وسام سمير

أين الإنسان؟!!

السبت، 17 أكتوبر 2015 08:41 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
سؤال يطرحه التاريخ عن مشهد يتمزق من أجله قلب الإنسانية، سقط ضمير البشر سقوطا عظيما، وأين الإنسان؟!.

قد يبدو هذا التساؤل غريبا إذا طرح من ألف عام مضت، لكنه اليوم هو السؤال المنطقى الذى بات ملحًا من أجل مصير البشرية، فبعد أن قفز الإنسان قفزته المعرفية الهائلة مع مطلع القرن العشرين وتمزق قناع الجهل الذى أخذ يربك الإنسانية لمئات السنين، اعتقد التاريخ أن الضمير العام لبنى الإنسان سوف يتجه إلى الصواب وهو المنطق الذى فرض نفسه وعلم الإنسان أن السلام والمحبة هما الهدف المنشود إذ أنه فى الواقع الملموس لا أحد من البشر يعرف شيئا، مؤكدا عن مصيره القادم ولا يوجد يقين مطلق عن ماهية وأسرار هذا الكون الشاسع.

فتح ستار القرن العشرين على عالم متلبد الغيوم يرتكز على قاعدة مركزية قوامها الحيوى هو الحقد والجشع وحب الامتلاك والاستعباد السياسى، فتفجرت براكين الغضب من كل اتجاه وكانت الحرب العالمية الأولى التى يروى المؤرخون أن نقطة انطلاقها كانت الرصاصة التى قتلت ولى عهد النمسا ولكن الرصاصة نفسها تصرخ من أعماق العالم الآخر وتعلن أنها قتلت ضمير البشرية، هى أربع سنوات فقط حصدت فيهم أرواح أكثر من 11 مليون إنسان ذهبوا جميعا ضحية لوحشية الإنسان ثم انتهت الحرب وبقى الإنسان كما هو لم يتحرر من وحشيته السوداء، وما هى إلا سنوات قليلة حتى امتلأت القلوب بشعور غريب ليس معهودا، ألا وهو صراع الأعراق وألوان البشر فكانت حرب بدون أسباب منطقية، فأى منطق هذا الذى يستوى فى الميزان مع عشرات الملايين من أرواح البشر، ففى وكر الذئب الكائن بين جبال بافاريا الألمانية كان الاتفاق الشيطانى على إحراق العالم من أجل أمراض نفسية لأمة بربرية الجذور أرادت أن تبنى لنفسها مجدا زائفا يغالط التاريخ ويستعبد الأمم ووضعت على قمتها ديكتاتورا مريضاً هو أودولف هتلر، فتوهجت العبقرية الحربية وأخذ سباق التسليح يبهر قوة الشر، فسقطت الرحمة وتلعثمت الشفقة وهيمن الارتباك على ضمير العالم، وبين أصابع ملاك الموت أخذت الأرواح البريئة تتدفق إلى العالم الآخر أكثر من 80 مليونا ذهبت حياتهم بلا أى ذنب سوى أنهم وجدوا فى هذا الحيّز الزمنى الحالك من التاريخ، ألمانيا صاحبة المبادئ السامية كانت هى الشيطان الأكبر الذى فتك بالإنسانية قبل الإنسان وأعدم الحياة قبل الأحياء والغريب فى الأمر أنها اليوم تدعى الإنسانية ويتشدق العالم بعظمتها الصناعية والاقتصادية وكأن شيئا لم يكن.. واليابان هذه الأمة التى تنتهج المثالية اليوم كانت بالأمس وحشا أسيويا فتاكا انقضت على جيرانها وتحالفت مع الشيطان وأبادت البشر ودفنتهم أحياء أمام أعين الكاميرات بل أخذت تتفنن فى أساليب الموت وطرق الاستشهاد الزائف، وكانت على استعداد أن تحارب لألف عام دون رحمة أو هوادة لولا السلاح الذرى الذى أوقف هذا النهم الدموى، حتى الولايات المتحدة التى تتشدق اليوم بأنها رائدة السلام العالمى تجرأت بالأمس وألقت بالسلاح الفتاك الذى أحرق اليابان وأودى بحياة مئات الآلاف من البشر فى ثوان معدودة، وحتى روسيا التى تكبدت أكبر خسائر بشرية على وجه الإطلاق كانت تحكم من رجل ونظام ينكر وجود الله ويعبث بمقدرات الإنسان، وخرجت أوروبا من هذه المذبحة المروعة تلهث وراء إنسانيتها فقد تمزقت الأواصر الأسرية إذ بات فى كل بيت هناك شهيد وأرملة وأيتام وكما هى عادة التاريخ خرج المنتصرين ليقستموا الغنائم فارتفعت الأسوار لتقسم القارة الأوروبية الى نصفين الشرقى منها يُحكم من قبل عُبَّاد الوجود والمادة والغربى هو الآخر أخذ يُحكَم من قبل المال والجنس والنار وفقدت الروح الأسرية الدافئة والرواسخ الدينية البناءة، وبعد أن اجتمع جنرالات الحرب وأوهموا العالم بأن السلام هو الهدف ولا مفر منه بدأ الوهم الأكبر يحلق فوق العقول وهو أنه كلما ازداد التسليح كلما حل السلام، وهنا يصرخ المنطق العام موبخا الكل فكيف للحياة أن تجتمع مع الموت وكيف للسلام أن يجتمع مع الحرب، إذا هى الأكذوبة الكبرى التى فرضت على الجميع وبناء على هذا السلام الهزلى وجدنا يهود العالم يجتمعون فى أرض الميعاد التى قتلوا فيها المسيح واستوطنوا الأرض على حساب الأسر والعائلات البريئة الذين طردوا بوحشية تتارية بغيضة وتشردوا فى أرجاء العالم كى يعيش اليهود فى أرضا ينتظرون فيها الوهم الكبير الذى صلب بأيديهم، أين السلام بل أين الإنسان؟.

فقد انحل ميزان التاريخ حين وقفت الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتى وجها لوجه وأدرك الجميع أن الحرب المباشرة تعنى فناء البشرية فانطوت صفحة الحرب الشاملة وبدأت حروب أخرى وهى ما نعانى منها اليوم حرب الهدف منها هو محو إنسانية البشر والقضاء على الرحمة فى القلوب، هى حرب الأقنعة المزيفة، فأمريكا التى تدعى أنها القدوة والقائد نرى فيها الفجور بكل أشكالها الأخلاقية والسياسية والأمراض النفسية وكأن روما القديمة قد بعثت من جديد فالمواطن الأمريكى يعيش فى دوامة كبيرة تدق أعناقة الديون وتحاصره الملذات الحسية باهظة الثمن يحاول أن يقتنص لحظات مع الله لكنه فى النهاية يسير وسط الدرب العام الذى نهايته السراب واللا شىء، وكم من كنائس تدعى الانتماء للمسيح وهى فى الواقع تعيش فى ضباب كثيف يكبل الحقيقة الإلهية فى داخلهم ففى إحدى الولايات الأمريكية نجد كنيسة يسوع المسيح لقديسى العهد الأخير هؤلاء القوم يبيحون تعدد الزوجات بشكل فاق بكثير فجور التتر والرومان والإغريق، وكذا شهوة الجنس الشاذ "اللواط" الذى بدأ ينتشر فى القارة الأمريكية تحصنهم القوانين الوضعية وترسم لهم شكلا صريحا للحياة الأسرية الشاذة، تعترف بهم الدولة ومؤخراً اعترفت بهم بعض الكنائس الخاصة صاحبة المعتقدات الشاذة أيضا، وكذلك هو الحال مع اليابان والصين وأغلب دول الشرق الأقصى هذه الدول التى تتبنى الفكر المثالى فى العمل والحياة لكنهم فى نفسى الوقت يأكلون الحيوانات الأليفة بشكل وحشى شنيع ويبيحون الملذات الحسية المحرمة بشكل منظم ودقيق، وكذا روسيا التى اختل فيها التوازن الأسرى بعد الحرب العالمية فانتشرت الرذيلة بين الإعمار المتفاوتة وبشكل يكاد يكون عادة اجتماعية مقبولة، وفى إسبانيا يتجلى إنسان العصور الوسطى فى مشهد دموى لا يعرف للرحمة سبيلا حين يتجمع الآلاف فى مكان أشبه بالمجتلد الرومانى القديم ووسط الآهات والصيحات يتمتع البشر برؤية حيوان مسكين يتعذب بشكل بشع حتى الموت أى حضارة هذه التى ماتزال تفرز مثل هذه البربرية حتى اليوم، حتى بريطانيا التى ذاقت الأمرين فى القصف النازى الرهيب عليها لم تلتفت إلى أخطاء الماضى السحيق الذى وضعها فيه هنرى الثامن حين قام بتكييف وضعه الاجتماعى كى يتزوج وينجب الصبى أو الوريث لكن السماء لم تجب مطلبه ومات هنرى وخلف ابنته فيكتوريا كملكة لكن لم تغير الكنيسة من وضعها الغريب الذى انتهجته إرضاء لهنرى نفسه وبقت إلى يومنا هذا كنيسة أسقفية غريبة الأطوار تغرد وحدها بعيدا عن السرب الكاثوليكى والبروتستانتى العام، وبقى سكان أستراليا الأصليين حتى منتصف القرن لا يرتقون لمستوى الإنسان فى نظر القوانين البريطانية وفى فرنسا هذه الأمة العريقة أحفاد شارلمان العظيم وهم أول من تبنى نظرية الجمهورية فى العصور الحديثة تجدهم بالأمس سافكى للدماء بشكل يتناقض كليا مع مبدأ الحريات وفارزى للأباطرة الجدد أمثال نابليون وروبسبير وفى ظل الحرية والإخاء والمساواة يظهرون اليوم كمجتمع مفكك عاشق للحريات المحرمة أخلاقيا ودينيا فباريس اليوم هى بومباى الأمس بكل ما فيها من فسق وفجور وإن كان بركان ?يسو? قد كشف عورة بومباى القديمة إلا أن باريس فى انتظار من يكشفها والأيام قادمة لا محالة، وماذا عن إيطاليا صاحبة أعظم إمبراطوريات التاريخ بالأمس وهى الأب الشرعى لقلعة الكاثوليكية فى العالم (حدث ولا حرج)، وحتى اليونان التى ذاقت الأهوال على أيدى الشيطان التركى البائس كانت بالأمس هى صاحبة الفكر والفلسفة كانت بوصلة عظيمة لراغبى العلوم والآداب الإنسانية قد باتت اليوم أمه تثقلها الديون غارقة فى الشهوات وكانت ورافضة فى بادئ الأمر لاستقبال البائسين ضحايا الحرب السورية الطاحنة، والغريب أننا نرى اليوم أمة تعيش بكل كيانها فى أعماق عصور الظلام إنها كوريا الشمالية فهى دولة تعبد إنسان لا يملك مصير نفسه وتجعل منه إلها حقيقيا على الأرض فهو يقتل من يشاء ويتفنن فى الفتك بالبشر لأسباب فاقت جنون الحاكم بأمر الله ومنخوليا كاليجولا ونيرون، وفى الهند أمة المليار هندوسى نجد أن البشر يعيشون فى دوامة التناسخ الروحى ويقدمون النفيس والغالى من أجل مصير مجهول يؤمنون بأنه الحقيقة الكونية الأكيدة على الرغم من أن بوذا نفسه قد اعترف فى آخر أيامه بفشله فى أن يجد الآلة خالق هذا الوجود، أما فى عالمنا العربى وهو مهد الديانات السماوية فإننا نجد العجب الذى يتناقض مع أعراف السماء بل ويدعم بقوة قوات الجحيم.. انتظرونى فى الجزء الثانى من أين الإنسان؟!.








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة