لم يدرك أحد أهمية البعد الإفريقى كما أدركته مصر فى عهد الرئيس جمال عبد الناصر، ثم تبعتها فى هذا العديد من الدول العربية، وكان منها الجزائر التى تولى إهتماما كبيرا بإفريقيا، فهى لديها حدود طويلة مع عدد من الدول منها النيجر ومالى بصورة أساسية، لكن أمال الجزائر تمتد إلى قلب القارة الإفريقية، لذا فهى تقدم منحا للطلبة الأفارقة فى جامعاتها، وتنشط الخارجية الجزائرية فى معظم الدول الأفريقية، فضلا عن محاولات الجزائر جذب المثقفين الأفارقة لها، لكن الدور المحورى للجزائر يرتكز على تعزيز دور منظمة الإتحاد الأفريقى فهى عضو مؤسس له، لذا شاركت بفاعلية فى تصميم أجندة إفريقيا 2063 التى تشكل خارطة طريق لتحقيق رؤية إفريقيا متكاملة و مزدهرة مسالمة، وتستثمرالكثير فى إصلاح الإتحاد الإفريقى وهى العملية التى بدأت فى عام 2016.
• تساهم الجزائرفى المشروع الرائد لأجندة 2063 حول " إسكات البنادق فى إفريقيا " من أجل تحقيق "قارة خالية من النزاعات" والتخلص من بقايا الاستعمار. وفى هذا السياق تعمل الجزائر على التفعيل الكامل لجميع عناصر الهيكل الإفريقى للسلام والأمن فى إفريقيا (APSA)، والتى تشكل الآلية القارية لمنع وإدارة وتسوية النزاعات، (العناصر الأساسية ل (APSA)هي: مجلس السلم والأمن، القوة الإفريقية الجاهزة، لجنة الأركان العسكرية، لجنة الحكماء، نظام الإنذار المبكر، وصندوق السلام للاتحاد الأفريقي).
• تستضيف الجزائر مقر المركز الأفريقى للدراسات والبحوث حول الإرهاب ((CAERT وآلية الإتحاد الإفريقى للتعاون الشرطى (أفريبول)، وتهدف هذه الهيئات المتخصصة لمكافحة الإرهاب والظواهر المرتبطة به إلى تحفيز التعاون والتنسيق بين جهود الدول الأعضاء فى البحث عن حلول افريقية للأزمات السائدة فى القارة.
• تساهم الجزائر فى إطار القوة الإفريقية الجاهزة، والتى تعد إحدى ركائز (APSA)، من خلال القدرة الإقليمية لشمال إفريقيا(NARC). ويتمثل هدفها فى تحقيق التفعيل الكامل للقوة الإفريقية الجاهزة من أجل الانتشار السريع والاستجابة الحثيثة للأزمات.
• نظرا لتجاربها وخبرتها فى مكافحة الارهاب، كلف الاتحاد الإفريقى الجزائر بمهمة منسق الوقاية من الإرهاب ومكافحته فى إفريقيا، وبموجب هذا التفويض، قدمت الجزائر مذكرة تقترح فيها إجراءات لحماية إفريقيا وشعوبها من تهديد الإرهاب. ويركز هذا الإجراء على الوقاية والتوعية والتعبئة، ويعتمد على تعزيز القدرات الوطنية والاقليمية على المكافحة، وكذلك تعزيز التعاون الوثيق بين الدول الأعضاء فى الاتحاد الافريقى والمجتمع الدولى ككل.
التكامل:
• التكامل القارى هو أحد الأولويات الإفريقية للجزائر، فقد اتخذت منذ استقلالها العديد من المبادرات التى ترمى إلى تنفيذ مشاريع أفريقية مثل:
1. الطريق العابر للصحراء وهو مشروع يعود تاريخه إلى عام 1964،
2. الطريق العابر للصحراء على محور الجزائر - لاغوس مبنى ومعبّد بالكامل على الأراضى الجزائرية من الجزائر إلى الحدود مع النيجر بطول 2415 كلم،
3. خط أنابيب الغاز العابر للصحراء، والذى هو مشروع جزائري-نيجيري، بطول اجمالى 4128 كم، وهذا المشروع كان فى إطار تنفيذ النيباد،
4. خط الألياف البصرية العابر للصحراء، وهو مشروع بدأته الجزائر فى 2003، فى إطار مشروع النيباد، يوفر وصلة ألياف بصرية أرضية تربط الجزائر، النيجر، مالي، تشاد ونيجريا.
• تمثل الجزائر واحدة من بين الخمس دول التى بادرت بالشراكة الجديدة من أجل تنمية إفريقيا (نيباد)، القائمة على فكرة تحرير القارة من الصراعات والتخلف، ولقد تم تحويل النيباد حاليا إلى وكالة تنمية تابعة للاتحاد الافريقى مسؤولة على:
1. رصد تنفيذ المشاريع القارية والإقليمية التى تهدف إلى التكامل القاري.
2. أن تكون بمثابة واجهة تقنية مع الشركاء الأجانب.
3. تعبئة الموارد لتحقيق مشاريع التنمية المدرجة فى أجندة 2063.
• تولى الجزائر أيضا أهمية كبيرة لتحقيق أحد المشاريع الرئيسية لأجندة 2063، وهو منطقة التجارة الحرة للقارة الأفريقية، وقد شاركت الجزائر بنشاط فى المفاوضات التى أدت إلى الاتفاق على منطقة التجارة الحرة للقارة الافريقية.
إن كل ما سبق يمثل الإطار العام لسياسات الجزائر مع القارة الإفريقية، لكن هذه السياسات التى تحاول من خلالها طرق الأبواب فى إفريقيا، حققت من خلالها نجاحات، كان أثرها واضحا فى مواقفها مع دول إفريقيا فى جنوب الصحراء والتى حدت من النفوذ الفرنسى فى هذه الدول، لكن تبقى الجزائر فى حركتها فى حاجة ماسة إلى المزيد، حيث أن الانتقال عبر الطرق البرية ما زالت أمامه عوائق، لكن على صعيد أخر فهناك منافسين يرغبون فى لعب نفس الدور، وعينهم على الجزائر بالذات، فبعد إنهيار ليبيا القذافي، صارت الأنظار موجهه إلى الجزائر بالذات، فجمعية الدعوة الإسلامية فى ليبيا حققت نجاحات فى إفريقيا فى عهد القذافى لم يحققها أحد من ذى قبل، حتى صارت ليبيا فى فترة من الفترات الأكثر نفوذا فى إفريقيا، الفراغ الذى تركته هذه الجمعية منذ 2011 لم يملئه أحد إلى الأن، لذا فإن الحراك الذى تبدو بوادره من خلال أنشطة الجامع الكبير فى الجزائر ينظر له على أنه محاولة فى الحد من الفجوة التى حدثت بتوارى جمعية الدعوة الإسلامية.
وخلال العام الحالى خصصت الجزائر مبلغ مليار دولار لتمويل مشاريع تنموية فى عدد من الدول الإفريقية فى مجالات البنية التحتية والصحة والتعليم والطاقة، عبر الوكالة الجزائرية للتعاون الدولي.
إن السعى الجزائرى لتحقيق نفوذ واسع فى إفريقيا فى صعود وتراجع، وتحتاج الجزائر إلى جهود مكثفه لكى تصل إلى ما تنشده، لكن كعادة الدول العربية فى شمال إفريقيا هناك تضارب فى السعى نحو إفريقيا، وكذلك افتقاد إلى التنسيق مما يحد من القدرة على التأثير، فمصر لديها نفوذ تاريخى فى افريقيا على سبيل المثال، فى حين أن الجزائر تستطيع أن يكون لها نفوذ واسع فى أفريقيا المتحدثه بالفرنسية، لكن أن تظل دول شمال افريقيا بلا تنسيق حقيقى على الساحة الإفريقية سيكون هذا محدثا لتضاربات فى السياسات والبرامج الموجهه لإفريقيا، فضلا عن تفاوت فى التحرك على صعيد الاتحاد الأفريقي، وهذا ما يقلل من النفوذ العربى فى الاتحاد ومن تأثير العرب فى سياساته وبرامجه.