أكرم القصاص

..والآن نعود إلى أرض الواقع

الأحد، 31 يناير 2010 02:58 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
الليلة سوف يفرح مئات الآلاف أو يحزنون، وإن كانوا حصلوا على كل الفرح طوال يومين. وينسون الحكومة والمجلس والزحام، ويركزون فى فرح مجانى لن يعود عليه بربح مباشر. ومع ذلك يندمجون فى الهستيريا بلا نهاية. وسرعان ما سوف يعودون لسابق عهدهم.. إلى الهموم المعتادة، والزحام غير المفهوم، والشكوى الدائمة. والصراعات اليومية التى يعلم أنها مثل الأمراض المزمنة موجودة وقدرية يخففها العلاج ولا ينهيها.

وقد جرت العادة أنه بعد كل مباراة ينهى المذيع تعليقه فى نهاية المباراة بعبارة "ونعود إلى الاستديو"، وهى إشارة بالعودة إلى الواقع، وهو ليس سهلا مثل عالم الكرة، 11 لاعبا، والباقى متفرجون. والحزب الوطنى ورجاله يحلم بأن يقتنع المصريون بلعب دور الجمهور فقط دون أى مشاركة فى اللعبة. بل إنهم أحيانا يتمنون أن تظل كل الأوقات مناسبات كروية ومنافسات تبعد الجمهور عنهم. لأنهم يرون أنه طوال أيام المباريات، يتسامح الكثيرون مع الزحام والإهمال ينسون الكثير من الفساد والواسطة والمحسوبية. ويركزون فقط فى انتظار التسعين دقيقة، يبقون خلالها خارج نطاق التركيز فى أى شىء، لا يحق للمواطن أن يمرض وقت المباراة، أو بعد الفوز. فسوف يروح ضحية الفوز.

وسوف نبقى لوقت طويل عاجزين عن فهم الجمهور ونحن جزء منه. جمهور ينصب الأفراح مع كل فوز رياضى، ينسى فيه همومه أو يؤجلها. يصنع الزحمة ويشارك فيها ويرفضها من دون أن يفكر فى مواجهتها.

هناك سؤال تطرحه الكرة: من أين تأتى كل هذه الجماهير الزاحفة وأين تذهب؟ متى تخرج للشارع؟ ومتى ترفض الخروج؟ وما الذى يحركها؟ تخرج مختارة، وتعيش فرحا متوحشا، مسموح به.

تأمل مثلا هذا الكم من النيران التى يشعلها المحتفلون بعد كل مباراة. إذا أشعل أحدهم واحدة فى يوم عادى لانقلبت الدنيا. ولا احد يتصور أن يفلت زمام هذا الجمهور او يتجه وجهة أخرى. جمهور هادر ومسالم.

ولا تتعب نفسك كثيرا فى البحث عن رابط بين حضور الجمهور بقوة فى الكرة وغيابه عن كل الشئون. هؤلاء الذين يسهرون فرحا واحتفالا أو ينامون كمدا وحزنا، فى المباريات، ويهلكون انفسهم فى النقد والتحليل للمباريات هم أول من سوف يعطيك ظهره إذا طلبت منه أن يشارك فى عمل عام. الجمهور ليس شيئا واحدا، الذين ينزلون للشوارع بجد المباريات، ليسوا من يتظاهر من أجل غزة، وهؤلاء ربما لا يجدون نفس الحماس لمساندة ضحايا السيول أو الكوارث. الجمهور أنواع والفرح أنواع والحزن أنواع. ومن الصعب الربط بين الاثنين وقد عجز كثيرون عن تفسير كل هذا الزحام على الكرة وهذا الفراغ فى السياسة.

وحتى عندما أراد الحزب الوطنى تعويض نقص الجماهيرية فقد اختار الكرة، وهو مجال لن يكلفه الكثير من الجهد ولن يحتاج منه او يقدم انجازات حقيقية فقط هؤلاء الذين يذهبون ليظهروا فى واجهة المشهد يبحثون عن جزء من نجومية لاعبى الكرة، دون أن يعلموا أن الجمهور الذى يمنح اللاعبين تفويضا باللعب نيابة عنهم، لا يمنح نفس التفويض للاعبين فى السياسة.








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة