يلزم ونحن بصدد بيان إثر إعادة توزيع الدخل القومى بين فئات المجتمع المختلفة، أن ندخل فى حسابنا تأثيرها فى الحجم الكلى للطلب، بل وتأثيرها أيضًا فى هيكل (أى بنيان) الطلب على أموال الاستهلاك أيضًا، بعبارة أخرى، أى فى السلع التى يتجه إليها الاستهلاك العام فى المجتمع المصرى ككل.
فنجد أن إعادة التوزيع الدخل تؤدى إلى إحلال استهلاك فئة اجتماعية محل استهلاك فئة أخرى أو ادخار فئة محل ادخار فئة أخرى، ولا شك فى اختلاف استهلاك كل فئة اجتماعية عن فئة الأخرى. هذا بالإضافة إلى أن طريقة توزيع الدخل بين الاستهلاك والادخار، ليست واحدة بالنسبة لمختلف الفئات الاجتماعية. وهو ما يعنى أن أى زيادة فى دخول الفئات الاجتماعية المختلفة لا تؤدى إلى زيادة طلب هذه الفئات على نفس السلع وبنفس القدر. فتحويل جزء من الدخل القومى من فئة اجتماعية إلى فئة أخرى قد يؤدى إلى إحلال استهلاك فئة محل فئة. وهو ما يغير من بنيان وحجم الاستهلاك الكلى فى البلاد . لأنه قد يؤدى أيضًا، بالنسبة للجزء المحول من الداخل لة، إلى إحلال نموذج استهلاكى محل نموذج آخر، أى إحلال استهلاك نوع من السلع محل نوع سلع أخرى.
ويمكن أن نخلص من الدراسات الإحصائية التى تصدر عن المؤسسات الحكومية والخاصة الجامعة للبيانات، إلى بعض الملاحظات التى تفيد فى التعرف على بنيان الاستهلاك العام المصرى فى حالة زيادة الدخول، وهى: أن أصحاب الدخول المحدودة (وخاصة العمال) يخصصون عادة الجزء الأكبر من الزيادة فى الدخل للأنفاق على المواد الغذائية، أى للإنفاق على السلع الضرورية والأساسية. وأن أصحاب الدخول المتوسطة (وخاصة الموظفين العاملين فى القطاع العام والحكومة) يخصصون عادة الجزء الأكبر من الزيادة فى الدخول على السكن والملبس والتعليم. أما إنفاق هذه الفئة على المواد الغذائية فإنه لا يرتفع ارتفاعًا ملموسًا بنفس نسبة الزيادة فى الدخل. ويفسر مسلك أصحاب الدخول المتوسطة إزاء زيادة الدخل بسبق تحقيق قدر لا بأس به من الإشباع الغذائى، وبشدة حرصهم على المظاهر الاجتماعية (كنمط حياة)، أما أصحاب الدخول الفوق متوسطة والمرتفعة يخصصون عادة الجزء الأكبر من الزيادة فى الدخول للادخار، وأنه إذا حدث ورفعوا استهلاكهم نتيجة لزيادة الدخل فإنهم يزيدون من استهلاك السلع الكمالية والمعمرة والخدمات الترفيهية، ويتوسعون فى السفر والقيام بالرحلات والشراء من الخارج وتعليم أبنائهم فى جامعات أجنبية وهو ما يعنى أن إنفاقهم الخارجى يزيد أكثر من إنفاقهم الداخلى.
ونخلص ما تقدم إلى أن أثر زيادة الدخل فى الاستهلاك إنما يتوقف على الفئة التى خصتها تلك الزيادة فى الدخل (هل هى فئة العمال أم الموظفون أم الأعلى من متوسطى الدخل والأغنياء)، فإذا تمت إعادة التوزيع للدخل القومى فى صالح الطبقات ذات الدخول المحدودة (العمال)، فإنها تؤدى إلى زيادة الطلب على سلع الاستهلاك الغذائية بصفة أساسية، وإذا تمت فى صالح الطبقات ذات المتوسطة (الموظفين) فإنها تؤدى إلى زيادة الطلب على استهلاك السلع نصف الكمالية بصفة أساسية. أما إذا تمت فى صالح الطبقات ذات الدخول فوق المتوسطة والعالية (أصحاب المهن ورأس المال)، فإنها تؤدى بصفة أساسية إلى زيادة الادخار ولا تتجه للاستهلاك المحلى إلا فى حدود ضيقة للغاية، وتفضى إلى ضغط استهلاك أصحاب الدخول المتوسطة والمحدودة على المستوى العام فى مصر نتيجة انخفاض دخولهم النسبية وارتفاع الأسعار أيضًا.
وعليه ننتهى بصفة عامة إلى أن إعادة توزيع الدخل القومى فى صالح الطبقات ذات الدخول المتوسطة والمحدودة والفقراء (تحقيق قدر من العدالة الاجتماعية)، وهو ما تحاول الحكومة عملة فى مصر فى هذه المرحلة، كسياسة عامة للدولة، ينتهى إلى التوسع فى استخدام سلع الاستهلاك بشكل عام، الأمر الذى يدفعنى إلى تنبيه الحكومة إلى الإسراع فى ايجاد البديل المحلى من كل السلع عالية الطلب والحد من الاستيراد بكل الطرق الممكنة، ودعم وتحفيز الصناعة المصرية فى مجال السلع الاستهلاكية والمعمرة فى المرحلة الحالية، حتى تصب هذه الزيادة من الدخل القومى مرة أخرى فى دائرة الإنتاج وترفع من الناتج المحلى الإجمالى، بدلاً من التسرب إلى الخارج عن طريق زيادة الاستيراد، الأمر الذى يضعف دائرية الإنتاج ويخفض من مستوى نمو الناتج المحلى الإجمالى المصرى، وهذا ما لا نريده أبدًا، فالحل هو تشجيع الصناعة المحلية فى كل المجالات حتى تحل محل الاستيراد الذى يستنزف الموارد من النقد الأجنبى ويلتهم الزيادة فى الدخل القومى المصرى لصالح الدول الأجنبية المصدرة لمصر، لذا أرى أن التصنيع المحلى خير من الاستيراد لكل المصريين. ولعل كل الشراكات والاتفاقيات التى أبرمتها الدولة حديثًا مع الدول الشقيقة والدول الصديقة تكون فى اتجاه التصنيع المشترك وتبادل الخبرات لا الاستيراد من جانبنا فقط، حتى تعم الفائدة على كل فئات الشعب المصرى لا فئة بعينها من المستوردين والسماسرة كما كان فى الماضى البغيض.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة