الأحزاب برلمانيا إلا أنه وللمرة الأولى منذ 20 عاما يفقد الأغلبية المطلقة حيث حصل على167 مقعد فقط بالبرلمان، وهو الأمر الذى أثار انقساما حادا داخل أروقة الحزب الحاكم، وحمل القيادات الكبرى بالحزب الأمين العام للحزب جمال ولد عباس مسئولية هذا الإخفاق الغير مسبوق.
ولذلك كله حدث للحزب الحاكم انتكاسة رهيبة قد تهدده بفقد منصب رئاسة المجلس التشريعى ورئاسة الحكومة أو أي منهما.
القيادى بالحزب عبد الكريم عبادة، أرجع الأزمة إلى ما وصفه بجملة الفضائح والانقسامات والتشرذم والانحرافات التى عرفها الحزب منذ تعيين جمال ولد عباس أمينا عاما للحزب، مشيرا إلى أن الحزب تضرر عدديا ونوعيا، محملا الأمين العام المسئولية وقال فى تصريحات لـ”الجزائر اليوم”، إن الخطاب العدمى والعبثى المنفر لجمال ولد عباس خلال الحملة الانتخابية قضت على ما تبقى من ثقة لدى الناخبين فى حزب جبهة التحرير الوطني.
ودعا عبد الكريم عبادة، إلى الإسراع فى تنظيم مؤتمر تصحيحى طارئ قبل الانتخابات المحلية لاستعادة الحزب من جمال ولد عباس، على أن يكون مؤتمر شامل، يتشكل من مناضلين من القواعد لإعادة بناء الحزب مضيفا أنهم يحصدون نتائج سياسة التعيين فى منصب الأمين العام بدلا من الانتخاب.
وأكد عبادة، على أن خطاب ولد عباس خطاب بلا لون ولا طعم ولا رائحة وهو أعجز أمين عام على تقديم الحلول والمقترحات والبدائل، وأنه ألحق ضررا غير مسبوق بالحزب ومؤسساته وإطاراته ومناضليه الحقيقيين من خلال جلبه لأصحاب المال وشراء الذمم والعمولات والرشاوى، مشددا على أن هذه العوامل وأخرى هى سبب التراجع المدوى للحزب فى الانتخابات الأخيرة.
وفى الوقت الذى مازال فيه الحزب الحاكم فى صدمته بدأ الحديث مبكرا على شكل الحكومة الجزائرية المقبلة، لإن الحزب الحاكم لا يملك أغلبية مطلقة تمكنه من تشكيل الحكومة منفردا وفقا للدستور الجزائرى، وبالتالى بدأت التوقعات إلى توجه الجزائر لحكومة ائتلافية تضم عددا من الأحزاب التى حصلت على مكانة فى الانتخابات التشريعية، وأشارت صحيفة الشروق الجزائرية إلى أن حزب بوتفليقة قد يتحالف مع الحزب الثانى انتخابيا وهو حزب التجمع الوطنى الديمقراطى والذى اعتبره المراقبون الفائز الأول فى تلك الانتخابات، حيث تضاعف عدد المقاعد التى حصل عليها فى البرلمان فى تقدم لافت يُحسب للخطاب المتزن الذى قدمه رئيسه السياسى البارز أحمد أويحيى والذى تردد كثيرا فى الأروقة السياسية أنه يطمح الى المنافسة على كرسى الرئاسة.
وبعد مفاجأة التقدم الذى احرزه التجمع الوطنى الديمقراطى يأتى تموضع الإسلاميين فى المركز الثالث انتخابيا محتلين مكانة اليسار فى الجزائر الذين حظوا بخسارة كبيرة فى تلك الانتخابات، وجاء تحالف حركة مجتمع السلم الإسلامية – إخوان الجزائر – فى المرتبة الثالثة مما قد يؤهلها للدخول فى التحالف الحكومى إذا نجحت المفاوضات، لتكون بذلك المرة الأولى التى يشارك فيها إسلاميون بالحكومة فى الجزائر منذ العشرية السوداء التى شهدت صداما دمويا بين السلطة والأحزاب الإسلامية.
وأبدى رئيس حركة مجتمع السلم "حمس" عبد الرزاق مقرى استعداده للمشاركة فى الحكومة المقبلة، من خلال تحالف حزبى مع حزب الرئيس، إلا أنه قال أن القرار الحاسم سيكون لمجلس شورى الحركة، وقال مقرى إن مجلس الشورى القادم للحركة هو الذى سيفصل فى القضية، وأضاف "موقف الحركة واضح وسبق وأن تم التأكيد على أن قرار مشاركتنا مرهون بنتائج الانتخابات، ففى حال فزنا بالأغلبية سوف نشارك، وفى حال العكس سنبقى فى رواق المعارضة".
ومن المنتظر أن يعلن عن الحكومة الجديدة بعد إعلان النتائج النهائية من قبل المجلس الدستوري، وهو ما تنص عليه المادة 98 من قانون نظام الانتخابات، التى تقول إن "المجلس الدستورى يضبط نتائج الانتخابات التشريعية ويعلنها فى أجل أقصاه 72 ساعة من تاريخ استلام نتائج لجان الدوائر الانتخابية واللجان الانتخابية الولائية والمقيمين فى الخارج ويبلغها إلى الوزير المكلف بالداخلية".
وتعيش الجزائر على وقع عدد من التحديات والأزمات فى مقدمتها الوضع الاقتصادى المتدهور الذى تعيشه الجزائر حاليًا و المخاطر الأمنية المحدقة بها على الحدود، فضلا عن عدم استقرار الوضع الصحى للرئيس الجزائرى عبد العزيز بوتفليقة، وهو الأمر الذى يضع الحزب فى مأزق حيث عليه أن يضم الى الإئتلاف الحكومى أكبر عدد من الأحزاب لضمان حكومة مستقرة برلمانيا تضمن تسيير أمور البلاد فى هدوء.
وفى ظل تفتيت المقاعد بين الأحزاب التى خاضت الانتخابات التشريعية تصبح مهمة تشكيل الحكومة صعبة، فبخلاف المراتب الثلاثة الأولى حصل تجمع أمل الجزائر على 19 مقعدا، والقوائم المستقلة على 28 مقعدا، والاتحاد من أجل العدالة والبناء على 15 مقعدا، والحركة الشعبية الجزائرية على 13 مقعدا، وحزب القوى الاشتراكية على 14 مقعدا، حزب جبهة المستقبل 14 مقعد، بينما حصل حزب العمال على 11 مقعدا، حتى الأن الأوساط السياسية فى الجزائر وصفت البرلمان المقبل "ببرلمان الفسيفساء".
مقر الحكومة الجزائرية قد يشهد كما توقع المحللون حكومة تنضم اليها أحزاب جديدة قد تشمل الى جانب الإسلاميين، تجمع أمل الجزائر، والجبهة الشعبية الجزائرية، وجبهة المستقبل، وبعض الأحزاب التى حصلت على عدد أقل من المقاعد، ولكن الرهان على صمود تلك الحكومة هو مدى التألف بين تلك الأحزاب واتفاقها على برنامج وطنى يتجاوز البرامج الحزبية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة