ماذا سيخطر على بالك عندما تسمع أن هناك من استثمر أمواله القليلة فى مشروع ثقافى؟
فى الأغلب الأعم ستقول إنه مجنون وهذا صحيح، ولكنه الجنون الإيجابي، أو للدقة يمكن أن نسميه الجموح الإيجابى الذى يدفع بلدنا للأمام، وهذا بالضبط ما فعله الإعلامى الشهير جمال الشاعر، فأسس مركزاً ثقافياً اسماه "بيت الشاعر"، لأنه كما قال لى ليس عنده نزوات لا يريد يختاً، أو يدفع 50 مليون جنيه فى زيجة عابرة، هذا لو افترضنا أنه يملك ما يمكنه من فعل ذلك.. ولكن نزوته الوحيدة هى الثقافة وحب البلد، ولذلك ظل وراء حلمه حتى حققه بما يشبه معجزة.
كان مشهد الاحتفال ببدء الفعاليات الذى تم منذ أسبوعين تقريبا مبهجاً مزمارا بلديا وفرقة غناء، وناس لا يعرفون بعضهم البعض، ومن شرائح اجتماعية مختلفة، بما فيهم أهالى منطقة الجمالية، يرقصون وكأنه عرس، وهو فى الحقيقة عرس، وشباب متناثرون هنا وهناك يرسمون بمتعة استثنائية وأطفال يرسمون لوحات عفوية على بلاط سيراميك و.. و.. إنها صناعة البهجة والجمال.
بالطبع لم يكن الأمر سهلا، بل يكاد يكون مستحيلا، فالبيت الذى اختاره صديقى جمال وهو شاعر كبير ظلمه عمله الإعلامى فى منطقة ساحرة، حيث توجد مجموعة تاريخية استثنائية، مسجد السلطان قلاوون، وعلى اليسار الظاهر بيبرس وشجرة الدر.. وعلى بعد خطوات الشوارع التى كانت مسرحا لأحداث أجمل روايات نجيب محفوظ، بين القصرين وقصر الشوق وغيرهما.
كان الأمر يحتاج إلى أموال كثيرة لا يملك جمال منها سوى القليل منها، بالإضافة إلى تفاوض طويل مع وزارة الأوقاف وساكنى البيت الذين هجروه لأنه كان خرابه، وحوله الرجل إلى تحفة فنية بديعة.. وللحق فقد ساعدته جهات كثيرة على رأسها المهندس إبراهيم محلب، رئيس شركة المقاولون العرب، ووزير الثقافة فاروق حسنى ووزارة الداخلية، ومحافظة القاهرة، والشركة القابضة للتأمين، التى ترعى البيت الثقافى الجديد، ناهيك عن مبادرات فردية هنا وهناك، ومثقفين وفنانين من مصر والعالم العربى.
إنها إرادة جماعية لصناعة البهجة والمتعة فجرها وقادها المثقف الكبير جمال الشاعر ليضيف صرحا حرا، لا تقيده بيروقراطية الدولة، ولا اختيارات موظفيها.. ولا تسيطر عليه هوس التربح والابتذال، ولكنها كما قال لى الشاعر"نزوة ثقافية"، وأضيف عليه أن مثل هذه النزوات هى التى صنعت نهضة بلدنا.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة