فى عام 155هـ خرج أول قاض لرؤية هلال رمضان، وهو القاضى أبو عبد الرحمن عبد الله بن لهيعة الذى ولى قضاء مصر، وتبعه بعد ذلك القضاة لرؤيته، حيث كانت تعد لهم «دكة» على سفح جبل المقطم عرفت بـ «دكة القضاة»، يخرج إليها لاستطلاع الأهلة، فلما كان العصر الفاطمى بنى قائدهم بدر الجمالى مسجدا له على سفح المقطم اتخذت مئذنته مرصدا لرؤية هلال رمضان.
وسن الفاطميون أيضًا ما يعرف بموكب أول رمضان أو «موكب رؤية الهلال»، وهى العادة الحميدة التى استمرت فى العصر المملوكى، فكان قاضى القضاة يخرج لرؤية الهلال ومعه القضاة الأربعة كشهود ومعهم الشموع والفوانيس، ويشترك معهم المحتسب وكبار تجار القاهرة ورؤساء الطوائف والصناعات والحرف، وتم فى هذا العصر نقل مكان الرؤية إلى منارة مدرسة المنصور قلاوون ــ المدرسة المنصورية ــ «بين القصرين» لوقوعها أمام المحكمة الصالحية «مدرسة الصالح نجم الدين بالصاغة»، فإذا تحققوا من رؤيته أضيئت الأنوار على الدكاكين وفى المآذن وتضاء المساجد، ثم يخرج قاضى القضاة فى موكب تحف به جموع الشعب حاملة المشاعل والفوانيس والشموع حتى يصل إلى داره، ثم تتفرق الطوائف إلى أحيائها معلنة الصيام.
أما فى العصر العثمانى، فعاد موضع استطلاع الهلال مرة أخرى إلى سفح المقطم فكان يجتمع القضاة الأربعة وبعض الفقهاء والمحتسب بالمدرسة المنصورية فى «بين القصرين»، ثم يركبون جميعا يتبعهم أرباب الحرف وبعض دراويش الصوفية إلى موضع مرتفع بجبل المقطم حيث يترقبون الهلال، فإذا ثبتت رؤيته عادوا وبين أيديهم المشاعل والقناديل إلى المدرسة المنصورية، ويعلن المحتسب ثبوت رؤية هلال رمضان ويعود إلى بيته فى موكب حافل يحيط به أرباب الطرق والحرف بين أنواع المشاعل فى ليلة مشهودة، واستمر الأمر على ذلك حتى أمر الخديو عباس حلمى الثانى بنقل مكان إثبات رؤية الهلال إلى المحكمة الشرعية بباب الخلق، لما لهذه المناسبة من تقدير وقدسية فى نفوس وحياة المسلمين، كونها بداية لأكثر الشهور قدسية وعبادة فى الإسلام.
وظلت مهمة استطلاع الأهلة وإعلان الصيام تسند إلى القضاة، إلى أن تم إنشاء دار الإفتاء المصرية فى أواخر القرن التاسع عشر، وأسندت إليها مهمة استطلاع هلال رمضان والاحتفال به، وتقوم الإفتاء بهذه المهمة كل عام بعد غروب شمس يوم التاسع والعشرين من شهر شعبان، ويتم ذلك من خلال لجانها الشرعية والعلمية المنتشرة بجميع أنحاء مصر.
وتعلن الإفتاء نتيجة الاستطلاع وتقيم الاحتفالات، التى يحضرها كبار رجال الدولة والمشايخ والعلماء، وعلى رأسهم الإمام الأكبر شيخ الأزهر، ومفتى الجمهورية، ووزير الأوقاف، ومحافظ القاهرة والوزراء،وسفراء الدول الإسلامية، ورجال القضاء وغيرهم.
وتظل رؤية هلال رمضان هى المناسبة التى تعلن فيها الفرحة بقدوم شهر الصوم فى مختلف بقاع العالم، ليجتمعوا جميعا على مائدة الإفطار والذكر فى رمضان.
موضوعات متعلقة..
- "صندوق التنمية الثقافية" يحتفل بليلة الرؤية بشارع المعز
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة