لا أقصد بالمقال المحتاجين وأبناء السبيل طبعا، لكن أقصد أولئك الذين يملأون حياتنا بالكتابة وبالخروج على الفضائيات يمدحون فى كل شىء تفعله الحكومة والرئيس باعتباره المستقبل الذى لا يقبل النقاش ولا الحوار رغم أن ما يفعله البشر يقبل النقاش والحوار ومن ذلك تأتى الفائدة للجميع.
والأصل فى المسألة أن الحاكم يحتاج إلى من يقول له شيئا عن الخطأ أكثر ممن يحدثونه عن الصواب، ومن ثم لا أفهم أن يكون كل عمل للرئيس أو الحكومة عملا مصيريا ومفتاح التقدم ونهاية للفقر والجهل والمرض وغير ذلك من مقولات مما تقف أمامها مندهشا فكل المشاكل حولك وستظل حولك لوقت يطول أو يقصر، وحين يتحدث الرئيس فكلامه نهائى وتبدأ التفسيرات والشرح باعتبار أن ذلك كشف لسر الأزمة التى نعيشها وسر الخروج من الأزمة ومفتاح الحقيقة ولا مفتاح غيره، رغم أن الحديث قد يكون فى موضوع بسيط واضح وحله من أسهل الحلول ونعرفه كلنا من قبل، ويصل الأمر بمن يبدأ فى التنظير للكلام وتحليل الواقع الذى نعيشه وكيف أن ما قيل هو الطريق الوحيد للخروج مما نحن فيه. فمثلا كلنا نعرف أن هناك محطات فضائية وصحفا لا توافق على ما جرى بعد 30 يونيو، وهذه الصحف والفضائيات تجد مادتها أولا فى القصور فى الأداء الحكومى الذى نعيشه أو فى بعض القوانين سيئة السمعة، قبل أن يقول الرئيس السيسى ذلك نحن نرى بعض هذه الفضائيات صدفة أو قصدا لنعرف ماذا تقول، لكن هذا لا يعنى أبدا أن هذه القنوات والصحف ستهزم عشرات القنوات المصرية والصحف المصرية الموجهة للشعب، لكن الأهم أن ما يحدث فى مصر يعطيها الفرصة لأن تبالغ وتصرخ. تجد هذه القنوات من تتحدث معه من الفقراء عن غلاء الأسعار والفقير لا يكذب فهناك غلاء فى الأسعار، تجد فرصتها فى بعض من قبض عليهم ظلما وهناك من قبض عليهم ظلما، تجد فرصتها فى من قبض عليهم ولم يعرضوا على النيابة رغم مرور شهور طويلة لأن قانونا صدر أيام عدلى منصور والببلاوى لا يحدد وقتا للاعتقال بينما الدستور حدده بأربعة وعشرين ساعة ثم يعرض على النيابة مع محاميه، فهذا قانون غير دستورى. أشياء كثيرة تجد هذه القنوات فرصتها فيها وحلها فى مصر هو الطريق الأصوب للرد على هذه القنوات والصحف. تجد على الباب على الفور من ينادى بإغلاقها وهو يعرف استحالة ذلك فهى تستطيع أن تطل من أى مكان فى العالم، لكن لماذا لا يصرخ بذلك حتى يسمعه الرئيس نفسه، وهو المطلوب! ورغم أن الرئيس يتمتع بصوت منخفض فهؤلاء يرفعون أصواتهم بحماس فى زمن لم يعد يجدى فيه الصخب، وأستمر معكم فى أمور غريبة منها أن تتحول محاكمة حسنى مبارك وحبيب العادلى ورجاله إلى خطابة ودروس فى الوطنية رغم أن المحكمة أمامها موضوع جنائى، وتبث القنوات هذه المحاكمة وتجد هذه القنوات المعادية فرصتها فى ذلك! لقد سمعنا أن شهداء ثورة يناير متآمرون وأذيع ذلك. فهل لا تريدون لهذه القنوات والصحف أن تهلل معارضة، هناك من يهلل الآن أن هذه قنوات معارضة تريد هدم النظام، ووالله العظيم نحن نعرف لكن من يسهل لها الحصول على المادة؟ الأفعال هنا.
لقد ظهر الواقفون على الأبواب بشكل غريب وبكثرة كبيرة فى الأيام الأخيرة ويظهرون دائما بعد كل إطلالة من الرئيس، وسمعنا من يلوم الشعب على أزمة الكهرباء وبينهم جهات غريبة ليس هذا من عملها مثل جمعية حماية المستهلك التى لا أعرف ما علاقتها بذلك ولا حتى بالمستهلك، بل إن أحدهم زايد بشكل غريب وقال للناس أن يصبروا فالكهرباء تنقطع لأن السولار والوقود عموما يذهب إلى مشروع القناة الجديد رغم أن ذلك غير صحيح وأن مشروع القناة مضى عليه شهر والكهرباء تنقطع منذ أكثر من عامين، لم يدر أنه يسىء إلى المشروع ومن وضع خطة المشروع ومن ينفذ المشروع. ثم تأتى حكاية حروب الجيل الرابع هذه التى صارت لبانة فى الفضائيات وسرت كالنار فى الهشيم باعتبارها مؤامرة أمريكية ولم أهتم بها أبدا ولم أحاول أن أفهمها حتى قرأت مقالا جميلا للأستاذ أحمد عبدربه بجريدة الشروق، فوجدته مثلى لم يحاول أن يفهمها إلا حين طلب منه المشاركة فى حوار تليفزيونى فاعتذر عنه وبحث عن الأمر ليجد أكذوبة كبرى من صناعة المخابرات الأمريكية فى أواخر الثمانينيات مع بعض العسكريين الأمريكان لتبرير الفشل الأمريكى فى حربه مع الإرهاب، وأنها نظرية مستهجنة فى أمريكا نفسها، وبعيدا عن هذا الموضوع ما علاقة ثورة يناير بهذا الاصطلاح الفاسد؟ علاقته أن أمريكا تقوم بهذه الحروب فى كل مكان بدعم النشطاء والجمعيات والجماعات الحقوقية للثورة على دولهم. هكذا قالت المخابرات الأمريكية فى محاولتها التغطية على فشلها فى مواجهة الإرهاب، ومن ثم فثورة يناير مؤامرة رغم أن أحدا لم تتم محاكمته على ذلك ولا يمكن لأنه لا توجد مؤامرة فى الدنيا يصنعها عشرون مليون شخص نزلوا يوم 28 يناير فى جميع أنحاء مصر يهتفون «الشعب يريد إسقاط النظام» بعد أن انتهوا من صلاة الجمعة! ويسرى كثيرا فى الكتابات والحوارات اصطلاحات غريبة مثل الأمن القومى الذى صار يشمل الحفاظ على المواعيد! كل شىء صار أمنا قوميا. رغم أن الأمن القومى مرتبط بالحدود والأعداء والأمن القومى الحقيقى بالداخل هو العدل والحرية، دونهما تنفجر البلاد ويضعف أهلها حتى أمام الأعداء! وبدأت تسرى مقولات مثل الأمن الفكرى، قد تصل بنا إلى تحديد ما تفكر فيه وتحلم به ونوع التفكير فى الشتاء والصيف وفى المدينة والريف! كما كانت يوما مقولة الأمن الثقافى ولا أعرف ما علاقة الأمن بالفكر والثقافة، كذلك مشت أخيرا حكاية داعش وكيف ظهرت فى مصر وتلتها حكاية ظهور بوكو حرام وصارت موضوعا وهى ليست بموضوع، فلا داعش فى مصر ولا بوكو حرام وإذا كان هناك متزمتون فى قرية أو مكان ما فلا يعنى أنهم داعش أو بوكو حرام، لكنهم إنتاج أربعين سنة من الفكر الدينى المتخلف شجعت الدولة أصحابه وملأت بهم البيوت والمدارس والمساجد والطرقات تخيف بهم أى تيار متمدين. الموضوع الوحيد الحقيقى هو الإرهابيون الذين أطلقوا على أنفسهم كتائب حلوان وكان نصيبهم من التريقة على الإنترنت رهيبا حتى تم القبض عليهم أو على بعضهم وانتهى الحديث فيه. يا أيها الواقفون على الأبواب.. ارحموا الرئيس والحكومة قبل أن ترحمونا فكل ما تقولونه لا يصمد أمام حادثة تسمم فى الطعام الذى لا تعرف عنه الأجهزة الرقابية شيئا. ولا تصريح برفع تذكرة المترو احتاج أن يكذبه الرئيس بنفسه!
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة