يبدو أن ما يجرى الحديث عنه بشأن ترسيم حدود جديدة فى العالم العربى ليس بعيدا عن المشهد الذى يواجهه العالم العربى، كما أن حديث مراكز دراسات غربية عن تقسيم دول عربية خمسة إلى أربع عشرة دولة يعكس، بصرف النظر عن كون هذه السيناريوهات ستقع أم لا، أن العالم العربى لا يزال موضوعا للإغراءات الدولية بشأن التفكير فى تقسيمه. فى عام 2016 تكون مائة عام قد مرت على على اتفاقية «سايكس - بيكو» وزيرى خارجية بريطانيا وفرنسا اللذين وضعا خريطة تقسيم العالم العربى، باعتباره جزءًا من أسلاب الدولة العثمانية التى هزمت فى الحرب العالمية الأولى.
لم تكن تلك الاتفاقات علنية وإنما كانت سرية تتقاسم فيه البلدان المنتصرة وضع الخرائط دون أن تكشف ذلك للحكام العرب، بل إنها أغرت الشريف حسين بقيام دولة عربية بديلة للدولة العثمانية، وهو ما عرف باسم مراسلات «حسين – مكماهون» التى وظف فيه العقل الغربى الاستعمارى مطامح الشريف حسين لصالح مخططاته بتقسيم أملاك الدولة العثمانية دون أن يمنحه ما وعده به.
بدأ العمل السرى لتقسيم العالم العربى وتوظيف طموحات العرب لصالح مخططات بريطانيا منذ العام 1915، ولم يعرف العالم العربى عن حقيقة المخططات الاستعمارية الإجرامية لبريطانيا وفرنسا إلا بعد قيام الثورة البلشفية عام 1916، حيث كشف الثوار الجدد عن دور روسيا القيصرية فى اتفاقيات التقسيم التى جرى جزء منها فى القاهرة هنا.
انتهت هندسة الخطوط السياسية للعالم العربى وخرائطه الجديدة ما بين شهرى إبريل ومايو عام 1916، ومن ثم فنحن فى الشهر الجارى نكون إزاء مائة عام على تقسيم خرائط القوى الاستعمارية الغربية للعالم العربى، بما فى ذلك وضع بذرة تأسيس الدولة الصهيونية بالسيطرة على موانئ فلسطين فى حيفا وعكا، والسماح للهجرات اليهودية الواسعة بالمجىء إلى فلسطين، لتضع البذور التأسيسية للدولة العبرية.
مضت مائة عام على العالم العربى منذ «سايكس - بيكو» ولا يزال الحديث مجددا عن «سايكس - بيكو» جديدة تطرح فيه الأحاديث عن تقسيم عالمنا العربى، ونفاجأ بخرائط يتم تداولها فى أروقة عالم الاستراتيجيات ومراكز الأبحاث الكبرى، وهذا ما يعد كارثة كبيرة، بيد أن الواقع يبدو قريبا مما تتداوله مراكر الفكر والبحث الغربى.
مشرق العالم العربى يواجه تهديدا لا نستثنى من ذلك تركيا التى تواجه خطر دولة كردية فى شمال سوريا يمكن أن تتحالف مع الدولة الكردية التى يخطط لها الأكراد فى شمال العراق، وفى الجنوب يتم الحديث عن دولة شيعية مركزها البصرة، وفى الوسط دولة للسنة مركزها بغداد، وفى سوريا تطرح روسيا حديث الفيدرالية، وهو حديث للتقسيم بلغة مراوغة، ويتمترس العلويون فى منطقة الساحل، حيث يمكن أن يكون ذلك خيارهم حين لا يجدون منفذا ولا محيصا، وليبيا يجرى الحديث فيها عن التقسيم لثلاث مناطق فى الجنوب والشرق والغرب، كما يجرى الحديث هناك أيضا عن فيدرالية وكونفدرالية، ومع تعاظم التحدى الإيرانى وتمدده فى العراق وسوريا يتعرض الخليج للتهديد، خاصة أن إيران دأبت على استخدام الشيعة كأذرع لها تستلهم تجارب حزب الله فى دولها كما يحدث فى اليمن من قبل الحوثيين، وكما هو حاصل فعلا فى العراق بتولى حزب الدعوة للسلطة بدعم إيرانى وأمريكى.
ربما يكشف المشهد الذى يواجهه العالم العربى من حديث عن خرائط جديدة لتقسيم بلدانه والاستحواذ على ثرواته الحساسية الشديدة من جانب الشعب المصرى تجاه وحدة الأراضى المصرية، وعدم الحديث عن تنازل أيا كان لذرة واحدة من رمال القطر المصرى، فوحدة أراضى القطر المصرى ووحدة إقليم الدولة المصرية هو جزء من صميم عقيدته، ومن هنا كان الرفض الواسع والحاسم للحديث عن ترسيم حدود مع السعودية، وإعادة جزيرتى تيران وصنافير لها بحسبانها أملاكا غير مصرية، فحساسية اللحظة المعبأة بالمخاوف والقلق لا تناسب الحديث عن ترك ذرة رمل واحدة من مصر لأى دولة أخرى.
عدد الردود 0
بواسطة:
محمد أبو العينين
الله ينور
مقال رائع وربنا يستر