عندما قابلته منذ حوالى 8 سنوات فى لقاء تعارف بالقاهرة، كان انطباعى أنه رجل طيب، وأفكاره رومانسية ولا علاقة لها بالواقع. والحوار معه لن يتجاوز كونه نفحة روحية أشبه بالطرق الصوفية. ولكنى اكتشفت بعد وقت طويل أننى كنت مخطئاً، وأن هذا الرجل الحالم بعالم أكثر جمالاً وإنسانية قادر ومعه من هم مثله لأن يحولوا أفكارهم إلى واقع يلتف حوله الملايين. فمن هو دون أمبروجو؟ هو راهب إيطالى، ليس راهباً فى الكنيسة ولكنه خارجها، نوع من الرهبنة يسمونه "العذرية". فأمبروجو أستاذ جامعى، ولكنه وهب حياته للمسيح، فلا يملك شيئا وبالطبع لم يتزوج. ومثله كثيرون فى إيطاليا، يعيشون فى بيوت مشتركة، أساتذة جامعات ومهندسون ومدرسون ومن مختلف الفئات. هؤلاء لا يلجأون أبداً للوعظ الدينى مثل رجال الكنيسة، ولكنهم يقدمون فى ممارساتهم الحياتية نموذجاً للسلوك المسيحى، أى السلوك الإنسانى الرفيع. وهذا يمكن أن يدفع من يتعامل معهم إلى الاقتراب أكثر من نفسه، ومن الله عز وجل. وهم لا يهمهم إطلاقاً أن تكون مسيحياً، ولا حتى أن تكون متديناً، ما يهمهم فقط أن تكون قادراً على اكتشاف الآخر، ومن ثم اكتشاف نفسك واكتشاف خالق الكون داخلك. دون أمبروجو هو واحد من هؤلاء الرهبان الذين ينتمون إلى حركة دينية كاثوليكية كبرى اسمها "مشاركة وتحرر"، أسسها راهب مسيحى هو دون جوسانى. وهذه الحركة لا تضم فقط رهبانا، ولكنها تضم ملايين المواطنين من كل الأنواع والطبقات يؤمنون بهذا السلام الروحى، ويمارسونه فى حياتهم العادية. هذه الحركة ليس لها أية أهداف سياسية، رغم أن من بينهم مستشار للرئيس الإيطالى، فكل المطلوب منه كمسيحى هو أن يساعد على نمو البلد وتطورها وسعادة أهلها. فهم لا يريدون الوصول إلى الحكم حتى يطبقوا أفكارهم، مثلما كانت الكنيسة تفعل من قبل فى أوروبا، ومثلما يريد أن يفعل أنصار التيار الدينى فى مصر. فهم يرون أن أفضل دولة يعيشون فيها، هى الدولة التى تكفل لمواطنيها الحرية، بل وكما قال لى دون أمبروجو "إن الله يحب حرية البشر أكثر من حبه لعبادتهم له". فأعضاء هذه الحركة وأصدقاؤها هدفهم هو عقد مصالحة بين الدين والحياة، مصالحة بين الدين والحرية، أياً كان الدين، فهى حركة إنسانية رغم انطلاقها من أرضية كاثوليكية. لكل ذلك أحب دون أمبروجو وحركتهم النبيلة رغم أننى مسلم، وربما لأننى مسلم.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة