د.أيمن رفعت المحجوب

تدهور الجنيه مسئولية من !

الجمعة، 15 يناير 2016 10:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
كنا قد قدمنا فى مقال سابق "حيرة الجنيه" وتحدثنا عن ضرورة إصلاح النظام النقدى بصورة تضمن نموا اقتصاديا متوازنا ومستمرا وبشكل يحد من الفجوة المتزايدة بين متطلبات السوق المحلى وتدفقات النقد الأجنبى.

وكان من الطبيعى أن يكون لتلك الأزمات المتكررة التى مر بها النظام النقدى المصرى، وما أدت إليه من عدم الاستقرار وانخفاض فى قيمة الجنيه والمضاربة على العملة وشح السيولة الدولارية، آثار سيئة على الاقتصاد بشكل عام، هذا بالإضافة إلى حركات رؤوس الأموال القصيرة الأجل فى السوق ( دخولاً وخروجاً سريعاً للمضاربة وجنى الأرباح ) مما أدى إلى اختلال الأسعار بصورة غير حقيقية وأفضى إلى اضطراب واضح فى سعر الصرف ليتغير مؤشرة بمعدل أسبوعى إلى أسفل أمام الدولار.

وحيث إن كنا قد قدمنا من قبل الآثار السيئة التى ترتبت على أزمة النظام النقدى فى مصر والتى يعرفها المتخصص وغير المتخصص وتعصف بمستوى معيشة الفقراء والأغنياء، فنكتفى فى مقالنا اليوم بتوضيح سبل اصلاح النظام النقدى المصرى والذى يتطلب فى رأينا عدة أمور:
1- لما كانت مصر تشكو، كغيرها من الأسواق الناشئة من قلة السيولة الدولية (أى العملات الأجنبية) واحتياجاتها المتزايدة لرؤوس الأموال اللازمة للاستثمارات الجارية والجديدة، فقد أصبح من الضرورى على أى سياسة نقدية اصلاحية جديدة عندنا، أن تعمل على زيادة نصيب مصر فى النمو والسيولة وذلك عن طريق تغيير الأسس التى يتم تبعاً لها توزيع "حقوق السحب الخاصة"، بما يضمن لنا مخصصات أكبر من تلك الحقوق الدولية.
2- ضرورة زيادة الوزن النسبى لأصوات البلاد الأخذة فى النمو فى صندوق النقد الدولى مما يضمن لنا شروط افضل فى عمليات السحب عند الضرورة، خاصة بعد دخول مصر كعضو غير دائم فى مجلس الأمن بالأمم المتحدة.
3- مع استمرار تمسك الدول المتقدمة والتى تعتمد على التجارة الخارجية فى تعزيز نمو دخلها القومى، بتحرير التجارة الدولية والتزام مصر كباقى الدول بقواعد اللعبة، إلا أنه يجب أن تمنح الأسواق الناشئة ومثلها مصر مزايا تصديرية أكبر فى السوق العالمى، مع معاملتها معاملة تفضيلية فى أسواق الدول المتقدمة، وعدم استخدام القيود التجارية (خاصة فى دول أوروبا) كوسيلة لتصحيح موازين مدفوعات تلك الدول على حساب الاسواق الناشئة كمصر.
4- ضرورة استثناء مصر مع باقى الأسواق الناشئة من كثير من القيود المفروضة على حركات رؤوس الأموال دولياً ( مع تعديل هذه التحركات داخلياً أولاً )، وهو ما يتطلب التفرقة فى الاجراءات التى تطبق داخليا على حركات رؤوس الأموال القصيرة الأجل (والتى تهدف إلى المضاربة أو غسيل الأموال وتضر بالاقتصاد )، وحركات رؤوس الأموال متوسطة وطويلة الأجل ( والتى تهدف إلى الاستثمار والتنمية المستدامة )، مع عدم فرض أى قيود على هذا النوع الأخير، وذلك لأن الحد من حركات رؤوس الأموال من الداخل إلى الخارج والعكس، من شأنها أن تؤثر على قدرة مصر فى جذب الاستثمارات والاقتراض، وبالتالى تضعف من قدرتنا على استثمار احيتاطياتنا أو حتى الاحتياطيات الغير مستغلة للدول المانحة، وتؤدى إلى انخفاض واضح فى الطلب على الاستثمار المباشر والغير مباشر (المحلى والأجنبى) كما هى الصورة الآن وهو ما يعوق التنمية الشاملة هنا وهناك.
5- وأخيراً، ضرورة الضغط على المجتمع الدولى لإيجاد نظام عالمى موحد لتعويض الأسواق الناشئة كمصر عن الخسائر التى تلحق باحيتاطياتها من جراء تغيير سعر الصرف أمام العملات الدولية المستمر ( من خلال سياسة التعويم المدارة المتبعة الآن)، وذلك لتعويضها - من جراء تطبيق تلك السياسة الضرورية ولكن المعيبة ايضا - عن الأعباء النقدية الاضافية من تضخم فى فاتورة الاستيراد وعجز فى موازين التجارة والمدفوعات، أو على الأقل نتيجة لتفاوت الآثار التضخمية الواضحة فيها بين الأسواق النقدية، والتى تترجم كل مرة عند تخفيض الجنيه أمام الدولار إلى ارتفاع واضح فى أسعار السلع ومستلزمات الانتاج المستوردة، أى بعبارة أخرى "مصر تستورد التضخم" كلما زادت قيمة العملات الأجنبية أمام الجنيه المصرى، حتى مع انخفض أسعار المنتجات عالميا وهذا ما شاهدناه خلال الشهر الماضى، حيث انخفضت أسعار السلع الغذائية عالميا، ومع ذالك لم تنخفض فى مصر بل ارتفعت وهذا لسببين اولهما استمرار انخفاض الجنية أمام الدولار بنسبة أكبر من معدل انخفاض الأسعار وثانيهما استغلال التجار لحاجة السوق مع عدم وجود رقابة كافية لضبط الأسعار من أجهزة حماية المستهلك.
والحق إن لم تصحح هذا الوضع من خلال تعاون مشترك قائم على تبادل المصالح، سوف يظل الوضع الحالى مفسدا لأى إصلاح نقدى مالى داخلى وسوف يعرقل مسيرة التنمية والتقدم الاقتصادى. وهو ما يجعلنا نؤكد أن حل المشكلة النقدية فى مصر ليس حلاً داخلياً فقط بل يتطلب أيضاً تكاتف دولى من جانب الدول المتقدمة إلى جانب كل الأسواق الناشئة، وذلك لأن نجاح هذه الأسواق الناشئة فى النهوض سوف يعود بالنفع على العالم كله ولا يقتصر عليها وحدها

•أستاذ الاقتصاد السياسى والمالية العامة – جامعة القاهرة.










مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة