لم يكن النحاس متفائلا بوصول العسكريين إلى الحكم، ولم يرحب بالثورة، واعتبرها انقلابا ضد الديمقراطية، هكذا يؤكد المؤرخ محمد الجوادى، فى كتابه الجديد " مصطفى النحاس باشا وبناء الدولة الليبرالية" الصادر حديثا عن دار الشروق، ، مشيرا إلى أن مذكرات النحاس أوردت قصة طرده، لطه حسين، عندما جاء يطلب منه تأييد ثورة يوليو، خاصة أن جمال عبد الناصر، أوفد طه حسين للنحاس، بعد إخفاقه فى الوحدة مع سوريا.
يقول الجوادى فى الكتاب: استمع النحاس لطه حسين، وطلبه بأن يقوم بتأييد عبد الناصر، ثم رد عليه قائلا: اسمع يا سيدى، ما تقوله أو ما يقوله عبد الناصر من أنه لم يسئ إلى، فهو غير صحيح، لأن تحديد الإقامة والمراقبة، ومنع الزيارة، وتحريم الصحف من ذكر اسمى حتى فى نعى الأموات.
ويفصح الكتاب، عبر مذكرات النحاس، عن تفاصيل خطيرة، منها ما يتعلق بمحاولة إغتيال بعض ضباط الثورة، للنحاس، حيث يذكر الجوادى أن النحاس، كان يعلم أن السادات، هم بقتله، هو وزميله عبد الرؤوف وحسين توفيق قاتل أمين عثمان، لحساب الملك، ولما لم ينجحوا فى ذلك، ضموا إليهم أحمد عبد العزيز ، ونسفوا داره، وقتلوا البواب، وأن النحاس، كان يرى هذا الاغتيال، لصالح الملك، خاصة أنه ذكر فى مذكراته، انتماء السادات وزملائه للحرس الحديدى الذى أنشأه فاروق، من أجل التخلص من النحاس.
ويشير الكتاب أيضا إلى أن النحاس ذكر فى مذكراته، أن عبد الناصر استشار نجيب الهلالى فى تقديم النحاس للمحاكمة، أمام محكمة الثورة التى أنشئوها لمحاكمة المستغلين والأثرياء الذين أفسدوا الحياة النيابية والسياسية، فاقترح عليه الهلالى محاكمة زوجته ، خوفا من أن يكسب النحاس عطف الرأى العام، ويشتد حب الناس له، سواء فى حالة إدانته، أو براءته.
ويرصد الكتاب، قضايا خلافية كثيرة، تتعلق بإنجازات النحاس، ومسيرته، وأسلوبه فى الزعامة والعطاء، حيث يشير المؤلف فى مقدمته، إلى تهيبه نشر هذا الكتاب، خاصة أن النحاس، لم يهيئ نفسه، ليكون موضوعا للكتابة عنه، يقول الجوادى: النحاس كان يرى الكتابة عنه، تتمثل فى الأعمال، لا فى السطور، لهذا لم يكن حريصا ولا منتبها إلى أهمية التسجيل والتوثيق، إلا إذا كان هذا التوثيق، جزءا من خدمة القضية التى يدافع عنها.
ويصف الجوادى النحاس، بأنه كان رجلا يجسد الإرادة الشعبية، فكان هو الشعب، والشعب هو، مشيرا إلى أن قصة النحاس، مثال لقصة نجاح، عن مواطن مصرى بسيط، ينتمى للطبقة الوسطى، استطاع أن يضئ صفحات من تاريخ أمته، ولم تكن وسائله، سوى إيمانه العميق ويقينه وحبه الجارف وإخلاصه المتصل، وعمله الدؤوب.
ويؤكد الجوادى على أن النحاس، نجح فى أن يضرب المثل فى قيادة العمل الجاد، من أجل بناء دولة ليبرالية حقيقية، بصرف النظر عن نظام الحكم، ملكيا، أم جمهوريا، فى ظل عبء دولة إحتلال، كانت حريصة على سيطرتها وسطوتها على البلاد، ودعاوى بعض أفراد النخب السياسية اللذين تصوروا أن بإمكانهم الاستحواذ على مكان الصدارة بحكم الوجاهة.
ويشير الجوادى إلى أن عصا النحاس، استطاعت أن تلتقف كل ما تصور السحرة فى عهده، أنه كفيل بإقناع الجماهير أو بإقناع التاريخ، والتقفت كذلك كل ما أضفى من جاذبية على الإصلاحات المبتورة التى لم تصل فى مستوى إنجازها إلى عظمة النحاس فى إنجازه بناء الدولة المصرية فى الحقبة الليبرالية.
ويحوى الكتاب، ستة أبواب، يتناول فى أولها، مكانة النحاسة فى تاريخ أمته، وملامح فكره السياسى، وخصائص شخصيته، وفى الباب الثانى، يعرض لصعود نجمه السياسى، وإسهامه فى ثورة 1919، والخلاف المبكر الذى وقع بينه وبين الملك فؤاد، ثم ينتقل فى الفصل الثالث، بعد اكتمال نجم النحاس، فيتناول علاقته مع الملك فاروق فى بداية عهده، ثم حادث 4 فبراير، مخصصا فصلا للحديث عما أسماه " مؤامرة مكرم عبيد والكتاب الأسود" ثم النحاس فى نهاية عهد فاروق.
ويتناول فى الباب الرابع كيف كانت أوضاع القوات المسلحة، واستقلال القضاء، وإدارة التنمية والدولة المدنية، وإختيار القيادات الدينية، وفى الخامس، يعرض لعلاقات الناس وقضايا وطنه، مثل قضية الإستقلال القضائى، وصيانة الديموقراطية، والعروبة وقضية فلسطين، والعلاقات الدولية وفكرة حياد مصر.
وفى آخر أبواب الكتاب، يعرض الجوادى لموقف النحاس من الثورة، مشيرا إلى جملة قالها النحاس، لمحمد نجيب، الذى أوردها فى مذكراته، حيث قال نجيب للنحاس : الجيش وراءك، لكن النحاس رفض عمل الجيش فى السياسة، مؤكدا على أن الأمة هى مصدر السلطات.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة