فى وطنى مازال البعض مصرا على أن الجن هو من يقوم بحرق بعض المنازل فى قرية مناصافور بالشرقية، ردا على قيام أحد الأشخاص بالتنقيب عن الآثار، مما دفع حراس المقبرة للانتقام من الأهالى بحرق منازلهم، وغزا الجن القرية معلنين الحرب على سكانها، على طريقة أفلام حرب النجوم الأمريكية، حيث تهبط كائنات غريبة من الفضاء، لتأديب أهل الأرض، ولم يصدقوا ما قاله العالم الجليل الدكتور أحمد كريمة، بأن السبب هو روث البهائم الذى يخزنه الأهالى فى بيوتهم، لاستخدامه كوقود فى الشتاء.
فى مصر الآن عمليات سطو على العقول، وتسليمها «تسليم مفتاح»، للخرافات والشعوذة والدجل والنصب والاحتيال، فينتشر المشعوذون الذين يقومون بذبح جوزين حمام زغاليل، فوق بطن المريض لشفائه من فيروس سى، ويسلم الأهالى بنتهم المريضة نفسيا لدجال يقوم بضربها حتى الموت، فتخرج روحها من جسدها ولا تخرج العفاريت.
ويهلل المخدوعون والبسطاء لنائب العفاريت علاء حسانين، وهو يقبض على الجن مكبلين بالسلاسل فى طوابير أمام أهالى قرية الترامسة بقنا، دون أن يرى الأهالى عفريتا بعيونهم، فكل شىء يجرى بالإيحاء والتنويم العقلى، والجهل المستوطن فى العقول والأفكار، جهل إذا لم يبحث عن الناس بحثوا عنه.
من يؤمن بذلك من السهل إقناعه بلف حزام ديناميت حول خصره، وتفجير نفسه فى كمين شرطة فيه عساكر غلابة من أبناء قرى الجن، وهيا أيها الاستشهادى فجر نفسك، فأنت أمام أبواب الجنة وعلى موعد مع حور العين، المنتظرات على أحر من الجمر، ولا أتصور أن إنسانا يقدم على التخلص من حياته، إلا إذا كان صدق وعودا كاذبة بحياة أفضل.
إنهم من نفس عينة البشر الذين احتشدوا فى رابعة، ليصلوا الفجر وراء سيدنا جبريل، ويطوفون بملابس الإحرام حول مدرسة عبدالعزيز جاويش لأداء مناسك العمرة، ويؤمنون بأن مرسى كان يؤم رسول الله فى الصلاة، ويطلبون من أهالى القتلى وضع صورة المعزول فى أكفانهم، لتخفيف عذاب القبر، ولا يدرى أحد إذا كان هؤلاء الذين جاءوا من قرى الجن والعفاريت يؤمنون بما يفعلون أم يستهبلون، وهل نحن أمام حالة مستعصية من غيبوبة العقول، أم توظيف الدين فى تخدير الوعى والتفكير؟
فى وطنى بح صوت رئيس الدولة، مخاطبا علماء الإسلام بضرورة تجديد الخطاب الدينى، دون جدوى وكأنه يطلب منهم المستحيل، فلن تنهض مصر ولن يعلو شأنها، إلا إذا تسلح شعبها بالاستنارة والضمير، وتحررت العقول من الخرافات والأباطيل، وساد خطاب دينى يحترم الفكر المستنير المستمد من صحيح الإسلام، وهذا يقتضى رفض محاولات تغييب الوعى، وتنقيح العقول من تيارات الجهل، وتنقيتها من الغيبيات والتركيز على الجانب الأخلاقى، والوصول بالخطاب الدينى الإسلامى للمستوى الذى يتواكب مع مقتضيات العصر.
معركة مصر الحقيقية هى ضد العفاريت، ونحتاج دعاة يحاربون الجن ولا يحضرونه، فى حجم محمد عبده، صاحب مقولة: «من رُبّى على التسليم بغير عقل فهو غير مؤمن، فليس القصد من الإيمان أن يذلل الإنسان للخير كما يذلل الحيوان، بل أن يرتقى عقله وترتقى نفسه بالعلم»، وفى جرأة الدكتور طه حسين الذى لم يبال بثورة المتشددين ضد أفكاره المستنيرة، واستمر فى دعوته للتجديد والتحدى، وفى شجاعة الشيخ على عبدالرازق الذى فجر ثورة فى الأفكار المتوارثة، وظل يدافع عنها ويؤجج سبلها العقلية، حتى صار نموذجا يحتذى به، ومثقفا ثوريا ينهض بمجتمعه من الظلامية إلى التنوير.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة