لم يكن هناك من يريد أو يتمنى أن يلجأ الرئيس عبد الفتاح السيسى إلى فرض حالة الطوارئ، ولا حتى الرئيس نفسه، لكن ما باليد حيلة، فالظروف القهرية هى التى فرضت علينا أن نلجأ إلى ما لا نريد، فالعدوان الإرهابى وصل إلى أقصاه، والاستهداف لمصر بلغ ذروته، ولم تعد الإجراءات العادية والأساليب التقليدية تصلح فى المواجهة وحماية أمن مصر وشعبها بل "تلجم" الدولة فى مواجهة المجرمين وتجعلها عاجزة أحيانًا عن التصدى لهم.
ما أعلمه أن الرئيس السيسى رفض اقتراح فرض حالة الطوارئ أكثر من مرة قبل ذلك، وحاول بشتى الطرق أن يبتعد عن هذا الخيار، لكن بعد ما حدث هذا الأسبوع، وما حمله من رسائل واضحة من أن الإرهاب يزداد شراسة، ويتبع أساليب جديدة وأكثر حقارة، إضافة إلى ما رصدته المعلومات من مخاطر المخطط الذى سيتواصل الفترة القادمة وبوتيرة متزايدة، وتركيزه على أهداف بعينها بغرض تشتيت جهود الأمن وإرباكها وإحراج الدولة داخليا وخارجيًا، وصولاً إلى نشر الفوضى التى خصصت دول نعرفها جميعا المليارات من أجل تحقيقها فى مصر، لم يعد هناك بد من اللجوء إلى الحل الأصعب والاختيار الأخير، فأجهزة الأمن تطلب ما يمكّنها من أن تتعامل بإجراءات استثنائية وسريعة تتناسب مع خسة ونذالة الإرهابيين، وفى الوقت نفسه الردع يتطلب إجراءات تضمن محاكمات ناجزة لمن يقتل ويفجر ويخرب بدون ضمير، ولن يتحقق هذا إلا من خلال تفعيل قانون الطوارئ.
المؤكد أن مؤسسات الدولة المسئولة نفسها تعلم أن الصلاحيات الممنوحة فى قانون الطوارئ سلاح ذو حدين، قد تكون وسيلة قوية فى حماية المواطن وهذا هو الأصل الذى يريده، وفى المقابل قد تكون وسيلة تستغلها قلة غير مسئولة من عناصر الشرطة وقوات إنفاذ القانون لاستخدامها بتزيد فى مواجهة المواطنين، مثلما كان يحدث قبل ذلك، وهذا ما يرفضه الجميع وفى مقدمتهم الرئيس نفسه، ولهذا فسلطات الطوارئ كما أكدت لى مصادر مسئولة لن تكون مفتوحة لمن يستخدمها كيف يشاء، وإنما ستلتزم بمحددات واضحة تضمن أن يكون استخدامها فى حدود مواجهة الإرهاب وحماية الوطن من شروره، بل وستكون هناك محاسبة لمن يتجاوز أو يستغل سلطاته وصلاحياته.
وأعتقد أن الثقة الشعبية التى تتمتع بها القيادة السياسية والضمانات التى وضعها الدستور فى تطبيق قانون الطوارئ تجعلنا مطمئنين على أنه ستكون هناك رقابة صارمة تضمن عدم الانحراف بسلطاته، بل التشدد فى أن تستخدم فيما فرضت من أجله.
ولذا فعلينا ألا ننساق وراء شائعات يطلقها من يخشون من الطوارئ لأنه سيحد من شرورهم وسيمكن السلطات وقوات إنفاذ القانون من تعقبهم وإبطال مفعول مخططاتهم.
علينا أن نكمل الثقة فى القيادة وندرك أن الخطر الذى تواجهه مصر الآن أكبر كثيرًا من الاختلاف على قانون الطوارئ أو التشكيك فى نوايا اللجوء إليه، فالقضية لا تزيد على إصرار من الرئيس ومجلس الدفاع الوطنى على اتخاذ كل السبل والإجراءات مهما كانت صعبة من أجل حماية الشعب من عدو فاجر لا دين له ولا أخلاق، وعلى من يرى غير ذلك أو يتعامى عن الخطر الذى يهددنا جميعا ويرى نفسه فى مأمن منه، أو من يتغافل أن أغلب الدول التى تعرضت للإرهاب لم تنتظر وفرضت الطوارئ سريعًا، أن يسارع بزيارة أسر شهداء الكنيستين أو غيرهم من آلاف الأسر التى فقدت أبناءها برصاص الغدر الإرهابى؛ ليسألهم عن رأيهم وسيسمع منهم ما يقنعه بأنه لا بديل الآن عن إعلان حالة الطوارئ، فحياة إنسان واحد تستحق أن نفعل من أجلها أكثر من هذا، فما بالكم بحياة وطن نعلم جميعا حجم ما يتعرض له من مخاطر ومؤامرات.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة