التقينا كالعادة دون موعد.. وجدته جالسًا يضحك، صافحته وجلست معه، وجدته يعود إلى الضحك لكن دون صوت، نظرت إليه مندهشًا، بدا أنه شارد عنى كثيرًا، ورأيته لايزال يضحك بلا صوت، ضحكت، سألته:
- لماذا تضحك؟
ضحك وقال:
- لأن لا أرى أحدًا يضحك.
لم أفهم، فقال: يعنى أضحك بدلًا عن الذين يجب أن يضحكوا ولا يضحكون.
- آه، عندك حق، لكن بصراحة أنا لا أعرفهم، والحمد لله أنى لا أعرفهم، وإلا كنت فعلت مثلك.. يارجل أنت تجلس فى مقهى، وكل الجالسين ينظرون إليك.
- أعرف، فليضحكوا أيضًا، ليس هذا بالقليل.
سكت.. طلبت من الجرسون قهوتى السادة فقال: أنت أيضًا تطلب قهوة سادة رغم أنك على طول صداقتى بك تشربها «مظبوط»!
ارتبكت للحظة، هل يمكن أن تكون أعراض الزهايمر، لابد، أنا فعلًا أشربها «مظبوط». ماذا أصابنى، ضحكت، تذكرت أنى قضيت ليلة طويلة مع قصة قصيرة لديستويفسكى. قصص ديستويفسكى القصيرة طويلة، كان المسكين يعانى من الصرع، وكان غالبًا يكتب بعد أن تأتيه النوبة، كذلك كان لا يكتب مباشرة، بل كانت لديه سكرتيرة يملى عليها، وكانت تستخدم طريقة الاختزال فى الكتابة، ومن ثم لم تكن لا هى ولا هو يعرفان حجم ما أملاه وكتبته، كذلك كان مديونا دائمًا، وينشر أعماله فى الصحف أولا، ومن ثم يطيل فى الكتابة ليشغل من الصحيفة أعدادًا كبيرة تعود عليه بمال يسدد به ديونه.
قلت: معك حق، القصة التى قرأتها أمس ظلت معى طول الليل، تصور بطلها الشاب كان يعانى من المعاملة السيئة لرئيسه، فى يوم عامله رئيسه برفق فذهب سعيدًا يقابل حبيبته، وشرح لها كم هو سعيد، وظل يحكى عن سعادته، ويحكى ويحكى فرحاناً حتى مات أمامها.
قال:
- أعرف هذه القصة، وأعرف أنه سبق بها تشيكوف الذى كتب «موت موظف» عن الموظف المرعوب من رئيسه.. الإنسان يمكن أن يموت من الخوف، كما يمكن أن يموت من السعادة.
فكرت قليلًا وقلت: ألا يوجد بينهما شىء آخر؟
قال:
- قل الوجه الآخر، فالإنسان يمكن أن يعيش بالسعادة وبالانتصار على مخاوفه.
- إذن هناك دائمًا أمل، المهم أن ننتبه.
- هذا ما يجعلنى أضحك، أمس بالليل قرأت قصة أكثر رعبًا وجمالًا اسمها «قبو البصل» لكاتب ألمانى اسمه جونتر جراس، عن رجل افتتح فى قبو محلًا لشم البصل، كل من أراد أن يبكى يذهب يشم البصل، فذهبت المدينة كلها، لذلك أنا أضحك اليوم، كل من حولى يشم البصل.
- لا أعتقد، هناك ناس دائمًا ماعندهاش دم.
تلفت حوله وقال:
- يخرب عقلك حتودينا فى داهية.
اندهشت أكثر، قلت:
- لم تقل لى من هم الذين يجب أن يضحكوا ولا يضحكون.
- كل الشعب بمن فيهم الإخوان إذا أرادوا البقاء، الآن لم يعد هناك شىء من سنة مرسى السودا يخفى على أحد، كل ما فعله صار معروفًا، كله كان خارج الزمن، خد عندك مثلًا يوم أن اتهم الولد بتاع السكينة بقطع الكهربا، كان العام الأول من حكمه تتبقى له أيام وينتهى، لم يعرف ذلك إلا بعد كل هذا الوقت، إذن هو لا يصلح.
- هل صدقته؟
- طبعًا حتى أضحك، لكن ليس هذا سبب الضحك فقط، تولى هشام قنديل رئاسة الوزارة، وفى اليوم التالى مباشرة انقطعت الكهربا عن نص مصر، بعدها بأيام قليلة قال إن هناك عجزًا فى الإنتاج الكهربى، وإنهم سيعملون على زيادة الطاقة الكهربية وعلينا أن نصبر.. يوم خلع مرسى لم تنقطع الكهرباء بعده حتى اليوم إلا فى حالات قليلة جدًا لا يتوقف عندها أحد. إذن هو صدق التقارير التى رفعت إليه لحوالى سنة، ولم يسأل نفسه: كيف حقًا تنقطع الكهرباء فى اليوم التالى لتوليه الوزارة، كيف كان الإنتاج يكفى أمس، ولا يكفى اليوم، يمكن حد قاله إن الكهربا بتضيع فى الهوا علشان الأسلاك معلقة على العواميد، بالمرة يعنى، هذه الأشياء أتذكرها وأضحك وأتعجب، كيف لا يضحك الإخوان على رئيسهم ورئيس وزرائه، وطبعًا ما يتردد الآن عن استهلاكه بثمانية آلاف كل يوم «بط ووز وحمام»، وما نشر من صور للكبسة والعقيقة فى القصر الجمهورى يجعل أى واحد يضحك، هذه أمثلة فقط.
- معك والله، لكن شباب الإخوان لا يدركون ذلك، هم مقتنعون بأن مرسى كان مبعوث الرسالة الإلهية، وأنه لم يرتكب أى أخطاء، وأن الولد بتاع سكينة الكهربا كان أقوى منه!
ضحك ثم قال: أعرف، لكن لابد أن بينهم من يستخدم عقله.
قلت:
- أنت تبحث عن المستحيل، لا الإخوان هيضحكوا ولا الشعب هيضحك إلا لما ينتهى من الإخوان.
- طيب ما هو أما ينتهى الشعب من الإخوان مش هيبقى فيه حاجة تضحك.
ضحكت وقلت:
- وحتى أتى هذا اليوم لن يكفوا عن الإرهاب ولا عن القتل، طبعًا رأيت شهيد المنصورة وما فعلوه به، هل من يفعل ذلك ممكن أن يضحك وعلى رئسيه كمان؟ ماذا جرى لعقلك؟
- طيب خلينا إحنا نضحك، الناس شكلها مش مشجع أبدًا.
- المصريين طيبين ومش متصورين إن فيه غباوة بالشكل ده، نفس الناس اللى خرجت فى جنازة شهيد المنصورة تهتف الشعب يريد إعدام الإخوان، مش ممكن يقتلوا حد.
- مش عارف، لما الشعب يبعد عن الضحك ممكن تنتظر منه حاجات تانية، يا إما الضحك ييجى بعد الحزن، يا الحزن ييجى بعد الضحك، مش ممكن تبقى الدنيا حالة واحدة على طول.
- هما خلوها سودا الإخوان.. لكن فى النهاية هيضحك الشعب ما تستعجلش.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
مواطن مصري
خواطر مواطن مصري