خطيئة السادات بإخراج الإخوان من السجون والمعتقلات يجب ألا تتكرر الآن تحت شعار المصالحة، فهو الذى أعطاهم قُبلة الحياة فردوا الجميل بقتله فى المنصة، وفجروا حمامات الدم فى أنحاء القطر المصرى، ودفع الوطن ثمناً فادحاً حتى تحررت ربوعه من طيور الظلام، وإذا تكرر السيناريو بإطلاق سراح الأيدى المخضبة بالدماء والأفواه المحرضة على القتل، فلن تخرج مصر من النفق المظلم لسنوات طويلة قادمة، وستصبح الحرب الدائرة ضد الإرهاب مجرد هدنة مؤقتة، يعودون بعدها أكثر عنفا وشراسة ودموية، للانتقام من طوابير طويلة من الجيش والشرطة والقضاء والإعلام والمسؤولين وكل من تصدى لهم، وما أدراك ما الإخوان حين ينتقمون.
صراع القوى السياسية الدائر حاليا يجب أن يتوقف فورا لأنه يصب فى صالح الإخوان، فشركاء الثورة تفرقوا شيعاً وأحزاباً من أجل السلطة وكل يبكى على ليلاه ومصالحه الشخصية، وتناسوا ليالى الوطن السوداء وأحزان المصريين على وطنهم قبل 30 يونيو والجماعة المسعورة تلتهمه قطعة قطعة، وتمحو هويته وثقافته وسماحته وماضيه وحاضره، وترميه فى براثن عصابة من الإرهابيين وخريجى السجون وشيوخ التضليل والعنف والدم، تحت حماية رئيس الجمهورية الذى فعل ما بوسعه للقضاء على قوة الدولة الخشنة والناعمة، وإحلال جماعات ظلامية تضمر شراً لمصر أكثر من المستعمر.. ومثل هذا الصراع الذى تشهده مصر الآن، حدث أيام السادات ودفعه لحافة اليأس من الشيوعيين واليساريين والناصريين الذين ناصبوه العداء، فارتمى فى أحضان الإخوان متصورا أنهم سيدعمونه فكان كمن يحتمى من الرمضاء بالنار.
لا يجب تكرار نفس أخطاء السادات حين منح الثقة لمن تصور أنهم «شيوخ الإخوان المعتدلون» فاكتشف بعد فوات الأوان أنهم جميعا متطرفون ومتشددون وإرهابيون، وأعادوا تكوين الجناح العسكرى وتكليفه بالعمليات الإرهابية التى أطلقوا عليها جهادية، واغتالوه مرتين، مرة فى المنصة وأخرى يوم ذهب مرسى إلى استاد القاهرة وسط كوكبة من قتلته ليحتفل معهم بذكرى نصر أكتوبر.. والدرس المستفاد أنهم إذا عادوا تحت مظلة المصالحة فسوف يغتالون من يدافع عنهم -مثل السادات-وسوف ينفذون إلى المسرح السياسى ولو من خرم إبرة، ليس من أجل الدفاع عن الإسلام ونبذ العنف والإرهاب والانضواء تحت مظلة العمل الحزبى النظيف، ولكن لاسترجاع حلم الأخونة والخلافة الذى انقلب إلى كابوس بفضل ثورة الشعب وجرأة السيسى.
الإخوان لن يستطيعوا خداع المصريين كما حدث أيام السادات، لأنهم اكتشفوا بأنفسهم أنهم كاذبون ومتآمرون وغير سلميين، ويتمسحون بالإسلام لخدمة أطماعهم الدنيوية وجنونهم للسلطة حتى لو كان ذلك فوق جثث الأبرياء وحطام الوطن، وتأكدوا أنهم ليسوا «ناس طيبين» وزاهدين وأصحاب دعوة وموعظة حسنة، بل طلاب سلطة وسلطان وجاه وكراسى، المؤكد أن السادات قد أخطأ فى حساباته باستخدام الإخوان كمخلب قط لضرب خصومه السياسيين وصور له غرور القوة أنه حضر العفريت ويستطيع أن يصرفه، والإخوان وقعوا فى نفس الخطأ عندما خدعوا شركاءهم فى ثورة 25 يناير واعتبروا السلطة غنيمة لا يحق لغيرهم أن يشاركهم فيها.. ولن تنجو مصر من الخطر إلا إذا استفادت من الدروس والأخطاء، وأهمها خطيئة السادات -سامحه الله- بإطلاق سراح القتلة والمحرضين والإرهابيين، تحت شعار المصالحة والاحتواء وعدم الإقصاء، فقد استوعب الدرس متأخراً وظل فى أيامه الأخيرة يصرخ فى خطبه «لا دين فى السياسة ولا سياسة فى الدين»، حتى أسكت الرصاص صوته.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة