«قرفت» من قراءة عناوين جرائم اغتصاب المحارم التى تملأ وسائل الإعلام، وكأننا فى آخر الزمان وننتظر زلزلة القيامة، لتبتلع أقذر الكائنات فى جوف جهنم، وتصليهم نارا وسعيرا، فليس فى استطاعة أى إنسان أن يتصور أبا ينجب من ابنته، ويقول لها «لن تعرفى معنى الرجولة إلا معى»، ولا جدا يعاشر حفيدته المراهقة رغم أنفها، ولا أخا اتخذ من شقيقته دمية فى الحرام، والمفترض أن يكون هؤلاء أمنا وسكنا، وحماية وطمأنينة ودرعا تحمى حرماته، وتدافع عنها حتى الموت، ولا يتخيل العقل أن يكون حراس الشرف هم لصوص الشرف، ولا أن يكون فى الدنيا مثل هذه الذئاب القذرة، التى تجافى طبيعة الخلق، وتصطدم مع قوانين الوجود.
فى الحياة صور أخرى مضيئة للرجولة والشهامة والشرف، وآباء يحرمون أنفسهم من لقمة العيش من أجل أسرهم، وأجداد يعيشون الحياة مرتين لرعاية أحفادهم اليتامى، وأخ أكبر يحرم نفسه من الزواج حتى يجهز شقيقاته، وفى كل شبر من أرض مصر نماذج للمروءة والتضحية، تعيش فى صمت وتحمى عرينها وتصون شرفها، ولا تسلط عليها الأضواء ولا تحتل حيزا من الاهتمام، وفى الأدب الشعبى عشرات الحكايات عن جرائم القتل من أجل الشرف فى الأرياف والصعيد، وأحيانا تضفى على القاتل البطولة، لأنه لم يقبل تدنيس ثوب عائلته، على رأى المثل الذى يقول: «لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى، حتى يراق على جوانبه الدم».
القضية الأكثر خطورة هى الإسراف فى نشر هذه الجرائم، بتفاصيل يندى لها الجبين واعترافات مخجلة للضحايا، تجرح المشاعر والحياء وتجعلنا نقول «على الدنيا السلام»، ولا تلتزم وسائل الإعلام بالقواعد المهنية والأخلاقية ومواثيق الشرف، وتجرى وراء الإثارة وجذب المشاهدين، دون أن تراعى أن هذه البرامج تشاهدها الأسرة، الآباء والأمهات والأولاد والبنات، وتؤدى فى الغالب إلى نتائج عكسية، وتثير الاشمئزاز والشعور بالغثيان، وتسليط الأضواء يكون حارقا إذا زاد عن حده، فهذه جريمة لا يرتكبها إلا المرضى النفسيون وفاقدو العقول، واجتثاثهم من المجتمع مثل بتر ورم سرطانى قبل أن يستشرى فى الجسم.
عدد الردود 0
بواسطة:
جلال
الاستاذ المحترم الكاتب