لم أكن أحب أن أتحدث عن موضوع الدستور. انتظرت الانتهاء من التعديلات وإعلانه كخطوة كبيرة فى طريق الثورة الحقيقى. انتهت لجنة الخمسين وصوتت عليه وصارت النصوص النهائية أمامنا، لم أشأ أن أقرأها. عيوب الدستور السابق واضحة وتعديلها سهل. وأحيانا أقول لنفسى لا تفعل ذلك خلى المركب تمشى! لكن دون أن أقصد والله وجدت نفسى أقرأ فى مواد الدستور وليتنى ما فعلت. زادت المواد عن المائتين والأربعين، ليس هناك مشكلة. وقفت عند مادة لم أفهمها وهى المادة رقم 31 التى تنص على «أمن الفضاء المعلوماتى جزء أساسى من منظومة الاقتصاد والأمن القومى وتلتزم الدولة باتخاذ التدابير اللازمة للحفاظ عليها على النحو الذى ينظمه القانون» قلت لو كان مقصودا بها الإنترنت فهى تتعارض مع المادة 57 المعززة لحرمة الاتصالات والمراسلات وغيرهما من مظاهر الحياة الخاصة، إذن لها معنى آخر قد أفهمه فيما بعد. قفزت إلى المادة 179 التى تترك تعيين أو انتخاب المحافظين لمجلس الشعب، تمنيت من الله أن يجعل مجلس الشعب القادم انتخابات لتعزيز اللامركزية والخروج من المركزية الديكتاتورية التى ضيعتنا ستين سنة. لكنى وجدت رغبة فى العودة إلى المادة 67 التى قفزت عليها بسرعة بسبب رقمها الذى ذكرنى بالنكسة، قرأتها فوجدتها الهزيمة كاملة. المادة عن حرية التعبير تقول:
«حرية الإبداع الفنى والأدبى مكفولة، وتلتزم الدولة بالنهوض بالفنون والآداب، ورعاية المبدعين وحماية إبداعاتهم، وتوفير وسائل التشجيع اللازمة لذلك، ولا يجوز رفع أو تحريك الدعاوى لوقف أو مصادرة الأعمال الفنية والأدبية والفكرية أو ضد مبدعيها إلا عن طريق النيابة العامة، ولا توقع عقوبة سالبة للحرية فى الجرائم التى ترتكب بسبب علانية المنتج الفنى أو الأدبى أو الفكرى، أما الجرائم المتعلقة بالتحريض على العنف أو التمييز بين المواطنين أو الطعن فى أعراض الأفراد، فيحدد القانون عقوباتها وللمحكمة فى هذه الأحوال إلزام المحكوم عليه بتعويض جزائى للمضرور من الجريمة، إضافة إلى التعويضات الأصلية المستحقة له عما لحقه من أضرار منها، وذلك كله وفقاً للقانون»، أخذت أتأمل نصفها الأول الجميل ونصفها الأخير، وانتبهت إلى السم فى العسل فى منتصفها. إنها لا تجيز رفع الدعاوى لوقف الأعمال أو مصادرتها إلا عن طريق النيابة. والسؤال هنا لماذا تصادر الأعمال وتوقف أصلا وهى دائما غير موجهة إلى أحد بالذات. كان فى مصر قانون الحسبة شجع الكثيرين من أصحاب التيارات المتخلفة على رفع قضايا حسبة لوقف الأعمال الفنية والأدبية ومصادرتها. وبعد ما جرى مع الدكتور نصر حامد أبوزيد رحمه الله، عدلت الدولة قانون الحسبة وجعلت الشاكى يلجأ إلى النيابة أولا. لا يذهب مباشرة إلى المحكمة. وذلك لضبط المسألة. ومنذ ذلك الوقت والنيابة ترسل القضايا إلى المحاكم. ولولا قضاة متنورون يأتون فى الاستئناف بالذات لسجن الكثيرون وصودرت أعمال كثيرة. إذن الإقرار بحق النيابة فقط قديم، ويعنى أيضا حق الناس فى الشكوى. أى الحسبة. فالأعمال الفنية والفكرية لا توجه إلى أحد. قال لى الأستاذ محمد سلماوى رئيس اتحاد الكتاب على تويتر إنها ليست حسبة وقال الفنان محد عبلة نفس الكلام لى على الفيس بوك. وهما طبعا فى اللجنة. وبرهانهما أن النيابة هى التى تحرك الدعوى. وكأن النيابة تحركها وحدها. لا يوجد مثلا شخص يلجأ إليها بالدعوى لتحركها أو تحفظها. وهذه هى الحسبة التى تعطى أى شخص الحق فى الاعتراض على سلوك شخص آخر. وعشرات القضايا رفعت لأن قارئا لم تعجبه رواية أو قصيدة أو مشاهدا لم يعجبه فيلم. فقط صارت القضايا عن طريق النيابة منذ مبارك. واللجنة رحمها الله جعلتها مادة دستورية. هكذا كل الفئات نجحت فى اقتناص ما تريد إلا المثقفين اعترفوا بحق الآخر فى تقديم الدعاوى ضدهم على أعمالهم الفنية. وباعتبار أن هذا نص دستورى فسوف يترتب عليه إصدار قوانين للمصادرة والغرامات وغيرها. فقط لن يكون هناك حبس. لكن يمكن أن يكون هناك غير المصادرة والغرامة أو ما يخطر على بالك من عقوبات على كتاب كتبه كاتب ولم يفرضه عليك بل لديك الحرية أن تعيده إلى البائع أو تكتب تهاجمه. كذلك الأمر فى الفيلم أو اللوحة أو الأغنية، كل الفنون لا تقدم للناس قسرا ولا جبرا فلماذا يكون هناك حق لأحد أن يقاضيك. هى الحسبة ولا غيرها، المدهش فى الأمر أننا لم نسمع بهذه المادة إلا بعد إقرار الدستور، لم يحاول المثقفون فى اللجنة طرحها للنقش مثلما فعل العمال والفلاحون والقضاة والمحامون وأقاموا الدنيا وفازوا بما يريدون، نحن فقط لم يفكر أحد فى اللجوء إلينا. لو كانت المادة فرضت عليهم مثلا من أى اتجاه داخل اللجنة، كنا سنساندهم لأننا نساند الثقافة والإبداع. البعض يقول الحمد لله شالوا الحبس كأنها ناقصة حبس، وكأن ذلك ليس إقرارا بالعقوبات الأخرى! الأصل عدم مصادرة أى كتاب أو عمل فنى فلا أحد يمتلك الحقيقة فى الفنون والآداب. إنها سلعة لا تفرض عليك، لماذا تمت صياغة هذه المادة سرا وفوجئنا بها؟ ما المقصود من ذلك؟ هل هذا هو حظ حرية الإبداع فى الدستور بعد ثورتين؟ عودة إلى العصور الوسطى باحترام أو بشياكة. إحدى المدونات أثارت هذا الموضوع وفوجئت بالشاعر الكبير جمال بخيت يتحدث باستفاضة عن أهمية هذه المادة لأنها تحمى الملكية الفكرية وقال إنها أحسن مادة. طيب عايز حد يقول لى فين الكلام عن الملكية الفكرية هنا، الملكية الفكرية لها قوانين عالمية ومصر مشتركة فى الاتفاقيات العالمية وبالمناسبة رغم ذلك فلا أحد يسترد حقوقه. والسرقة شغالة وآخرها لحن تسلم الأيادى! لكن المادة لا تشير إلى ذلك من قريب أو بعيد -أقصد الملكية الفكرية- أكيد بيقصد مادة تانية، فعبارة جرائم بسبب علانية المنتج تشير إلى ما يمكن أن يعتبره البعض جرائم أخلاقية، بوسة، حضن، نوم.. إلخ، وهذا لا يفوت على جمال بخيت الذى أخذ الحوار كله تقريبا وقلل من فرصتنا فى الحديث!! ماشى ياعم.. لا يمكن أن يفوت الكتاب والفنانون فى اللجنة المعنى السيئ لهذه الفقرة من المادة ولا يمكن أنهم لا يعرفون أن الدستور يترتب عليه قوانين، انتظروا القوانين التى تحدد لكم كيف تكتبون وكيف تبدعون، المركب إن شاء الله حتمشى لكن حيترمى المبدعين من فوقها!
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
أمل أيوب
هلل البعض لالغاء عقوبة الحبس واعتبرو الحوار حول "الاستثناءات "لتعديلها ترف !!
عدد الردود 0
بواسطة:
أحمد حسنين
رضينا بالهم والهم ما رضيش بينا