محمد مصطفى موسى

مبارك كان عنده حق

السبت، 26 أبريل 2014 08:04 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
صعب على أن أقولها، لكنها الحقيقة، والحقيقة على مرارتها أحق أن تتبع: مبارك كان عنده حق.
لست بطبيعة الحال درويشا من دراويش مبارك، ممن يرددون بكرة وعشيًا: «أنا آسف يا ريس»، ولست مخطوفًا ذهنيًا أرى المخلوع قديسًا بريئًا من كل الدنايا، وقد ظلمه شعب همجى ناكر جميل، فمبارك عندى هو أصل الدنس فيما يعترى مصر الآن، وليته يملك الشجاعة فيفقأ عينيه مثلما فعل «أوديب» فى رائعة سوفكوليس، فيهيم فى الصحراء حتى تتخطفه السباع، علّه يتطهر.
كان مبارك باطلًا وعلى الباطل فى كل شىء، إلا فيما كان يبديه من احتقار واستصغار وتجاهل لرموز المعارضة، والظاهر أنه رأى سرائرهم، فنفذ إلى قلوبهم وضمائرهم، فعرف أنهم زمرة أفاقين يعارضون دولته لأنه أقصاهم، وحرمهم من القربى، والمعروف أن القربى من المخلوع ونجله، كانت تفتح باب مغارة على بابا، حيث الذهب والياقوت والمرجان وأراضى الدولة بأبخس الأثمان .. أحمدك يا رب .
لم « يفعص » مبارك معارضيه، وكان بوسعه أن يفعل، لا لأنه ديمقراطى منفتح متسامح، لكن لأنه لم يجد ضرورة، فهم أقل شأنًا من جناح بعوضة، لا يشكلون خطرًا من ناحية، ولأنه فى حاجة إلى جموع من الكومبارس يكون فى وسطهم «نجم الترسو».
انظر معى، ذاك الكاتب الثورجى المناضل، الذى ملأ الدنيا صراخًا ونحيبًا على حال الحريات فى سجون العادلى، يغض الطرف الآن عن ممارسات الداخلية، ويضع ورق التوت على عورة أى انتهاك، فيملأ شدقيه بعبارات على شاكلة: «الدولة فى حاجة إلى قبضة حديدية».. وإذا سألته: وماذا عن العدالة وحقوق الإنسان يا أستاذنا؟.. مط بوزه استهزاءً، وصعر خده استعلاءً، وأشاح بوجهه معرضًا.
ثم تأمل الوزير المحسوب على الثورة، وهو يقول بدوره فى تصريح جدير بقنوات الكوميديا: الداخلية تستخدم فقط رصاصًا «بيلسع»، ما يستدعى إلى الذهن على الفور عبارة سعيد صالح شفاه الله، فى مسرحية «هالو شلبى»: أستك منه فيه.. أشده يلسعنى!
وهذا الشاعر الذى تغاضينا عن مدائحه فى مبارك، يوم وقف فى صف الميدان، وهتف مع الهاتفين، وانحاز لضحكة المساجين، يتحوّل إلى مدّاح مجسدًا صورة مثالية للنفاق العربى الأصيل، مقتفيًا النابغة الذبيانى الذى مدح دولتى المناذرة والغساسنة معًا، رغم ما بينهما من حروب، ممسكًا بالعصا من المنتصف وماشيًا على الحبال كالبهلونات.
وذاك الحقوقى الذى سقط عن وجهه القناع، فإذا تحته وجه ضبع أسود الشفتين، يتلذذ بلعق الدماء وممارسة الفاشية فكرًا ومنهجًا، مستلًا سيف التخوين فى وجه كل معترض، وفى مفارقة أليمة يزعم بأنه ليبرالى وإنسانى النزعة.
كلهم «عبده مشتاق» ولسان حالهم: من لم يتمرغ فى تراب مبارك، فليتمرغ فى تراب المرحلة الجديدة، ففى التمرغ منافع كبرى، واغتنموا اللحظة الفارقة، وكفاية معارضة فقد هرمنا ومن حقنا نعيش يومين!
ليس منطقيًا إذن إلقاء كل اللوم على مبارك، والقول بأن نظامه جرّف مصر من الشرفاء مردود عليه بقول شاعرنا المتنبى: «من يهن يسهلُ الهوانُ عليه/ ما لجرحٍ بميتٍ إيلامُ».
وجد مبارك معارضيه ممن يسهل الهوان عليهم، وألفاهم قشًا ورمادًا، إلا قليلاً، ووقف على أنهم مناضلون حنجوريون، فلم يأبه بهم ولهم فتفرعن، ولم يجد من «يلمه»، ولو كنت مكانه -والحمد لله أنى لست مكانه- لما ترددت عن أن أرد على صخبهم ساخرًا بالفم المليان: خليهم يتسلوا، ولما وجدت غضاضة فى أن أتسلى بهم كما فعل ثلاثين عامًا.








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة