منعت الإذاعة والتليفزيون إذاعة الأغانى الوطنية، التى تم تقديمها فى الخمسينيات والستينيات من القرن الماضى، كان ذلك فى سبعينيات القرن الماضى مع اشتداد حملة الهجوم على جمال عبدالناصر.
كان عبدالحليم حافظ هو فارس هذا المجال، فأغنياته كانت الأكثر تأثيرا وجماهيرية وارتباطا بالمعارك الوطنية والقومية لهذه المرحلة، ويتذكر مجدى العمروسى، مدير أعمال عبدالحليم، وصديق عمره فى مذكراته «أعز الناس»، «طبعة خاصة - القاهرة» أنه لما سأل المسؤولين عن الإذاعة والتليفزيون عن سبب التعتيم على هذه الأغانى لم يحصل على إجابة شافية.
كان الموسيقار كمال الطويل هو صاحب الرصيد الأكبر فى تلحين هذه الأغنيات لعبدالحليم، وفى حوار لى معه امتد لنحو ثلاث ساعات فى منزله بالزمالك عام 1996، وسألته عن سبب هذا المنع، فأجاب بوضوح: «الرئيس السادات كان هو المسؤول مباشرة، الموضوع كان سياسيا وأكبر من المسؤولين عن الإذاعة والتليفزيون، السادات كان عارف إن الأغنية هى سلاح عبدالناصر لتعبئة الجماهير فى معاركه الوطنية، وهو كان بيحاول أن يمسح هذه المعارك بأستيكة، وكان منع إذاعة هذه الأغانى وسيلة لوصوله إلى هذا الهدف».
يذكر «العمروسى» أنه مع الطويل والمذيع الكبير جلال معوض بحثوا عن حل لإعادة أغانى عبدالحليم الوطنية الممنوعة، وكان ذلك فى عام 1982، أى بعد رحيل السادات «6 أكتوبر 1981»، ولأنهم يعرفون أن السبب هو أن جميع أغانى عبدالحليم تتضمن اسم جمال عبدالناصر، أو تدور حول أعماله وأمجاده سواء بالمباشرة أو بالإشارة، قرروا التحايل بتسجيل هذه الأغانى على كاسيت يتم طرحه على الناس، على أن يشمل تعليقًا بصوت جلال معوض يقوم هو بإعداده وكتابته بأسلوبه، ويتخلل هذا السرد أو التعليق أجزاء من تلك الأغانى يحذف منها مؤقتًا اسم جمال عبدالناصر، إلى أن يتم التمكن من طرح الأغانى كاملة فيما بعد.
يؤكد العمروسى، أنهم حافظوا على سرية المشروع خوفا من إجهاضه، ويقول: «قررنا عدم التسجيل فى استديوهات الإذاعة، واخترنا استديو الموسيقار عمار الشريعى ليتم فيه التسجيل والمونتاج، ولما عرضنا الفكرة على عمار تحمس جدًا وشجعنا بلا حدود، بل قرر أن يقوم هو بنفسه وليس مهندس الصوت بالتسجيل والمونتاج، حتى يشترك معنا فى الاختيار ومنتجة الأغانى، ولكى يبدو الأمر طبيعيًا ولا يلفت نظر أحد».
فى أوائل يناير عام 1982 بدأ التسجيل بصوت جلال معوض، وحسب «العمروسى»: «خلال شهر فبراير بدأت عملية منتجة الأغانى، ثم تركيب صوت جلال على الأغانى الممنتجة، وفى نهاية شهر فبراير، أصبح لدينا ثلاث ساعات كاملة تسجيلًا ومونتاجًا، قررنا وضعها على ثلاثة أشرطة كل شريط مدته ساعة كاملة».
تم إطلاق اسم «عبدالحليم حافظ ومصر» على هذه الأشرطة، وقامت شركة «صوت الفن»، التى يديرها العمروسى بالإنتاج، وحسب العمروسى: «حينما اكتمل العمل كان لابد من عرضه على الرقابة على المصنفات الفنية للحصول على تراخيص وتصريح بالبيع والتداول، كما ينص القانون، ولكن الرقابة، التى عرضت عليها النصوص والأشرطة تخوفت، فأحالت الأمر كله إلى جهاز مباحث أمن الدولة لأخذ رأى الجهاز»، يضيف العمروسى، أنه تلقى مكالمة من اللواء سيد سنجر، لمقابلته فى مكتبه بوزارة الداخلية، ولما ذهب وجد النص المكتوب وبروفة الأشرطة، التى تم تسليمها إلى جهاز الرقابة، ويقول العمروسى: «أفهمته أن الأشرطة معدة للنزول فى ذكرى عبدالحليم، أى فى 30 مارس، فقال: لأ.. مش دلوقتى»، ويؤكد العمروسى: «من المناقشة فهمت أن الأمر لا نقاش فيه».
أصيب الثلاثة بالصدمة، وسلك كمال وجلال كل الطرق وفشلا، ولم يتبق غير باب واحد هو رئاسة الجمهورية حسبما يؤكد العمروسى، وبالفعل كتب جلال معوض مذكرة بالموضوع ليعرضها الموسيقار محمد عبدالوهاب مع الأشرطة على الرئاسة، وجاءت النتيجة بقرار من الرئيس مبارك: «لا مانع من نزول الأشرطة ونشرها»، ويؤكد العمروسى: «فى 23 أكتوبر «مثل هذا اليوم» عام 1982 تم نشر أول إعلان عن هذه الأشرطة فى صحيفتى الأهرام والأخبار، وعلى أثر الإعلان فوجئنا بتليفونات الشركة لا تهدأ، وتجار الجملة لا يغادرون الشركة يوميًا، مطالبين بكميات لم نتوقعها، وطلبت مضاعفة طاقة المصنع، وعمل ورديات ليلية وإلغاء الإجازات فى الشركة أو المصنع حتى نسد الحاجة، وكان ذلك سببًا فى إصدار الأغانى كاملة فيما بعد وبصوت جلال معوض أيضًا».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة