تحلو بنا أو بغيرنا، لكننا لا نحلو إلا بها، تمنحنا دائما الفخر والكبرياء ونبتليها بالفساد والعشوائية، وهبتنا تاريخا لا يضاهيه تاريخ أمة فى العالم، ونعطيها حاضرا مريرا مليئا بالتدهور والتخلف.
هى مصر الحزينة الباكية على ما أصابها بيد أولادها، هى مصر التى أضاءت الدنيا بنور علمها قبل آلاف السنين، وتعانى الآن من ظلام العقول الذى سيطر على أبنائها، لا تجد من تشكو إليه حال أهلها، أو من تسر اليه بما وصل إليه أمرها، لا تعرف مبررا لمن يتأمرون عليها ويريدون لها السقوط، والأشد آلما أنها لا تعرف لماذا يقف بعض أبنائها المخدوعين فى صف من يحاصرونها وينصبون لها الشراك.
مصر ما خانت طوال عصورها ولا تآمرت، مصر ما ركعت لأحد فى تاريخها ولا ضعفت عزيمتها، مصر ما هانت فى يوم على أبنائها، فلماذا الآن كثر المتخاذلون، وتزايد المتراجعون وظهر المنافقون الخائنون لتراب مصر.
ماذا جرى لطينة الأرض المصرية الطيبة حتى تنبت أجسادا شيطانية وعقولا سوداوية، وقلوبا حقودة لا تعرف الرحمة ولا تعترف بالخوف على مصر، هل أصبح النيل يجرى بماء زعاف يروى القلوب السوداء سما فيشعل العنف فى النفوس.
نيل مصر أطهر من ذلك، طينة مصر أطيب من أن يخرج منها هؤلاء القتلة المرتزقة، أرض مصر أشرف من أن يدوسها المأجورون الذين لا يعرفون قيمة الوطن ولا معنى الانتماء.
مصر هى من قدمت للعالم أبطال يهابهم الجميع، قهروا كل من أرادهم بسوء، حطموا الأساطير واحدا تلو الآخر، لقنوا إسرائيل درسا لن يمحى من تاريخ ذاكرتهم، أبهروا العالم فى ثورات غيرت الدنيا وأفسدت مخططات كبرى، مصر هى الأزهر الشامخ باعتداله، والكنيسة الرائعة بوطنيتها، هى المؤسسة العسكرية بعظمتها، مصر التى قدمت للعالم أديب نوبل نجيب محفوظ، وأهدته عالم بحجم ومكانة زويل، وطبيب بقلب مجدى يعقوب، أرض مصر الطيبة أخرجت طه حسين والعقاد والطهطاوى ومحمد عبده وآلاف غيرهم أفادوا الدنيا كلها بعلمهم ووطنيتهم واعتدالهم، رمال مصر تعطرت بدماء شهداء الواجب ممن دافعوا عن شرف بلدهم وعرضها، مصر التى ضربت للعالم كله النموذج فى التسامح والتعايش بين أبنائها بعيدا عن تعصب دينى أو انتماء طائفى أو صراع عرقى.
هذه هى أرض مصر وهذه ثمارها، أما شياطين العصر وخوارج هذا الزمن فمصر منهم براء، ليس منا من قتل ومن فجر ومن اغتال، ليس منا من أرهب مسيحيا أو مسلما، أو من استهدف الكنائس وأزهق الأنفس البريئة، ليس منا من قتل على الهوية أو العقيدة أو الدين، ليس منا من كفر وهدد وروع، ليس منا من حمل السلاح فى وجه أخيه فى الوطن، هؤلاء ابتلاء وصناعة خارجة عنا لن يطول عمرهم ولن يستمر شرهم، ستتطهر مصر منهم سريعا وتغتسل من خبثهم بماء النيل الطاهر، ستلفظهم وتعلن للعالم أنها عادت كما كانت، بلد الحب والتسامح، بلد الأبطال والشجعان، بلد العلم والأدب.
لا تبكى يابلد، لا تحزنى فلن ينال منك أحد، يكفيك من أبنائك من يعرفون قدرك وهم الغالبية الكاسحة، أما حفظك فقد تعهد به من لا يقدر عليه أحد، ومكانتك محفوظة يقر بها أهل المشارق والمغارب، غمة وستزول، كرب لن يطول، لن تتداعى عليكِ الأمم أبدا فأنت أكبر من كل الأعداء، نيلك سيظل يجرى بالخير، وأرضك ستظل تنبت الطيب، أما الخبث فسوف يذهب جفاءا كزبد البحر لأنه بلا جذور أو أصول، هو عشب شيطانى ستزروه رياح الغضب عما قريب.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة