بعد أعوام من الخمول والأداء الباهت، صعدت سوق الأسهم الكويتية بقوة خلال الشهور الأخيرة ما أثار تفاؤل المستثمرين.. لكن المحللين يرون أن التحدى الحقيقى يكمن فى موجة صعود ممتدة وليست مؤقتة كموجات كثيرة عابرة مرت على البورصة من قبل.
وزاد المؤشر الرئيسى لبورصة الكويت بنسبة 20% خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة منذ 18 أكتوبر الماضى حتى إقفال اليوم الأربعاء. لكن العامل الأبرز هو ارتفاع القيمة المتداولة لتصل إلى 76 مليون دينار فى جلسة الثلاثاء وهى أعلى قيمة فى أكثر من ثلاث سنوات، وتمثل نحو 15 ضعف متوسط القيمة المتداولة فى شهرى أغسطس وسبتمبر الماضيين حيث كانت تدور حول 5 ملايين دينار يوميا.
وعزا محللون عودة النشاط للبورصة بعد أن فارقها منذ 2008 إلى عوامل أبرزها دخول المحفظة الوطنية الحكومية بقوة على بعض الأسهم وهبوط القطاع العقارى وارتفاع أسعار النفط وتوقعات بتحقيق نتائج إيجابية للشركات المدرجة فى 2016 إضافة لإتمام صفقة أمريكانا.
العامل الأهم فى إنعاش البورصة من وجهة نظر المحللين جاء من الحكومة التى منحت شركات استثمارية محلية عشرات الملايين لاستثمارها فى السوق المحلى بداية من أكتوبر الماضى -وذلك طبقا لوسائل إعلام محلية- بعد أن تدنت قيم التداول اليومية إلى مستويات تاريخية بلغت 2.8 مليون دينار فى أول سبتمبر.
وهدد خمول البورصة وما استتبعه من انخفاض فى قيم الأسهم ليس فقط الشركات والمحافظ والصناديق المالكة لهذه الأسهم، وإنما أيضا العديد من البنوك التى تحتفظ بهذه الأسهم كضمانات مقابل قروض منحتها لعملائها، وهو ما يعنى لجوء هذه البنوك لتجنيب مزيد من المخصصات مقابل القروض المتعثرة.
وعانت البنوك الكويتية منذ الأزمة المالية العالمية فى 2008 وحتى الآن من تواضع أرباحها الصافية، بسبب تجنيب مبالغ كبيرة كمخصصات مقابل القروض المشكوك فى تحصيلها.
وقال ناصر النفيسى، مدير مركز الجمان للاستشارات لرويترز إن هذا النشاط جاء بعد "الشرارة التى أطلقتها الحكومة لدعم البورصة بشكل معلن وقوى"، وهو ما أشاع نوعا من التفاؤل لدى متوسطى وصغار المتداولين والمضاربين.
وأضاف النفيسى أن الهدف "غير المعلن" لهذه الخطوة الحكومية هو دعم قيم الأسهم المرهونة لدى البنوك، لاسيما بعد أن أظهرت نتائج التسعة أشهر الأولى من 2016 هبوط أرباح البنوك التقليدية.
وطبقا للتقرير الاقتصادى فإن قطاع البنوك الكويتية حقق خلال الأشهر التسعة الأولى من عام 2016 صافى أرباح 554.2 مليون دينار بارتفاع طفيف قدره 47.1 ألف دينار، أو 0.01% مقارنة مع 554.16 مليون دينار للفترة ذاتها من عام 2015.
وبلغت أرباح البنوك التقليدية وعددها 5 بنوك نحو 348 مليون دينار بنسبة 62.8% من إجمالى صافى أرباح البنوك العشرة، وبانخفاض نحو 6.3% مقارنة مع الفترة نفسها من عام 2015. وأضاف النفيسى أنه لدى الحكومة قائمة قصيرة من الأسهم القيادية التى تستثمر فيها.
وقال "ميثم الشخص"، المحلل المالى، إن ارتفاع السوق كان متوقعا لعوامل كثيرة منها تراجع أسعار الأسهم وارتفاع أسعار البترول، لكن الأوضاع التى مرت البورصة بها سابقا جعلت الارتفاع الحالى مستغربا.
وأضاف "الشخص" أن أموالا كثيرة كانت تنتظر خارج البورصة منذ سنوات وليس فقط فى 2016 و2017 ومتحفزة للدخول وتحتاج إلى محفزات، وعندما ظهرت هذه المحفزات عادت السيولة للارتفاع.
هبوط أسعار العقار
ويمثل الاستثمار فى العقار أحد أهم منافذ استثمار القطاع الخاص فى الكويت إلى جانب البورصة، وقد أدت عوامل عدة منها زيادة المعروض وقلة الطلب على العقار التجارى والاستثمارى إلى تراجع أسعاره بشكل تدريجى منذ نحو عام، وهو ما أدى لتوجه نسبة لا بأس بها من المستثمرين إلى سوق الأسهم.
وقال محمد المصيبيح، مدير المجموعة المحاسبية فى شركة الصالحية العقارية، إن الإجراء الأساسى الذى ساهم فى هبوط أسعار العقار بنسب تتراوح بين 10 و15% هو زيادة أسعار الكهرباء بنسبة كبيرة للعقارات الاستثمارية والتجارية، والتى ستطبق بدءا من شهر مايو المقبل.
ويشكل الوافدون نحو 70% من تعداد السكان فى الكويت التى يقطنها 4.4 مليون نسمة وهم يشغلون العقارات الاستثمارية بشكل أساسى. وقال المصيبيح إن زيادة أسعار الكهرباء إضافة إلى بعض الإجراءات التى تلوح بها الحكومة أو نواب البرلمان تجاه هذه الفئة أدت إلى تقلص الطلب على السكن الاستثمارى، وهو ما أدى إلى موجة بيع كبيرة فى العقار وعدم الإقدام على الشراء تحسبا لتطبيق زيادة الكهرباء.
وأضاف المصيبيح أن البورصة مثلت ملاذا آمنا للمستثمرين الخارجين من العقار، لاسيما بعد أن تلقت جرعة تنشيطية من المحفظة الوطنية الحكومية جعلتها أكثر جاذبية.
- أمريكانا
ويقول محللون إن إتمام صفقة بيع الشركة الكويتية للأغذية (أمريكانا) أثر إيجابيا على السوق متوقعين أن يستمر هذا التأثير خلال الفترة المقبلة، لاسيما مع الانتهاء منها بشكل كامل خلال الأسابيع المقبلة، حيث يتوقع أن تدخل سيولة جديدة للبنوك، كما سيتم إعادة استثمار جزء كبير من هذه السيولة فى البورصة من جديد.
واستحوذت شركة "أدبتيو" للاستثمار التى يقودها رجل الأعمال الإماراتى محمد العبار فى 20 أكتوبر على حصة مجموعة الخير للأسهم والعقارات المملوكة لعائلة الخرافى والبالغة 66.79% فى أمريكانا مقابل 711.5 مليون دينار (2.33 مليار دولار).
والتزمت الشركة بعد ذلك بتقديم عرض إلزامى لشراء بقية أسهم أمريكانا بموجب قواعد قانون هيئة أسواق المال فى الكويت، بنفس السعر وطبقا لنفس الشروط.
وقال مجلس إدارة أمريكانا فى 9 يناير الحالى إن العرض الذى قدمته شركة أدبتيو للاستحواذ على حصة مساهمى الأقلية فى أمريكانا يعتبر عرضا عادلا.
وقال ميثم الشخص إنه يتوقع أن يتم بيع نحو 70% من الأسهم الحرة فى أمريكانا والبالغة 33% لأدبتيو ضمن العرض الإلزامى، وإن ما بين 150 مليونا إلى 200 مليون دينار من الأموال الجديدة الناتجة عن بيع هذه الأسهم سيعاد استثمارها فى البورصة من جديد.
وأضاف "الشخص" أن إتمام صفقة أمريكانا ودخول مئات الملايين منها للبنوك خفف الضغط عن هذه البنوك، كما أن تحسن قيم الأسهم بنهاية الربع الرابع من 2016 سوف ينعكس إيجابيا على نتائج القطاع المصرفى، وسيقلل المخصصات التى تجنبها البنوك بل ربما يدفعها إلى تحرير مخصصات سابقة.
- آفاق المستقبل
بلغ المؤشر الرئيسى للبورصة الكويتية ذروة ارتفاعه فى 25 يونيو 2008، حيث وصل إلى 15667 نقطة ومنذ أن غادر هذا المستوى بسبب الأزمة المالية العالمية لم يعد إليه حتى الآن. وحتى تلك الفترات القليلة التى ارتفع فيها المؤشر كان سرعان ما يعاود الهبوط، وهو ما يثير مخاوف الكثيرين حاليا من أن تكون الموجة الحالية مؤقتة كسابقاتها.
يرى النفيسى أن الموجة الحالية هى "حقنة تنشيطية لن تدوم" لأن أساسيات الاقتصاد المحلى ما زالت سلبية باستثناء تحسن أسعار النفط، وحتى هذه فإن درجة الارتفاع فيها غير كافية لدفع البورصة لكل هذا النشاط.
وأوضح النفيسى أن اللاعبين الكبار فى البورصة لم يدخلوا بعد أو هم دخلوا، ولكن بمبالغ صغيرة لأنهم "غير متيقنين" من استمرار فورة النشاط الحالية.
وقال النفيسى: "من يدخل بعشرة آلاف أو مائة ألف دينار فإنه من السهل أن يخرج بها.. لكن من يضخ خمسة أو عشرة ملايين فإنه قد لا يسترد منها سوى مليون دينار أو اثنين وقد يتورط.. وهذا ديدن البورصة فى آخر سبع سنوات."
ويتوقع ميثم الشخص أن تستمر الموجة الحالية من النشاط على الأقل إلى نهاية موسم الجمعيات العمومية حيث يحصل المساهمون على توزيعات الأرباح وبعدها قد يتغير الوضع وقد لا يتغير. وتعقد غالبية الجمعيات عادة فى شهرى أبريل ومايو من كل عام.
واعتبر محمد المصيبيح أن الإقبال متركز فى اللحظة الحالية على الأسهم الصغيرة، لأنها ترتفع سريعا، كما أن سعرها مناسب وتستطيع أن تشترى منها كميات كبيرة والربح فيها أكبر. وأضاف أنه لا يمكن التفرقة حاليا بين مضارب ومستثمر لأن الهدف أصبح واحدا وهو الربح السريع.
وتابع المصيبيح قائلا: إن دخول المحفظة الوطنية كان فقط نقطة الانطلاق، والمرحلة المقبلة ستكون مرحلة جديدة فى السوق نظرا للتطورات الكبيرة التى تجريها إدارة البورصة وهيئة أسواق المال فيه.
وأضاف المصيبيح: "لن يكون هناك رجوع للبورصة، ولن يعاود التداول اليومى النزول إلى 8 أو 10 ملايين.. بالعكس النشاط سيستمر لاسيما مع توقع نمو أرباح الشركات القيادية."
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة