القرآن كما أراده الله وحدة إلهية متكاملة لا يمكن تجزئتها وإلا فقد جزءًا كبيرًا من وحدته وتماسكه.. ولعل من بواعث التطرف التعامل مع كل آية من القرآن الكريم على حدة.. فنأخد آية ونفهم منها معنًى خطأ دون النظر لباقى الآيات ذات العلاقة بالموضوع نفسه؛ لذلك كان من الواجب المُضى قُدُمًا فى صياغة رؤية جديدة للقرآن تُظهر حقيقته وتُجليها للناظرين!
القرآن جملة واحدة.. أى، إذا جمعت كل الآيات ذات العلاقة بموضوع معين؛ لخرجت بجملة مفيدة متكاملة لا نقص ولا تناقض فيها، وبشكل معتدل وسطى بلا تطرف.
القرآن جملة واحدة.. فهو بكل سوره وآياته وأجزائه يُعدُّ كأنه جملة واحدة، فكذلك موضوعاته.. كل موضوع جملة واحدة.
القرآن جملة واحدة.. فعندما تريد التحدث فى موضوع خذ كل الآيات وجمعها وضعها أمامك وافهمها معًا فى سياقها؛ لأن ذلك سيعطيك بُعدًا وعمقًا أكبر.
القرآن جملة واحدة.. لأن سور القرآن وموضوعاته شبكية وليست خطية.. بعكس التوارة فهى خطية، أى إن لكل موضوع خطًّا مستقلًا بذاته وحده، تكون فى النهاية خطوطًا متوازية غير متشابكة، وليس فيها ترابط ببعضها.. ولكن الحياة ليست كذلك! أما القرآن فكما قلنا إنه شبكى، أى، إن موضوعاته متشابكة ومتداخلة؛ لأنه يمثل الحياة.. والحياة متشابكة وليست خطية.
القرآن مكافئ للحياة.. فلابد أن يكون متشابكًا مثل الحياة.. لكى نفهم الحياة؛ لابد من ربط القضايا ببعضها، ولكى نفهم القرآن لابد أن نربط آيات الموضوع كلها ببعضها.. ولو أردت فهم كل آية على حدة وبمعزل عن الموضوع كله؛ تكون قد جزَّأت القرآن فى حين أنه ينبغى أن يُؤخذ جملة واحدة، ولو جزَّأته؛ لخرجت به عن سياقه ففقد فاعليته فى إنجاح الحياة، وكأنك تفهمه خطأ، فتنتج داعش التى أخطأت فى فهم آيات الجهاد.
والقرآن يعيب على من يحاولون تجزئته فيقول تعالى : «كما أنزلنا على المقتسمين» «الحجر: 90» الذين قسموا القرآن على ما وافق هواهم، «الذين جعلوا القرآن عضين» «الحجر: 91» التعضية أى، تفريق المعانى المجتمعة وتمزيقها، والعرب تقول شاة عضيدة أى مجزأة، أعضاء متناثرة. كما استنكر القرآن على البعض هذه التجزئة؛ فقال تعالى: «أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض» «البقرة: 85»، وهذا أيضًا من تجزئة القرآن. عندما قرأ المسلمون القرآن قراءة تجزئة وتعضيد وصاروا مثل هؤلاء المقتسمين؛ فقدوا أنوار القرآن وظهر التطرف فيهم، وأول من علمنا أن القرآن جملة واحدة هو النبى صلى الله عليه وسلم عندما نزل قول الله تعالى: «الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم» «الأنعام: 82»، شق على الصحابة، فاشتكوا للنبى صلى الله عليه وسلم فقالوا: «ومن منا لم يلبس إيمانه بظلم يا رسول الله؟!»، فقال لهم النبى صلى الله عليه وسلم : «أَلَمْ تَقْرَأُوا قَوْلَ لُقْمَانَ لِابْنِهِ: «يا بنى لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم»(لقمان: 13)؟!».
هل تستطيع أن تعيش مع القرآن بهذه الطريقة؟ على طريق الحاسب الآلى أو على طريقة المعجم، اجمع الآيات فى موضوع معين كموضوع الأخلاق مثلا، فستشـرق أمامك أنوار القرآن، فتعود فاعلية القرآن: نور، وهدى، وشفاء، ورحمة، وعلم. لو لم نقرأ القرآن جملة واحدة.. يحدث خلل فى الرؤية فى السلوك.. ويحدث تطرف وإفساد وتشدد، كما حدث فى فهم آيات الجهاد مع داعش، حيث إنهم لم يقرأوها على أنها جملة واحدة، وقاموا بتجزئة القرآن تجزئة مخلة بالمعنى الشبكى، فيجب على كل مسلم وجد شخصًا أخل بدراسة القرآن دراسة موضوعية وبدأ يجتزئ الآيات عن سياقها وبعيدة عن باقى الآيات المتعلقة بنفس الموضوع، يجب عليه أن يُعيده إلى الفهم الشبكى والموضوعى للقرآن الكريم. ومما عمت به البلوى أن داعش أخذت بعض الآيات التى تتحدث عن القتال، وعزلتها عن باقى الآيات الأخرى التى تتحدث عن موضوع القتال أيضًا، مما أدى إلى تجزئة نصوص القرآن.. وللحديث بقية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة