احتشد عشرات الآلاف للاستماع إلى خطاب جمال عبدالناصر فى السرادق المقام بميدان المنشية بالإسكندرية، احتفالًا بتوقيع اتفاقية جلاء الاحتلال الإنجليزى عن مصر، وأصيب الجميع بالذهول عند سماعهم لصوت الرصاص نحوه فى محاولة لاغتياله.
تم القبض على المتهم «محمود عبداللطيف»، وظهر أنه من جماعة الإخوان، وأخذ تكليفًا بالعملية من «التنظيم السرى الخاص» للجماعة، وكان ذلك بمثابة «الطلاق البين» بين ثورة 23 يوليو 1952 والجماعة، بعد اتفاق قليل واختلاف كبير فى العلاقة بينهما.
أرسل مرشد الجماعة المستشار حسن الهضيبى خطابًا إلى عبدالناصر، وأرسل وكيل الجماعة عبدالقادر عودة خطابًا فى مثل هذا اليوم «28 أكتوبر 1954»، ونشر «فتحى العسال» نصه فى كتابه «الإخوان المسلمين بين عهدين».
قدم «عودة» التهنئة لـ«عبدالناصر» على نجاته ثم قال: «لقد سمعت أن الشخص الذى حاول الاعتداء عليك يتمرن فى مكتبى «يقصد هنداوى الدورى، الذى أعطى السلاح لمحمود عبداللطيف» فإن صح هذا فأرجو ألا تكون نسيت آرائى، وكل ما أستطيع أن أقوله لك مخلصًا أنى لا أعلم شيئًا عن هذه الجريمة ولست أرضاها لأى إنسان، ولا من أى إنسان، وإذا ثبت يا أخى أن لى أى صلة بهذا الموضوع فأنا أحمل لك دمى».
يضيف عودة: «لقد استطعت يا أخى بما منحك الله من حكمة وسعة أفق أن تضع حدا لعداء دام بيننا وبين الإنجليز أكثر من سبعين عامًا، وأنه لأولى بك بعد ذلك أن تضع حدا للخصومة القائمة بين الإخوان ورجال الجيش، وهى بنت عام واحد، تلك الخصومة التى تأكل مستقبل هذا البلد، الذى وضع الله بين يديك مصائره، وإن فيكو من سعة الصدر وسعة الأفق والتسامح ما يجعلك قادرا على أن تهيئ جو مودة وتعاون بين رجال هذا البلد وهيئاته وبين الحاكمين والمحكومين، ولقد رأيتك فعلا تسرع فى هذا، فتمد يدك إلى الجميع، ولكنى أحب أن أطمئنك إلى أن حادث الإسكندرية لن يكون عقبة فى سبيل ما وعدت، وأحب أن تعلم أن هذا الحادث الأليم حفزنى لأن أعمل على إنهاء النزاع القائم بين الإخوان وبينكم حفظا للمصلحة العامة».
اقترح «عودة» حلولًا، مشيرًا إلى أنها من اقتراحات سابقة فى مقابلات له مع عبدالناصر: «لازلت أذكر اقتراحاتك بجعل تشكيلات الإخوان فى الجيش والبوليس، وتشكيلة النظام الخاص، ولعل مشكلة الجيش والبوليس قد انتهت، ولذلك فلن أعمل لها حسابا فى اقتراحاتى على أن هذا لا يمنع معالجة ذيولها - إن كان لها ذيول - معالجة تريحك، وتشعرك بأننا مخلصون فيما نقول وقيما نفعل، وعلى هذا الأساس اقترح ما يأتى:
أولا نقدم من ناحيتنا «الإخوان»، أ - حل النظام الخاص ويسلم ما قد يكون لديه من أسلحة وذخائر فى مدة تتراوح بين عشرة أيام وأسبوعين من بدء اليوم الذى توافقون فيه على هذه المقترحات.
ب - تبتعد الجماعة عن السياسة المحلية وتصرف همها إلى الدعوة الإسلامية والتربية - على الأقل - حتى تنتهى فترة الانتقال، ويكفى الجماعة الاشتغال بالسياسة الإسلامية العامة، على أن يتم تنظيم الجماعة على هذا الأساس فى ظرف أسبوعين أيضًا.. ج - تعمل الجماعة على وقف حملات الإخوان فى الخارج فى ظرف أسبوعين، ولو اقتضى الأمر إرسال مندوبين للخارج لتنفيذ هذا التعهد.
ثانيا: نرجو أن تقوموا من ناحيتكم: أ - إصدار قانون بوقف عمل قانون الأسلحة والذخائر لمدة أسبوعين، ليمكن تسليم ما قد يكون موجودا من الأسلحة والذخائر دون خشية المحاكمة ولذلك سوابق كثيرة.. ب - إطلاق سراح «الإخوان» المعتقلين بمجرد تنفيذ التعهد الأول، ثم النظر بعد ذلك فى محو آثار الماضى.. ج - السماح لى بأن أجتمع بالإخوان الموجودين فى السجن الحربى وسجن القلعة لأخذ موافقتهم على هذه المقترحات وتنفيذها، ثم الموافقة من ناحيتكم على وقف حركة القبض والاعتقالات بتاتا لمدة تنفيذ هذا الاتفاق - وهى أسبوعان - حتى يساعد ذلك على التنفيذ.
طالب «عودة»: «بأن يعرف وجهة نظر عبدالناصر فى هذه الاقتراحات»، ويؤكد فتحى العسال أن عبدالناصر كتب على هذا الخطاب بخط يده: «لا يلدغ المؤمن من جحر عشرين مرة».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة