يتعمد الكاتب صبحى موسى، فى روايته "نقطة نظام"، الصادرة مؤخرًا عن الدار المصرية اللبنانية للنشر، على الفانتازيا فى السرد، حيث يفترض أن ثمة قرية لا يعرفها أحد على الخريطة، وتشهد هذه القرية التى يدور فيها صراع بين المتصوفة وأرباب السحر الأسود انفجارًا يختفى على إثره حى الأغنياء الذين سافروا إلى الخليج فى العشرين عاماً الأخيرة، وعادوا ليبنوا بأموال النفط قصورا فى الجانب المهجور من القرية.
يبدأ النص بمحاولة صحفى كتابة رواية عن قريته التى لا يعرفها أحد، لكنها ظلت محاولة فاشلة حتى كتب قصة مجاذيب القرية، مما جعل زوجته الصحفية أيضًا تشيد بها، وأصدقاءه من الكتاب الشيوعيين يمتدحونها، وينصحونه بالتركيز على الظلم الذى تعرض له الناس على يد الأمن، فمثل هذه الأعمال تتم ترجمتها، ودائمًا ما تجد من يمولها، ومن ثم يقرر الكاتب الذهاب إلى قريتهم التى ستكون مسرحاً لأحداث روايته القادمة، ومع احتضانه لوالده الذى لم يره منذ زمن بعيد يقع الانفجار العظيم، ويختفى حى الأثرياء.
وبحسه الصحفى المتابع لما يجرى فى المدينة يقرر الكاتب أن يرسل خبرًا عن الحادث للجريدة التى يعمل بها، لكن الخبر تسرب إلى أذن الرجل الكبير، هذا الذى رفع هاتفه مخاطباً شخصية أخرى وهو يقول "فيه بلد اتنسفت وانتو قاعدين!"، فنزلت الرتب متدحرجة على السلالم لتحاصر القرية وتمنع أحداً من دخولها أو الخروج منها حتى يعرف سبب الحادث.
رتب "موسى" روايته بحيث تكون مناقشة لواقع الظلم الذى نال من الفلاح المصرى منذ ثورة يوليو حتى ثورة يناير، فرغم أن الجميع يتحدث عن الإصلاح الزراعى إلا أن أحدًا لا يتحدث عن عصابات قطاع الطرق التى اجتاحت فى الستينات الريف المصرى، وتحولت مع الانفتاح إلى تجارة المخدرات، وفى نهايات عصر "مبارك" أصبحت عصابات سلاح ومخدرات وحفر عن آثار، كل ذلك بالتعاون مع رجال الدولة سواء أعضاء مجالس نيابية أو رجال أمن استخدموها إدارة شئون الريف كما يريدون، وهو الأمر الذى افتضحته "نقطة نظام"، فأول ما فكر فيه قائد حملة الجنرالات، إلى القرية المجهولة، ذو السيفين والنسر هو استغلال الرجال الذين ربوهم فى القرى لمثل هذا اليوم، فوضع مخططه لجعل الحادث صراعًا بين تجار مخدرات أودى إلى انفجار أنبوبة غاز على عربة كارو، ومن ثم فالخطأ على الحمار.
لم يكن الصراع فقط بين الأهالى ورجال الأمن الذين جاءوا بمخططاتهم المعتادة لقرية لا يعلمون عن تاريخها الكثير، لكنه تخطى ذلك إلى رصد الصراع بين أقطاب المتصوفة المنوط بهم حراسة جوانب الأرض، وبين السحرة وما معهم من مردة الجن الراغبين فى قلب النظام، ومن ثم دار الصراع لعدة عقود بينهم على نحو أشبه بمقالب الشطار والعيارين، لكن لابد من نهاية، والنهاية لا تكون إلا بظهور المهدى، وفى الوقت الذى بدا أن الأمر أصبح محسومًا لصالح الجن التى أطاحت بحى الأثرياء وعدد من الضباط والجنود، إلا أن المتصوفة بمعاونة الكاتب الذى أصبح جزءا من الحكاية تمكنوا من إظهار المهدى ووضع أسس النظام الجديد.
يؤرخ "موسى" فى هذا النص إلى التطور الذى شهده الريف المصرى على مدار الستين عاماً الأخيرة، وربط ما جرى فيه بما حدث فى المدينة من انكسارات وانتصارات وتغير فى الأنظمة والدول، ولا يغيب حضور المثقفين عن النص، هؤلاء الذين تميزوا بالتردد والخوف، مثلما تميزت الأحزاب بالاستسلام لعملاء الأمن والانبطاح أمام النظام، كما ظهر المجتمع المدني، ومكاتب الصحف العربية، التى بدت كما لو أنها عزب أو إقطاعيات فى يد من يديرونا، فأكدت على فساد جميع الأطراف سواء معارضة أو نظام، وانتهاء صلاحية الجميع منذ زمن، وهو ما جعل الجميع ينتظر ظهور المهدي، لكن المهدى لم يكن شخصية نزلت من السماء، ولا بطولة فردية لشخص معين، إنما توجه عام جعل أهل القرية يتدفقون نحو الشوارع والميادين، وهم يرددون شعارهم الأثير "الشعب يريد إسقاط النظام".
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة