عصام محمد عبد القادر

الإعلام التحريضي

الجمعة، 05 سبتمبر 2025 04:25 ص


نوقن أن الإعلام قد بات شريكًا أصيلًا في بناء إنسان القرن الحادي والعشرين؛ إذ يستلهم منه المعلومة والبيان، ويشاهد متلّون الفنون، وأعمال المختلفة عبر شاشاته، التي لم تقتصر على تلفاز قد اعتدنا عليه؛ فجميع وسائل الإعلام قد أضحت لها حسابات تفاعلية على شتّى وسائل التواصل الاجتماعي، سريعة الانتشار؛ كي تصل رسالتها إلى الجميع، دون استثناء، وهذا ما يؤكد وجهة نظرنا المتواضعة، بأن الآلة الإعلامية قد فاقت قوة السلاح الفتاك؛ لتأثيرها المباشر، والفاعل على العقول، التي لا تتوقف البتّة عن تلقى المعارف، والمعلومات، ومنتج الفنون، ومخرجات البرامج بتنوعاتها، باعتبارها مصدر لغذاء الوجدان.


علينا أن ندرك السلاح، الذي تستخدمه، وتوظفه الجماعات المشبوهة في إيصال رسائلها، التي تستهدف بشكل مباشرة تشويه الوعي، وتزييف الحقائق، وفبركة الأخبار، واجتزاز الأحاديث، وغير ذلك، مما يعد من صور الشائعات المغرضة، التي تطلق عبر منابرها على مدار الساعة، ناهيك عن حدّة خطاب الكراهية، الذي يتعاظم بمرور الوقت؛ كي يحدث صدْعًا بين الشعب، ومؤسسات الدولة، وقيادتها الحكيمة، ولا ننكر أن مقاومة، ودحر مآرب الإعلام التحريضي، قد صار من دواعي الأمن القومي المصري، الذي يجب أن نتشارك فيه جميعًا مع اختلاف مواقعنا، والمهام المُلْقاة على كاهلنا؛ فالأمر جد خطير، ولا ينبغي أن نتجاهله.


إذا ما طالعنا نظريات الاتصال السياسي؛ فإننا سوف نجد سرديّة صريحة، تنص على أن التحريض الإعلامي أحد الأدوات، التي تساعد في صناعة الحروب، التي تقوم على فلسفة صراع المجتمعات، وهنا نرصد بوضوح انتقال الحرب من ساحتها التقليدية، التي ندرك صورتها، إلى ساحة يقع فيها الوعي في بؤرة الاستهداف؛ إذ يوجه الإنسان إلى أن يمتطى طواعية جواد الكراهية؛ ليذهب به دون أن يدري إلى نفق النزاع، والصراع، بعد احتدام حدود الكراهية، التي تبدأ من الفكر، ويصدّقها وترجمها الفعل العنيف، الذي يسرع من سقوط الدولة، ومؤسساتها.


الواقع المُعاش برهن عن منهجية الجماعات الإرهابية، التي تحاول أن تظهر نفوذها من خلال إعلام، يحمل في طياته رسائل التحريض الصريح، وخطاب الكره، والغضب، الذي قد أضحى لا يُوجّه إلى القيادات، والمؤسسات، والرموز الوطنية فقط، بل، بات ينال من كرامة، وهيبة، ومكانة، ومقدار، وقدر الشعوب؛ حيث الإساءة المباشرة، التي تضير حتمًا بوجدان البشر، دون جدال، وهنا نتعرف على سياسات، تنتهجها تلك الفئات الضالة، والمُضلّة، ومنها أنها تعتمد تشويه كافة الممارسات، التي تعبر عن سياسات الدولة المصرية في الداخل، والخارج.


خطاب الكراهية الموجّه، عبر الفضاء المسموم، من المنطقي أن يركز على شباب الأمة، والفئات التي تعاني عوزًا في احتياجاتها الحياتية؛ لكن الواقع يرصد الاهتمام بكافة أطياف المجتمع؛ فيحرض الكبير، والصغير بصورة تعتمد على استراتيجية الشمول؛ لتحدث الأثر الواهم، والمتوقع في خيال مريض لتلك الجماعات؛ فالدولة، ومؤسساتها، وجموع الشعب العظيم على وعي بتلك المآرب الإعلامية المتناوبة على شتّى قضايا المجتمع، وعلى الأحداث الجارية، التي تستميت من أجل أن تشوّه صورة الدولة، ومواقفها النبيلة، والثابتة حيال قضايا الأمة العربية قاطبة.


الخطاب التحريضي، لا يترك مجالًا، لا يخوض في ثناياه؛ فيعمل بقوته على إضعاف الثقة بين المواطن المصري، ومؤسساته، وقيادته من خلال تشويه الوعي السياسي، ويحاول أن يؤلب الفئات المجتمعية على بعضها البعض، بل، وعلى الدولة؛ ليضير بمنظومة الاندماج المجتمعيّ، التي يتفرد بها شعب مصر المتماسك، ويستغلّ التحديات الاقتصادية، التي يعاني منها العالم كله؛ ليبث شائعات مريبة، من شأنها أن تجعل المستثمر، لا يثق في مشروعات ينتوي إقامتها بربوع الوطن؛ بالإضافة إلى الدعوات المغرضة، التي تدفع ضد عمليات الترويج، والنشاط السياحي، والتجاري على السواء، ناهيك عن تأليب الرأي العام ضد الأجهزة السيادية المخلصة، التي تحافظ على مقدرات الدولة، والمراكز، والمؤسسات الحيوية بها.


اليقظة ضد حروب الجيل الرابع، أحد فقه الأولويات للإعلام الوطني، ولكافة المؤسسات المعنية ببناء الإنسان في مصرنا الحبيبة؛ فتلك حرب مستعرة، ومستمرة، لن تتوقف، ولن ينال أصحابها الفتور، أو الهوادة، أو التراخي؛ فالاستراتيجية طويلة الأمد، تتبادلها أجيال تلو أخرى؛ ومن ثم لا أمان لجماعات تبنّت الفكر المشوب، ولمن يخرج من أصلابها.. ودي ومحبتي لوطني وللجميع.

--

أستاذ ورئيس قسم المناهج وطرق التدريس

كلية التربية بنين بالقاهرة _ جامعة الأزهر




أخبار اليوم السابع على Gogole News تابعوا آخر أخبار اليوم السابع عبر Google News
قناة اليوم السابع على الواتساب اشترك في قناة اليوم السابع على واتساب