ارفعوا أيديكم عن الأوبرا.. لجنة الإعلام بالنواب تخلط "أبوقرش على أبوقرشين"

الأربعاء، 10 أغسطس 2016 03:02 م
ارفعوا أيديكم عن الأوبرا.. لجنة الإعلام بالنواب تخلط "أبوقرش على أبوقرشين" إيناس عبد الدايم
تحليل يكتبه مدحت صفوت

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

يظن كثيرون أن الأرقام مجردة عنوان الحقيقة، بل يتشدق المعتقدون فى ذلك مرددين أن الأرقام لا تكذب، لكنّنا لو تعاملنا مع الأرقام مجردة لكانت الضآلة الكبرى، الأمر الذى وقع فيه النائب محمد فؤاد عن حزب الوفد، حين اعتبر تقريرًا رقابيًا عن إجمالى إنفاق المكافآت والمزايا للأفراد من ميزانية صندوق تمويل نشاط ومشروعات دار الأوبرا المصرية، التى بلغت نحو 18 مليون، بنسبة 91% من إجمالى ميزانية الصندوق للعام المالى 2014/2015، مخالفة تستحق التحقيق.

النائب الممثل لأقدم حزب ليبرالى فى مصر، اعتبر أن الصرف والانفاق على الأنشطة الفنية "خطيئة"، ولم يلتفت عضو لجنة الإدارة المحلية بالمجلس الموقر إلى أن ميزانية أقدم دار أوبرا فى الشرق الأوسط لم تتجاوز العشرين مليونًا، وهو رقم زهيد قياسًا بموازنات دور أوبرا ومؤسسات ثقافية شبيهة بالمنطقة، ولم يتجاوز عمرها عقدين من الزمان.

وكانت لجنة الإعلام والثقافة والآثار بالبرلمان برئاسة أسامة هيكل، ناقشت مطلع الأسبوع الطلب المقدم من النائب محمد فؤاد عن حزب الوفد، بتشكيل لجنة تقصى حقائق بشأن أنشطة صندوق تمويل نشاط ومشروعات دار الأوبرا المصرية، وذلك بحضور إيناس عبد الدايم رئيسة دار الأوبرا، وعدد من أعضاء اللجنة،  وجاء رد عبد الدايم مفعمًا وصائبًا "الأوبرا بها نحو 13 فرقة فنية، وعدد كبير من المشاركين فى العروض الفنية، تضم مجموعة كبيرة من الخبرة الأجنبية، وفى الفترات الأخيرة، كثفت الأوبرا من أنشطتها، بشكل غير مقتصر على العاملين بها، لكن هناك فنانين عرب، وغيرهم، وإلا لا تأخذ الأوبرا دورها الريادى".

اعتقادنا، أن النائب الليبرالى اعتبر رقم 18 مليونا أجورا فى سنة "صيدًا" يكسبه به "سوكسيه" شعبوى وجماهيرى بوصفه النائب الذى يقف بالمرصاد لكل كبيرة وصغيرة، متغافلًا عن حقائق كثيرة سنبينها، ومصطفًا فى الوقت ذاته بصف الوعى الشعبوى الذى يعتبر فنون الأوبرا "رفاهية"، وبصف الوعى الرجعى الذى يسعى إلى تقليص ميزانيات الثقافة والفنون، بالتأكيد يبدو الرقم للمواطن الذى مورست عليه عمليات تزييف الوعى "مرعبًا"، وهو المنطق ذاته الذى انطلق منه محمد فؤاد مطالبًا بلجنة تقصى حقائق.

قلنا سابقًا إن الأرقام مجرد مضللة ولا تعبر عن الحقيقة، فإن كان النائب قد انزعج من 91% من الميزانية "المتدنية" أصلا للأوبرا أنفقت فى بند الأجور، فهل يعلم "جناب النائب" أن 85% من موازنة التربية والتعليم تذهب كأجور ومكافآت، وما يصرف على العملية التعليمية 15% فقط بسبب عدد العاملين بالوزارة، لأن بها ثلث الجهاز الإدارى بالدولة؟ هل يعنى ذلك التخلص من العاملين بقطاع التعليم؟

طبعًا لا نسعى إلى ذلك ونعلم أن مصر تعانى نقصًا فى عدد المدرسين والعاملين بالقطاع، كذلك نقصًا فى العاملين بمجال الصحة، وأن النسبة العالمية لعدد الأطباء بالنسبة لعدد السكان تصل إلى 350 مواطنا لكل طبيب واحد، أما فى مصر فتصل إلى طبيب لكل 800 مواطن مريض، وهو يعد دليلا على حجم العجز الذى تواجهه مصر، ومع ذلك ينفق الجانب الأعظم على الأجور المتواضعة التى يتقاضها أغلب العاملين فى الدولة بصفة عامة.

قد يغيب أيضًا على بعض أعضاء لجنة الإعلام بمجلس النواب أن الانفاق على الأنشطة الثقافية الجزء الأكبر منه أجور، فمثلًا العمل المسرحى ينفق أجور وتكاليف ممثلين وفنيين وإداريين أكثر من الانفاق على "المستلزمات" ديكور وملابس، نظرًا لطبيعة العمل ذاته، وانتقاد زيادة نسبة الأجور هنا بالموازنات "خلط للأمور"، أو بالتعبير الشائع "خلط أبو قرش على أبو قرشين".

يقول الشاعر المكسيكى أوكتافيو باث "إن شعبًا بلا شعر هو شعب بلا روح وأمة بلا نقد أمة ميتة"، ونؤكد أن الاهتمام بالأنشطة الثقافية والفنية ليست "ترفًا"، وإنما جزء من بناء الإنسان والمجتمعات، ومن خلال الفن يمكن تحقيق التحرر من التبعية، وأثارها التى حاصرت واقعنا المتردي، وكبلت الإنسان بدنًا وعقلًا وروحًا.










مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة