شامبليون وحجر رشيد.. كيف تأكد العلماء من صحة فك رموز الهيروغليفية؟

السبت، 27 سبتمبر 2025 10:30 م
شامبليون وحجر رشيد.. كيف تأكد العلماء من صحة فك رموز الهيروغليفية؟ شامبليون

محمد عبد الرحمن

لم يكن فك رموز الكتابة الهيروغليفية مهمة سهلة على الإطلاق، بل تحديًا ظلّ يعجز العلماء قرونًا طويلة، وعندما جاء جان-فرانسوا شامبليون في بدايات القرن التاسع عشر، نجح في فتح الباب أمام حل اللغز، لكن السؤال الأهم كان: كيف تم التأكد من صحة ما توصّل إليه؟

القصة بدأت مع حجر رشيد، ذلك الاكتشاف الشهير الذي حمل نصًا واحدًا مكتوبًا بثلاثة خطوط: اليونانية المفهومة، والديموطيقية، والهيروغليفية الغامضة. شامبليون لاحظ أن أسماء الملوك كانت تُكتب داخل أشكال بيضاوية مميزة تُسمى الخراطيش، وبمقارنتها مع النص اليوناني الذي يذكر أسماء مثل "بطليموس" و"كليوباترا"، استطاع أن يحدد بعض القيم الصوتية للرموز. وهكذا توصّل إلى أن الهيروغليفية لم تكن مجرد صور رمزية كما اعتُقد طويلًا، بل تضمنت أيضًا علامات صوتية.

لكن سر نجاح شامبليون لم يكن حجر رشيد وحده، بل معرفته العميقة باللغة القبطية، وهي آخر مراحل اللغة المصرية القديمة. فقد استعمل القبطية كجسر لغوي ساعده على التعرف إلى الضمائر وأدوات التعريف وحروف الجر والكثير من المفردات، مما مكّنه من التوسع في فهم النصوص بدل الاكتفاء بالأسماء الملكية.

مع ذلك، ظل الشك قائمًا حتى جاءت أدلة أخرى لتؤكد صحة منهجه. أهمها كان مرسوم كانوب، وهو نص آخر مكتوب بالهيروغليفية والديموطيقية واليونانية، حيث جاءت نتائجه متطابقة مع ما توصّل إليه شامبليون. كما أظهرت نقوش أخرى، مثل نقش أنتينوس، أن استخدام العلامات الصوتية لم يكن حكرًا على الأسماء الملكية داخل الخراطيش.

لاحقًا جاء علماء آخرون ليضيفوا إلى ما بدأه شامبليون، ويؤكدوا صحة اكتشافه مع تصحيح بعض التفاصيل. ريتشارد ليبزيوس أثبت أن الهيروغليفية تكتب الحروف الساكنة فقط، بينما أدولف إيرمان ومدرسة برلين تتبعوا تطور اللغة عبر ثلاثة آلاف سنة، وصولًا إلى ألان غاردينر الذي وضع نحوًا علميًا للمصرية الوسطى لا يزال يُدرّس حتى اليوم. أما بولوتسكي، فقد غيّر جذريًا فهمنا للنحو المصري، حتى صار علم المصريات يُقسم إلى ما قبل بولوتسكي وما بعده.

ليكون شامبليون ليس مجرد عبقري حالفه الحظ، بل عالِم بنى عمله على مقارنات دقيقة، ودعم نتائجه بأدلة لغوية وتاريخية، ثم جاءت الاكتشافات اللاحقة لتمنح عمله المصداقية الكاملة. واليوم، يمكن القول إن ما بدأه شامبليون وضع الأساس لعلم المصريات الحديث، وأعاد إلى العالم لغة كانت قد اختفت تمامًا منذ أكثر من 1500 عام.




أخبار اليوم السابع على Gogole News تابعوا آخر أخبار اليوم السابع عبر Google News
قناة اليوم السابع على الواتساب اشترك في قناة اليوم السابع على واتساب


الموضوعات المتعلقة


الرجوع الى أعلى الصفحة