انتقل نابليون بونابرت من معسكره بالجيزة ودخل القاهرة يوم 24 يوليو 1798، مصحوبا بضباطه وأركان حربه، ونزل بقصر محمد بك الألفى فى «الأزبكية»، حسبما يذكر عبدالرحمن الرافعى فى الجزء الأول من كتابه «تاريخ الحركة القومية وتطور نظام الحكم فى مصر» عن «دار المعارف، القاهرة»، وفى اليوم التالى «25 يوليو»، شرع فى تأسيس «الديوان» ويتألف من تسعة أشخاص، ووظيفته «حكم القاهرة».
تألف هذا الديوان من المشايخ «السادات، الفيومى، الشرقاوى، الصاوى، البكرى، العريشى، موسى السرسى، والسيد عمر نقيب الأشراف، ومحمد الأمير»، وله حق تعيين اثنين من الأغوات «رؤساء الجند» لإدارة البوليس، وتقرر أن ينتخب لجنة مؤلفة من ثلاثة لمراقبة الأسواق وتموين المدينة، ولجنة من ثلاثة آخرين يكلفون بمهمة دفن الموتى فى القاهرة وضواحيها، ويجتمع الديوان كل يوم من الظهر، ويبقى ثلاثة من الأعضاء على الدوام فى «دوار المجلس»، ويقام على بابه حرس فرنسى وآخر تركى، وجعل مقر الديوان فى بيت قائد أغا بـ«الأزبكية» قرب «الرويعى»، وسكن به رئيس الديوان.
عمم نابليون نظام الديوان فى مديريات القطر المصرى، وطبقًا لـ«الرفعى»: أصدر فى 27 يوليو «مثل هذا اليوم» 1798 أمره الآتى:
أولا: يتألف فى كل مديرية من مديريات القطر المصرى ديوان من سبعة أعضاء يسهرون على مصالح المديرية، ويعرضون عليه كل الشكاوى التى تصل إليهم، ويمنعون اعتداء القرى بعضها على بعض، وعليهم مراقبة الأشخاص سيئى السيرة ومعاقبتهم، والاستعانة على ذلك بالقوات التى تحت إمرة القواد الفرنسيين، وإرشاد الأهالى إلى ما تقتضيه مصلحتهم.
ثانيا: يعين فى كل مديرية أغا «رئيس» الانكشارية يتصل دائما بـ«القومندان» الفرنسى، ويكون تحت إمرته قوة مسلحة من ستين رجلا من الأهالى يحافظ بهم على النظام والأمن والسكينة.
ثالثا: يعين فى كل مديرية «مباشر» لجباية أموال الميرى والضرائب وإيراد أملاك المماليك التى صارت ملكا للجمهورية، ويكون تحت رياسته العمال الذين يحتاجهم للعمل.
رابعا: يعين بجانب هذا«المباشر» وكيل فرنسى للمخابرة مع مديرية المالية، ومراقبة تنفيذ الأوامر التى يصدرها وتكون من اختصاص الإدارة المالية.
أرسل نابليون صورة هذا الأمر إلى قواد الجيش الفرنسى الذين تولوا حكم المديريات فى عهد الحملة الفرنسية.
كان لاتباع نابليون نظام «الديوان» مهام رئيسية أخرى تأتى فى كتاب «بونابرت فى مصر» تأليف «ج. كرستوفر هيرولد» ترجمة: فؤاد أندراوس، مراجعة: محمد أنيس «مكتبة الأسرة، القاهرة»، وهى «إضفاء الشرعية على السياسات الفرنسية وإقرارها بفضل مكانة العلماء والفقهاء الذين تتألف منهم هذه الدواوين»، ويستدل «هيرولد» على وجهة نظره برسالة كتبها بونابرت إلى نائبه فى قيادة الحملة الفرنسية «كليبر» يقول فيها: «إننا إذا كسبنا تأييد كبار شيوخ القاهرة كسبنا الرأى العام فى مصر كلها، فليس بين زعماء الأمة كلهم من هو أقل خطرا علينا من الشيوخ فهم جبناء، عاجزون عن القتال، يوحون كجميع رجال الدين بالتعصب، دون أن يكونوا هم أنفسهم متعصبين»، ويضيف «هيرولد»: «بالإضافة إلى هذه الوظيفة الأساسية كانت الدواوين تنقل شكاوى الأهالى إلى السلطات الفرنسية، وتحاول جس الرأى العام لها، ولكنها كانت فى هذه المهمة الثانية لا يركن إليها إطلاقا، شأن كل هيئة تضمر العداء للمحتل وإن أذعنت لمطالبه».
يرى «هيرولد» أن بونابرت ضمن بإنشائه الدواوين فى القاهرة ومديريات مصر التأييد الظاهر من أكثر عناصر المجتمع المصرى نفوذا واستقرارا، وإن لم يضمن قط ولاءهم أو ثقتهم، ويسجل «هيرولد» ملاحظة فى قلب هذا الموضوع وهى: «كانت هناك مهام حكومية بغيضة كره الاضطلاع بها الفرنسيون والمسلمون من الأهالى على السواء، وهى جمع الضرائب والبوليس، وكان المماليك يستخدمون الصيارفة الأقباط فى جمع الضرائب قبل وصول بونابرت، وكان مما يؤهل الأقباط لهذا العمل تعليمهم وطاعتهم وخبرتهم بشؤون المال، واضطر للمضى فى استخدامهم لأداء هذه المهمة كما كانوا يؤدونها من قبل، أما عن البوليس فقد أنشأ بونابرت فرقا من الانكشارية مؤلفة من الترك واليونان والمغاربة وغيرهم من السفلة وشذاذ القوم».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة