مؤمنون بلا حدود
أول تواصل لى مع خطاب على مبروك، كان عام ١٩٩٣م، عبر أول مقالة له نُشرت بجريدة الأهرام، ٢٣ يونيه وهو بعد مدرس مساعد، يُعد رسالة الدكتوراة، فى صفحة الحوار القومى الأسبوعية، التى خصصها لطفى الخولى لمناقشة قضية رفض ترقية نصر أبوزيد، وجذبنى عنوان مقالة على مبروك، البديع بسجعه "لمصر لا لنصر"، فبعد أن أشار إلى أنه بالرغم من جزئية إنجاز نصر أبوزيد، بتركيزه على الخطاب الدينى، فإن نتائجه يمكن نقلها للخطاب العربى العام، خلال القرنين الماضيين. ثم ذكر؛ أن الأمر ليس دفاعا عن شخص نصر أبوزيد، بقدر ما هو دفاع عن مصر، وعن مستقبلها.
لذلك سعدت سعادة طفل، حين وجدت على صفحة صديق "فيسبوكى" وصلة لمقالة صديق له مثله "دكتور" فلسفة، مُشيداً بأهمية المقالة، المنشورة بموقع مؤسسة مؤمنون بلا حدود، منذ أسبوع، بتاريخ ٢١ مايو تحت عنوان:"على مبروك وتصحيح مسار العلمانية العربية"، سعدت أن يكون هناك اهتمام بعلى مبروك. اهتمام، يواجه محاولات، اغتيال خطابه ودفنه حيا، وهو ينبض، منذ ثمانينات القرن الماضى، داخل كلية آداب القاهرة وقسم فلسفتها، منذ إعداده لرسالته الأولى للماجستير، وكذلك عملية دفن خطابه التى تتم الآن، داخل القسم وداخل الكلية، ورغم أن القسم لا يخلوا من جهود، مخلصين، يحلمون بوطن حى ومستقبل حر لمصر، لكنهم فُرادى تتخطفهم الطيور الجوارح، لكن بعد قراءة متمعنة للمقالة المكتوبة عن على مبروك. هالتنى. فلم تكن؛ اختلاف أو نقد لفكر على مبروك، أو حتى إساءة فهم لخطابه عبر قراءة إسقاطية. أو أن كاتبها حاول أن يصبغ على مبروك بصبغته ويجذبه الى طريقه. أو حتى، أنها قراءة مُتربصة تتصيد له. بل اتضح لى أن كاتب المقالة لم يقرأ كتابا واحداً لعلى مبروك، وبنى كل مقالته على مقالة لعلى، من أربع صفحات، كان قد نشرها ضمن ملف عن العلمانية بمجلة الثقافة الجديدة فى عددها رقم ٢٩٩، أغسطس ٢٠١٥م. وقدم "دكتور" الفلسفة مقالته على أنها نتاج قراءة فى "كل إنتاج على مبروك".
فكان أول رد فعل لى أن عدت لصفحة صديقى الفيسبوكى "دكتور" الفلسفة الذى أخذت عن صفحته وصلة المقال. وبين كل التعليقات العديدة التى تهنيء وتمدح وتشيد وتضع علامات الإعجاب بالعشرات، تحت وصلة المقال على صفحته، و أغلبها من طلبة عنده بالكلية تحت سلطته. كتبت هذا التعليق:"هذا بوتيك للبيع وللتجارة فى كل شيء" ومضيت فى طريقي. فى اليوم التالى أٌخبِرت من واحد ربما أعجبه التعليق أو ربما متربصا بصاحب الصفحة أو بصديقه "الدكتور" أن التعليق قد حُذف. "دكتور" الفلسفة حذف تعليق من سبع كلمات. سبع كلمات ! وسط مئات من سطور المدح والإطراء !! تحت مقال صديق له.
الغريب فى الأمر أنه هو نفسه قد أرسل لى قبلها بشهر مقالته التى نشرها فى مؤمنون بلا حدود أيضا بتاريخ ١٥ ابريل تحت عنوان : "أفكار مؤثمة من اللاهوتى إلى الإجرائي". وتناقشت معه حولها وقدمت له نقداً بينى وبينه، أتصور أنه دقيق، أبرزت له عناصر الضعف فيها. فرغم حشره لمعلومات مُستقاة من النيت، ورغم الإنشائية، إلا أنه يُحسب له أنه حاول، التعرف على خطاب علي، من خلال كتاب وحيد قرأه حينها لمبروك. وبعد ثلاثة أيام من نقاشنا عقد ندوة فى كليته بالصعيد عن على مبروك ومشروعه، وظهر فى كلمته بالندوة أثر حوارنا. فرغم عنفه و دوجمائيته؛ نتيجة لنشأته المحافظة وللسياق الذى يدرُس ويدرّس، فهو يحاول أن يقرأ، فأرسلت له بعض كتب على مبروك ليتعرف على خطابه.
فما كان منى سوى أن، كتبت له رسالة خاصة على فيسبوك:" حذف التعليق، هو ممارسة سلطة، وليس تفكيراً !" فكتب رداً - ليس من حقى نشره لأنه لم يُصرح لى بذلك لكنى شعرت بما يريد، (عدم المناقشة لمقالة صديقه سعيا أن يتوقف الأمر عند هذا الحد رهاناً أن المقالة لن تُقرأ ولن يلتفت أحد لما فيها ولا إلى اللأمر، بكليته) وربما لا يعرف صديقى الفيسبوكي، أن صديقه "الدكتور" نقل من مقالته هو السالف الإشارة إليها، فقرتين. كلمة بكلمة. دون أن يشير إلى مصدرها ووضعها على أنها كلماته واستنتاجاته. وشعرت من تصرف صديقى الفيسبوكي، أن هناك ما يريد هو أن يغطى عليه أيضا. فأسفت لقصِر نظره.
أخذت وصلة مقالة صديقه "دكتور" الفلسفة وأعدت نشرها على صفحتى وبدل السبع كلمات كتبت: "هذه المقالة: نموذج للقراءة، التى تنفع بوتيك لبيع وللمتاجرة بكل شيء. أستطيع أن أقطع أن كاتبها لم يقرأ كتابا لعلى مبروك، و كل المقال هو تبسيط مُخِل لمقاله لعلي، بمجلة الثقافة الجديدة، العام الماضي، عن العلمانية، مع بعض التحابيش من (الدكتور) لزوم العلمية والأكاديمية بذكره مراد و هبه و نصر أبوزيد.
بنظام القص و اللصق. والله أعلم". دار نقاش حول التدوينة على صفحتى الفيسبوكية، شارك فيه مهتمون بعلى وبخطابه، وكذلك من يكيدون لكاتب المقال، ومن يتربصون به. فعلى العموم المدينة بأضوائها تغتصب الريفي، المتطلع إلى الأضواء والمال وإلى النفوذ، بأى ثمن. فرأيت ألا أُدْخِل نفسى فى مساجلات ولا فى صغائر أمور. فشكرت من طلب منى أن أكتب رداً على المقالة. ذاكراً أن لعلى مبروك ولخطابه مقام رفيع عندي، سيظهر يوما فى عمل يكون خطوة. كما فعلت وأفعل مع خطاب نصر أبوزيد. فلا فائدة من هذه المساجلات.
ليصدر بعد أيام عدد جديد من مجلة الثقافة الجديدة بالقاهرة وبها ملف عن على مبروك، ما أن قرأته ودققت فى محتواه، حتى شعرت بنفس شعور على مبروك منذ ربع قرن ضد عملية إغتيال خطاب نصر أبوزيد فى النصف الأول من التسعينات، وشعرت أننى يجب أن أكتب عن هذا الملف، ملف إغتيال خطاب على مبروك ومحاولات وأده حيا، منذ منتصف الثمانينات من القرن الماضي. فملف الثقافة الجديدة بعطنه، حلقة أخرى من حلقات ملف محاولات إغتيال خطابه، وتهميشه، وكنسه تحت سجادة الأكاديمية، المؤسسية، التى تجبْست شرايين التفكير فى مؤسساتها. وهذا الملف، وان كان يُعلن أنه يحتفى بعلى مبروك "فيلسوف التنوير". فهل محتوى الملف بالفعل، يصل بنا إلى هذا إحتفال بفيلسوف أو بتنوير؟ ليصبح حالي، وشعوري، أقرب إلى أن الكتابة ضد هذا الإغتيال ضرورة، بل حتمية:"لمصر لا لعلى ولا لنصر".
الثقافة الجديدة
احتفت مجلة الثقافة الجديدة بعلى مبروك، وبخطابه فى عددها رقم ٣٠٩ لشهر يونيو ٢٠١٦م. حيث خصصت ملف عنه تحت عنوان (د. على مبروك فيلسوف التنوير) به سبع مداخلات، الأولى: على مبروك وتصحيح مسار العلمانية / د. غيضان السيد علي. والثانية: الفكر التنويرى عند على مبروك / د.محمود سيد بيومي. الثالثة: على مبروك قراءة فى خطاب مأزوم/ د. ماهر عبدالمحسن. الرابعة: جدل الإلهى والإنسانى فى فكر على مبروك / حمدى الشريف. الخامسة: على مبروك ونقد العقل السلفى / سومية أبوعامر. السادسة: أزمة التعالى ونقد العقل المهيمن / سفيان البطل. السابعة: من المتعالى إلى التاريخي/ ياسين سليماني. وعرضين فى باب كتاب الشهر: لكتاب على مبروك (النبوة من علم العقائد الى فلسفة التاريخ). الأولى: النبوة وصراع السلطة / شريف الدين بن دوبة. العرض الثاني: النبوة من علم العقائد إلى فلسفة التاريخ/ أسماء عريف. وحوار أُجراه معه حسام علاء سنة ٢٠١٣م ويُنشر لأول مرة. و أيضا رئيس التحرير جعل صفحة مَخرَجه فى العدد، عنوانها عن علي.
المداخلة الأولى فى الملف:"على مبروك وتصحيح مسار العلمانية العربية" و التى نشرها كاتبها قبلها بعشرة أيام بموقع مؤمنون بلاحدود بتاريخ 21 مايو، وأعاد نشرها بنفس العنوان لم يغير فيها حرف.
ويقول كاتبها ص١٢٢ من المجلة أن سعيه للوقوف على موقف على مبروك من العلمانية:"بعد الإطلاع على كافة كتاباته" موحيا أنه قرأ كافة كتابات علي، ليستخلص لنا من هذه القراءة، مقالته. فى حين أن المقالة كلها مبنية، على مقالة، من أربعة صفحات، كان قد نشرها على مبروك، بنفس المجلة عشرة أعداد سبقت هذا العدد، فى ملف لها عن العلمانية فى أغسطس من ٢٠١٥م بل كل إشارات كاتب المقال الأخرى لكُتاب آخرين ما عدا واحد هى مأخوذة من نفس عدد المجلة، سواء ما نقله كاتب المقال عن مراد وهبة، أو عن أحمد زايد أو عن سامية صادق. بل إن مقالة سامية صادق عن نصر أبوزيد هى التى نقل عنها، ما ذكره عن نصر أبو زيد، دون أن يعطيها تقدير جهدها. فهامش ٣ فى مقاله أخذه عنها وهامش ٤ فى مقاله هو ذاته هامش ٨ فى مقالتها. ثم إعتمد على فهرست كتاب نصرأبوزيد" نقد الخطاب الديني" ولانه ينقل فقط، و من الفهرست. ذكر الآليات الخمسة التى يعتمد عليها الخطاب الدينى فى تحليل نصر أبوزيد، ولم يذكر أهم ركنين فى الفصل وهما المنطلقين الفكريين الذين يشترك فيهما كل أطياف الخطاب الديني:" الحاكمية و النص". ورغم أن استشهاداته بكلام نصر ليس لها علاقة بموضوع مقاله، عن العلمانية. فلو كان أتعب نفسه وقرأ مقدمة كتاب "نقد الخطاب الديني" الذى يشير إليه، فى أى طبعة من طبعاته بعد ٩٤ وما بعدها لوجد فى ص٢٧ مناقشة دقيقة عن العلمانية تفيد فى موضوع مقالته. لكنه فى الغالب لم يفتح الا الفهرست.
بل إن إشارته لكتاب الطهطاوى تخليص الإبريز هى منقولة مباشرة من هوامش مقال على مبروك الذى اعتمد عليه، فهى ذاتها الشاهد رقم ٥ من مقالة علي. وحتى إشارته لسلامة موسى هى أيضا مأخوذه من مقالة علي. ولم يكتف بذلك بل إشارته لكتاب أفكار مؤثمة لعلى مبروك، فى الشاهد رقم ١١ منقولة بالحرف من شاهد رقم ٢ من عرض صديق له، المنشور فى مقال بمؤمنون بلاحدود يوم ١٥ ابريل بعنوان:"أفكار مؤثمة من اللاهوتى إلى الإنساني".
ليست مشكلة المقال الأول فى كونه سوء قراءة لخطاب على مبروك؛ فهذا جائز فى عالم الفكر. ولا فى كونه محاولة للى عنق نصوص وخطابه. فهذا أصبح العادى فى حياتنا الثقافية. وليس حتى محاولة تلوين على مبروك بصبغة كاتب المقال. بل المشكلة الأساسية أن المقال عبارة عن كتابة بدون قراءة، كتابة من أجل التواجد والظهور. إنها ثقافة المقاولات ومنظومة السمسرة، للتجارة فى كل شيء. تغتصب فالمدينة تغتصب الريفي، المتطلع للتواجد وللشهرة بأى ثمن.
والطبيعة المُحافظة لكاتب المقال تتجلى فى عبارته:"أرى أن التفكير خارج النموذج الدينى فيما يخص الشئون الفقهية للحياة التى أوصى بها القرآن الكريم وصحيح السنة النبوية هو ضد الدين". والجملة كاشفة عن نسق تفكيره، النسق الذى يحاول أن يوفِّق بين المتباينات، عبر وضعها بجوار بعضها البعض، تجاور فى المكان، فينتهى به منهج توفيقه هذا، إلى مجرد عملية تلفيق، تُجاور بين القديم و الحديث. وهو النسق الفكرى الذى حاول خطاب على مبروك أن يفككه فى ثقافتنا المعاصرة والتراثية، منذ ثمانينيات القرن الماضى فى دراسته للماجستير عن مفهوم النبوة، حتى أخر نص تركه لنا عن الشريعة.
ولم يشأ كاتب المقال أن يتركنا دون أن يُضّمن هذه الفقرة فى ص١٢٦، عن الفكرتين المحوريتين اللتان دارت حولهما كتابات على مبروك: وهى التعددية الناجمة عن فعل القراءة وإعادة القراءة والتفسير والتأويل وهى بلا شك منتوجات بشرية لا ينبغى تقديسها"" الأولى: إعادة قراءة التراث من منطلق أبعاده المعرفية لا الأيديولوجية. والثانية: تاريخية النصوص التراثية - بما فيها النصوص الدينية ـ وتعدد دلالاتها( أضاف من عنده كلمة " ومعانيها"). وهى منقولة بالنص من المقالة المنشورة لصديقه بموقع مؤمنون بلا حدود بعنوان "أفكار مؤثمة من اللاهوتى إلى الإنساني" فى ١٥ ابريل. والتى أعاد صديقه تدويرها فى هذا الملف أيضا فتجد الفقرة مكررة فى المقال الآخر فى ص ١٤٠ من نفس الملف. بل ونقل أيضا من مقال صديقه من نفس ص١٤٠ فقرة فى الهامش وضعها بجوار نجمة:"فالقراءات الأيديولوجية غالبا ما تُضحى بالأبعاد المعرفية للنص بل قد تُستخدم لتشويه معانى النصوص ودلالاتها و من ثم إعادة تأويلها لتخدم أغراض نفعية سياسية أو إجتماعية بعينها" منقولة بالحرف من مقالة صديقه "دكتور" الفلسفة ص ١٤٠. إنه يتعامل مع صديقه "الدكتور" ومع بحثه بعقلية مقاول الأنفار، الذى من حقه أن يأخذ ما شاء لكونه المسؤل عن الملف، فمقابل أن ينشر مقالك فى ملف يشرف عليه، يحق له حسب شرعه أن يأخذ من المقال، دون أن ينسب الحق إلى صاحبه.
عين فى الجنة
المداخلة الرابعة والمُعاد نشرها فى هذا فى الملف تحت عنوان:"جدل الإلهى والإنسانى فى فكر على مبروك"ص١٣٦ وكاتبها كان أكثر مراوغة من صديقه فلم يُعد نشرها كما كانت حين نشرها فى موقع مؤمنون بلا حدود ١٥ ابريل بل غيّر عنوانها الذى كان:"أفكار مؤثمة من اللاهوتى إلى الإنساني" وأتصور أنه قد نشرها بملف مجلة أدب ونقد فى عدد ابريل ٢٠١٦م مرة ثالثة تحت عنوان:"جدل المقدس والإنسانى فى الفلسفة الإسلامية". لكنى لا أستطيع القطع بذلك حتى أقرأ المقال. على أى حال فى صورة المقال هنا فى هذا الملف. حذف ما يشير إلى أنه كان يعرض كتاب "أفكار مؤثمة". وأضاف لعناوين كُتب على مبروك فى صورة مقالته الأولي، سنوات نشر طبعاتها الأولى. وهى غير دقيقة؛ فكتاب الحداثة صدر ٢٠٠٣ وليس ٢٠٠٦ وكتاب الإمامة ٢٠٠٤ وليس ٢٠٠٢، لكنه للأمانة أضاف كتاب على مبروك الأخير "الأزهر وسؤال التجديد" الذى سقط فى نسخة المقال الأولى. استخدم عبارات فى وصف منهج على مثل:"التحليل التفكيكي". ولا أعرف كيف يكون المنهج؛ تحليل تفكيكي؟. وذكر أن على مبروك اشترك مع نصر أبوزيد فى معهد الدراسات القرآنية فى ماليزيا، وهو فى أندونيسيا. لكن بعد مدخله الذى غيره، تجد المقال، هو نفس المقال المنشور بمؤمنون بلاحدود، بنفس عناوين أقسامه وبنص محتواه:" التراث بين الدوجما والإنفتاح" "الخطوط الفكرية -بدل العريضة جعلها- الحاكمة لفكر مبروك"، "الدوائر الفكرية فى خطاب مبروك". فإن كان أكثر مراوغة من صديقه فى محاولة الإخفاء والتخفي، ففى النهاية وصل إلى نفس الطريق، طريق محاولة التوفيق التى تُفضى إلى مجرد تلفيق، ومن كونه سمسار أفكار ليسير فى طريق أن يُصبح مقاول فكري.
فلو غضضنا النظر عن إعادة التدوير التى قام بها لمقاله بمؤمنون بلا حدود، وركزنا على محتوى المقال، فنجده فعلاً قد أمسك بكتاب "أفكار مؤثمة" لعلى مبروك، وحاول يقرأه بل قرأ أجزاء كبيرة من ١٧٩ عدد صفحاته، لكن إشكاله أنه حاول تعميم أحكام ونتائج لم يدلل عليها. مما جعل المقال أقرب لسوء القراءة، وإنتقائيتها عبر قص ولصق، من أى شيء آخر. فبجانب الإنشاء الكثير و محاولة حشو المقال بمعلومات من قارة النيت، معلومات يمكن أن يصل إليها أى راغب بسهولة، وكان أجدى له أن يركز على خطاب على مبروك ذاته وتحليل مكوناته. وليس بالتركيز على ما هو برانى وما هو قشور. فنجده قد تجنب أن يذكر أى من المضامين والأمثلة الموجودة فى الكتاب، لأنها ستحرجه فكريا، إذا عرض لها، وربما لأنه لم يقرأها. فمثلا تحليل على مبروك، لتعامل الخطاب الفقهى مع ولاية المرأة وولاية غير المسلم، ومعارضة الفقهى للخطاب القرآنى فى هذا الأمر.
وهناك مجموعة من الأحكام التى أختلف فيها مع كاتب المقال، لأنه لم يدلل عليها: فمثلا تحدث عن تأثير نصر أبوزيد وأدونيس على على مبروك، ولم أجد فى المقال أى تدليل عن ما هو هذا التأثير وما هى ملامحه. وتحديداً تأثير أدونيس. الذى لا أعرف كيف توصل إليه. كذلك حكمه بحصر جهد على مبروك، ودورانه حول فكرتين الحكم الذى نُقله عنه صديقه دون أن يشير: إعادة قراءة التراث من منطلق أبعاده المعرفية لا الأيديولوجية وفكرة تاريخية النصوص التراثية. أين التدليل عليهما. فكيف وصل لهذا الحكم وهو لم يقرأ سوى هذا الكتاب لعلى مبروك وقت كتابة مقالته؟ لكن فى النهاية كل هذا مقبول فى عالم الفكر سوء القراءة والقراءة الإسقاطية، فهذا مستنقع الأيديولوجيا الذى تعيشه ثقافتنا البائسة.
إعادة بلا إفادة
المداخلة الخامسة فى الملف. جاءت تحت عنوان:"على مبروك ونقد العقل السلفي" نقلت نفس الفقرة المشار إليها سابقا:عن الفكرتين المحوريتين عند على مبروك فى بداية مقالها ص١٤٣ دون أن تحيل إلى مصدرها، ولكنها لم تنقلها نقل مسطرة كما فعل المقاول وحاول إخفائها فى نهاية مقاله، بل هى وضعتها فى جبين مقالتها، وأضافت إليها كلمات لزوم التكرار والإخفاء. والمقال كله هو مجرد الوقوف عند ص ٢٨ من كتاب على مبروك "النبوة من علم العقائد إلى فلسفة التاريخ" ومقالة لعلى بجريدة الاهرام عن حزب النور.
المداخلة الثانية:"الفكر التنويرى عند على مبروك". المقال كله وصلة من تعبيرات الإنشاء الرنان، الذى ينطبق على أناس كثيرين فلو رفعت اسم على مبروك ووضعت اسم آخر واستبدلت عناوين كتبه بعناوين كتب على سينطبق عليه المقال. مجرد مرور براني، من خلال معلومات. فمثلا فى ص١٢٧ يتحدث عن دعوة على مبروك إلى تجديد الخطاب الديني. فى حين أن دعوة على مبروك الأساسية عدم إمكانية تجديد أى خطاب بما فيها الخطاب الديني، و ودعوته الدائمة إلى؛ "خطاب دينى جديد"، الدعوة يُعتبر على مبروك صوتها الأعلي، وكانت هذه الدعوة لخطاب دينى جديد؛ هى لب مداخلته الأساسية فى مؤتمر مؤمنون بلاحدود السنوى الثانى. وتحدث كاتب المقال عن الكتب وعن مضمونها دون إشارة إلى صفحة واحدة فى أى كتاب منها. واستشهد كاتب المقال بمقولة لسلامة موسى، طالما استشهد بها على مبروك، ناقداً لها وعلى كونها نموذج، لمن يعتبرون حداثة أوروبا هى النموذج فكاتب المقال ذكرها على أن على يتفق مع مضمونها ويتبناه ص١٢٨.
المداخلة الثالثة:"على مبروك قراءة فى خطاب مأزوم.. اعتصام رابعة نموذجاً" والمقال رغم إيحاءه أنه قراءة فى خطاب على مبروك، من خلال مقالة واحدة نُشرت على موقع قناة العربية، أسبوعان بعد بدأ إعتصام رابعة. وكاتب المقال لم يقرأ لعلى مبروك سوى هذا المقال، وسبب نزعة اليقين فى كلامى أن كاتب المقال إذا كان قد تابع ودقق فى جوانب خطاب على لربما اكتشف أن على ذاته أعاد استخدام أجزاء من هذا المقال فى مقاله الذى نشره فى الأهرام بعنوان:"الرؤى والبشارات فى ساحة رابعة" فى ٢٥ يوليو ٢٠١٣م وهو جزء من فصل عن الإخوان المسلمين بكتاب "الدين والدولة فى مصر" ويلى هذا الفصل فصل عن التيار السلفي.
لكن السؤال هنا هل فعلا يمكن للدكتور كاتب المقال أن يدرك أزمة خطاب على مبروك من مقالة واحدة وبدون عون من قراءة المقالة هذه فى ضوء كتب على مبروك الأخرى؟ ولن أشرح مقالة على فللقاريء أن يعود إليها، على قارة النيت. حيث حاول فيها شرح لماذا تصورات الرؤى والبشارات، كانت سائدة فى ساحة تجمع رابعة كبنية فكرية. فى عملية تحليل عميقة. من حق كاتب المقال كما فعل كثيرون أن يختلف كما إختلفنا مع مواقف على مبروك السياسية بعد حركة ٣٠ يونيو من الجيش.
لكن هذا المقال بهذا الملف يحتاج إلى نوع من التحليل الدقيق، الذى ربما قد يؤكد، وللدهشة، صدق تحليل على مبروك ذاته. على تصورات كاتب المقالة. وهذه الفقرة من المقالة كاشفة حيث يقول كاتب المقال فى نقد تحليلات مبروك : "فالمسألة لا تعدو فى نظر مفكرنا أكثر من كونها مناسبة أو فرصة ذهبية لاختبار فروضنا النظرية فى الفلسفة وعلم النفس، وهى مسألة مؤسفة فى الحقيقة لأنها تتعامل مع الظاهرة - التى هى إنسانية بالأساس - كحقل للتجارب وإذا صح ما أورده عن المضامين التى يحملها خطاب المنصة فهو خطاب - أولاً و آخراً - يأتى متسقا مع قناعات مردديه باعتباره خطاباً يتأسس على خلفية دينية. وهو ما يرفضه مبروك ابتداء كمفكر ينتمى إلى التيار التجديدى العلماني، الذى يميل إلى فصل الدينى عن السياسي، ومثل هذا الموقف الأيديولوجى التى يفترض أن تكون مُتضمنة فى التحليل العلمى للخطاب" ص١٣٤ فى نظر كاتب المقال لا سبيل للتعامل مع ماهو يومى بالتحليل وبالدرس وهذا النسق من التفكير ذاته هو النسق الأول الذى حلله على فى مقاله عن الوعي، الذى يكون مجرد رد فعل، نسق خطاب منصة رابعة. النسق الذى لا يسعى للوصول إلى لماذا وصلنا لما نحن فيه، لكى نتعلم منه ونخرج من أسره. بل نكتفى بالنواح، وبالرؤى والبشارات. ويعتبر كاتب المقال أن ما لم يدركه على مبروك هو أن خطاب رابعة "مؤسَس على خلفية دينية"، وهذه هى نقطة التحليل الرئيسية فى مقالة علي، فإذا كان خطاب رابعة مؤسَس على خلفية دينية، فيُصبح من يعترض عليه أو يختلف معه، ليس مختلفا مع خطاب بشرى بل مع "خلفية دينية" وهذا يفسر موقف كاتب المقال ذاته ومحاولة وصمه خطاب مبروك بإنتمائه الى:"التيار التجديدى العلماني، الذى يميل إلى فصل الدينى عن السياسي" وكاتب المقال لا يحتاج إلى أن يعود إلى كتابات على فى نقد خطاب التجديد ولا إلى نقد الخطاب العلمانوي. بل كاتب المقال لا يحتاج أكثر من قراءة أوراق هذا الملف، على ما فيه من عطب. أو ملف نفس المجلة فى عدد ٢٩٩ عن العلمانية أو أخر مقالات على المنشورة بجريدة الأهرام، أو فصول كتابه الدين والدولة فى مصر. لكى يعرف أن ما يصدره من أحكام، ليست مؤسسة. لكن هى هات له أن يفعل، هى نفس عقلية رابعة. عبر تدنيس من اختلف أو اعترض مع خطابها، بأنه ليس ضدها، بل ضد الدين وداعى إلى" فصل الدين عن الدولة".
وانتقد كاتب المقال نقطة على بأن عساكر معسكر الحرس الجمهوري، بحكم القانون عليهم حماية المنشأة العسكرية من الإقتحام بدمائهم، وباستخدام القوة القاتلة. ولم يقدم كاتب المقال، ماذا كان يجب على عساكر حراسة معسكر الحرس الجمهورى أن يفعلوا؟
المداخلة السادسة:" أزمة التعالى ونقد العقل المهيمن عند على مبروك" والتى كتبها سفيان البطل. وهو عرض أمين ودقيق لكتاب على مبروك:"ما وراء تأسيس الأصول.. مساهمة فى نزع أقنعة التقديس" يكشف المقال عن قراءة سفيان للكتاب، وبعد "العرض" كتب خاتمة حاول أن يخلص منها إلى ما يُستفاد من الكتاب.
المداخلة السابعة:" من المتعالى إلى التاريخى مقاربة فى الممارسة النقدية عند على مبروك" وهى عرض آخر للكتاب السابق"ما وراء تأسيس الأصول" ولكنه عرض للكتاب من خلال سبع صفحات فيه من ص٢٤ حتى ص٣٠ من كتاب به ٢٤٠ صفحة.
المداخلتان الثامنة والتاسعة والموجودتان فى باب "كتاب الشهر" بالمجلة هما عرض لكتاب على مبروك:"النبوة من علم العقائد إلى فلسفة التاريخ..محاولة فى إعادة بناء العقائد" والقراءة الأولى بعنوان:"النبوة وصراع السلطة" وعرضه للكتاب لم يخرج عن تسع صفحات من الفصل الأول من ص١٥ - ٢٤. عن مفهوم النبوة كلفظة عربية، مع إشارة لكتاب ثورات العرب خطاب التأسيس فى ص١٧٩ و ١٨١. التى لم أسع لتدقيق من أى مصدر نقلها عنه، فقد تعبت ومللت من هذا العطن، وإنفاق وقتى فى محاولة تقصيه.
العرض الثانى كان بعنوان:" النبوة من علم العقائد إلى فلسفة التاريخ". وهو عرض لم يتعرض إلا للباب الأول من الكتاب وهو ثلث الكتاب، بل لم يتعرض إلا لثلث الثلث من الباب ذاته عن دلالة كلمة النبى والنبوة، ومن غلاف الكتاب الخارجى فى الخلف فى طبعة مكتبة التنوير ١٩٩٣م وهى الطبعة الوحيدة المتوفرة على النيت للكتاب، ذكرت الفقرتين الأخيرتين عن النبوة عند الأشاعرة وعند المعتزلة.
خاتمة
بعد هذا العرض ومشكلاته الذى حاولت خلاله رفع الغطاء عن مجارى فكرية، فى بنيتنا التحتية لعمليات التفكير فى ثقافتنا السائدة، فليعذرنى قاريء ما سبق من سطور، وما قد يكون طاله من روائحها الكريهة ومن مخلفاتها الفكرية. فقد وصلت إلى أن مشكلة أغلب من كتبوا عن على مبروك وما وقعوا فيه ناتج من أن؛ المتوفر من كتبه فى قارة النيت، هما كتابيه:" النبوة من علم العقائد إلى فلسفة التاريخ...محاولة فى إعادة بناء العقائد" طبعة دار التنوير القديمة، سنة ١٩٩٣م. وهى رسالته للماجستير. وكتاب:" ماوراء تأسيس الأصول..مساهمة فى نزع أقنعة التقديس" طبعة دار رؤية، ٢٠٠٦م.و ربما هذا يفسر لنا أن أربع مداخلات فى هذا الملف هى عبارة عن عروض لهذين الكتابين. المشكلة الثانية سرعة الكتابة، جعلت البعض يعتمد على فيديوهات لعلي. و حوارات صحفية منشورة له. بجانب بعض من مقالاته فى الأهرام منذ مارس ٢٠١١.
وأعتذر مقدما عن السجالية فى سطورى السابقة، وبعض الإنفعال، والحدة، لكن رأيت أنه يجب أن تكون هناك وقفة مع ظاهرة البارومة والبلطجة الفكرية. من أجل مزيد من الدرس الناقد، لها كظاهرة، سعيا إلى أن نتجاوز بهذا الدرس النقدي، وضع التشظى الذى تعيشه ثقافتنا، وشعوبنا، فى أجلى صوره الآن.
إشكالية خطاب على مبروك مثل إشكالية خطاب نصر أبوزيد. أن من يتعاملون معه على أنه علماني، عقلاني، حينما يقتربون من خطابه يجدوا به محمول ومضمون ديني، و ويجدوه ينطلق من داخل التراث، ويجدوا عنده نقد عميق للتيارات الحداثوية التى يراها لاتختلف عن منهج التراثيين فى التفكير عبر النموذج السابق الجاهز، وعبر نقله نقل تسليم مفتاح. وعلى الجانب الآخر: من يتعاملون مع خطاب على مبروك على أنه مجدد دينى ومن داخل العباءة التراثية، يجدون عنده عمق فهم للحداثة الأوروبية بسياقاتها التاريخية وعدم تقوقع فى المنظومة التراثية عبر تمجيدها و إجترارها. ويجدونه ينقد نقدا فى العمق للمنظومة التراثية، ولمنهج النقل عند وعن التراثيين، عبر منهج التفكير، عبر أصل سابق. مما رسخ عقل يقوم على القياس. وكذلك نقده الشرس، لتيارات تديين السياسة المعاصرة، دفاعه المستميت عن الدولة من السقوط، رغم تسلطيتها التى طالما نقدها فى دراسات له.
إنه العقل النقدى الذى يعيد التفكير فى الثوابت، باستمرار، حتى تلك الثوابت التى أسسها العقل النقدى ذاته. وهنا مربط الفرس الفكرى فى ثقافتنا السائدة. وهى إشكالية الخطاب النقدي، مع عقلية الوسطية، التلفيقية، التى تشغى تحت سطح خطاب التحديث، خلال القرنين الماضيين، عبر عملية التجاور التى تقوم بها بين المتباينات والمتناقضات، بجوار بعضها البعض، دون جدل مُنتِج بين الإثنين للخروج بمركب جديد، متجاوز للإثنين. وهذا ما يحتاج إلى دراسات، والى عقول تعمل عليه، لتهضم ما أنجزه نصر أبوزيد وعلى مبروك تجاوزا لأستاذهما حسن حنفي، و لنقف على ما أنجزاه لنتجاوزهما. وعملية نزولى هذه التى حاولت أن أقوم بها، فى مستنقع التشويه والوأد لخطاب؛ سواء عبر محاولات تهميشة التى تتم عبر عقود، أو كما حاولت أن أرصد هنا عبر الإستسهال و السبهللة الفكرية وعبر ملفات المقاولات، أحب أن تكون نقطة بداية نمسكها كطرف خيط، لبداية طريق، لمصر لا لعلى ولا لنصر.
والله أعلم
موضوعات متعلقة..
باحثون ونقاد: على مبروك نموذج لمفكر الشارع وأهم ناقدى "الرؤية الأشعرية"
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة