فى ذكرى رحيل "كازانتزاكيس".. نعيد قراءة كتاب "الوادى وسيناء" عن رحلته لمصر

الأحد، 26 أكتوبر 2014 07:10 م
فى ذكرى رحيل "كازانتزاكيس".. نعيد قراءة كتاب "الوادى وسيناء" عن رحلته لمصر غلاف الكتاب
كتب أحمد إبراهيم الشريف

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
اليوم ذكرى رحيل الأديب والفيلسوف اليونانى الكبير "نيكوس كازانتزاكيس" صاحب رواية "زوربا اليونانى"، والذى توفى فى 26 أكتوبر 1957، ولكن علينا أن نعرف أن لهذا الأديب الكبير كتابا عن مصر عنوانه "رحلة إلى مصر..الوادى وسيناء" وهو جزء من مشروع كبير بعنوان "ترحال" قام به "كازانتزاكيس" لصالح الجريدة اليونانية "أليجيروس لوجوس" والتى دفعت له تكلفة رحلته بين عامى 1926 و 1972، ونتج عن ذلك كتاب "ترحال" والذى يشمل فصول عن فلسطين وقبرص وإيطاليا" وقامت مجلة "أدب ونقد" بنشر الجزء المتعلق بمصر تحت اسم "الوادى وسيناء" ترجمة محمد الظاهر ومنية سمارة 1991، وقدمت له فريدة النقاش، وأشارت "النقاش" إلى بعض المشكلات التى يحتوى عليها الكتاب ومنها، هجومه على مصر والإساءة للمصريين ووصفهم بالخنوع والخضوع، كما أنه فصل بين سيناء ومصر، والتعصب اليونانى.

لكن قراءة الكتاب والظروف التاريخية التى كتب فيها "كازانتزاكيس" هذه الفصول، ومفهوم الكاتب الروائى عن "الرحلة" يصل بنا لنتائج أخرى مغايرة، فقد قصد "كازانتزاكيس" أن يقدم صورة مغايرة عن مصر "الجاهزة" التى كانت تقدم لأوروبا فى المجلات والتى كانت تصورها مثل ألف ليلة وليلة، حيث الموسيقى والرقض والأوبرا وغير ذلك، إنما هو أراد للعالم أن يشاهد مصر الخارجة من الحرب العالمية الأولى، إنه يقسم تاريخ مصر الحديث قسمين الأول: من "محمد على" وحتى الحرب الأوروبية والثانى من الحرب حتى كتابته للرحلة.
رأى "كازانتزاكيس" فى مصر الإنسان المصرى الكادح الموزع بين فلاح محنى أمام النيل، وحداد وحلاق وبناء ونساج وساعى بريد، يقول: "رأيت الحدادين أمام النار وقد تجعدت أصابعهم مثل جلد التمساح، وانبعثت منها رائحة بيض السمك، رأيت المزارعين بآلامهم المبرحة فى الحقول، وهم يواصلون العمل فى الليل، فى الوقت الذى يتوجب عليهم فيهأن يخلدوا للراحة.." رآهم نماذج لشخصيات معذبة تمثل مصر الحقيقية، رآها تقوم بأفعالها بإخلاص مطلق ومهانة مطلقة، ومن هنا يمكن لنا أن نحكم عليه بأنه لم يفهم طبيعة المصريين ولا تاريخهم المليء بالثورات، كما يمكن أن نفهم بأنه ما قال ذلك إلا دفاعا عن قضيتهم حيث قارن بين مصر التى تقدم للسائحين ومصر الحقيقية، فقال عن المصريين " لكن خلف قناع الوداعة هذه، كنت أستطيع تمييز ذلك الوجه الحزين المكافح لمصر".
يتضح هذا الأمر عندما نجده يهاجم مقولة هيرودت "مصر هبة النيل" ويرى أن مصر هى الأجر الذى يتقاضاه المصريون نتيجة التعب والعناء الذى يقومون به، كما نجده يهاجم المصريين الخانعين لأنهم يكدحون ويتعبون ثم "يظهر الأفندى" على حد قوله، ليأخذ ثمرة تعبهم وكدهم، وكذلك رأى أن النيل وطبيعته سبب رئيسى فى إيجاد الحاكم الكهنوتى السلطوى.

لذا هو لم ير الفلاح يغنى، كما خدعنا نحن حتى فى السينما، بل رآه حزينا ظهره مكسور طوال اليوم فى الشمس الحارقة، ولم ير عيون النسوة السوداء الواسعة بل رأى الطين الذى يلوث أقدامهن.

كذلك كان للثنائية التى حكمت تفكير "كازانتزاكيس" وهى النيل/الصحراء، حيث يطارد كل منهما الآخر ، مع انتصاره للصحراء التى وجدها خلف كل خضرة ووراء كل بقعة ماء، كان لذلك أثره عن تشكيل فكرة المصريين فى الكتاب .
ومع هذا نجد الكتاب ممتلئ بالنماذج المصرية التى أقامت الدنيا، فهو يرى أن إخناتون قام بثورة عظيمة اقتصادية وسياسية ودينية، كما تحدث عن أحمد عرابى ووصفه بوطنى ومتحمس وجرىء نظم ثورة وطالب بأن يخرج الأجانب من مصر، كما تحدث عن مصطفى كامل وسعد زغلول، ونقل حوارا مع أحد المثقفين يتحدث عن حلم الشعب المصرى بالخروج من نير الاحتلال الإنجليزى، كما أكد بأن الشعب المتنور كان ينظر دائما إلى الغرباء بنفاد صبر وكان يريد أن يتخلص منهم كى يصبح سيد وطنه.

ومع هذا هناك من يغضب من "كازانتزاكيس" لهجومه على الشخصية المصرية ووصفها بـ"الطبيعة الداجنة والمستعبدة" ولكن علينا أن نتأمل هذا الاستنكار الذى أورده فى كتابه فى صفحة 70 " لقد استطاع الفلاحون أن يفهموا عبوديتهم للمرة الأولى منذ الحرب العالمية، لقد أرسلوا أكثر ما يزيد عن مليون نفس للحرب، لقد صودرت حيواناتهم ومحاصيلهم، وعبئت كلها للحرب، وتحت التهديد أصبح أربعون ألفا من الفلاحين عمالا يعملون حسب حاجة جيش الحلفاء.. ." ومع كل هذا ما زال المصريون يعملون فى صمت وينتظرون أن تفى الإنجليز بوعودهم والتى يخلفونها دائما.

ربما يكون "كازانتزاكيس" قد تطرف بعض الشيء لكنه تطرف المحب، فقد انتصر الروائى المدافع عن الحق على "السائح الرحالة" الباحث عن الجمال.












مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة