تجدد سيرة سليمان شفيق، الصديق الراحل، الكثير من الأسئلة حول الصحافة وأجيالها، وكيف تتسلم الأجيال الراية من بعضها، ربما ونحن نتحدث عن الصحافة والإعلام، وما يجرى معها من تطورات ونقلات تقنية تجعل السباق لاهثا، نسترجع التاريخ القريب للصحافة، وربما معها الأحزاب، لأن الصحافة حتى مطلع ثمانينيات القرن العشرين، فقط تقتصر على الصحافة القومية «الأهرام، والأخبار، والجمهورية»، ثم الصحف الحزبية، «الوفد، والأهالى»، والواقع أن العمل فى الصحافة الحزبية كان شاقا وعائده ليس كبيرا، وكان يشبه لعبة الكرة قبل الاحتراف، حيث المتعة هى الأصل، لكن أيضا كان هناك تداخل بين الصحافة كمهنة، والكتابة كصنعة ومهنة أخرى، والكتابة بمعناها البحثى أو التاريخى الذى ينتهى بين دفتىّ كتاب.
سليمان شفيق من جيل يعتبر هو جيل التلاميذ بعد الأساتذة، وكانت تجربة حزب التجمع فى حد ذاتها نموذجا لتكتل أو كتلة حزبية تجمع اليسار من أقصى اليسار إلى أقصى يمين اليسار، والقوميين والناصريين، والمستقلين أحيانا، وهى تجربة مهم أن يدرسها الحزبيون الآن، بالذات من اليسار، وأن يسعوا لفهم التحولات والتعامل معها.
تأسست صحيفة الأهالى على نفس المنوال وعكست الأفكار ذاتها، حيث كان على رأس الصحيفة «حسين عبدالرازق، وصلاح عيسى، وفريدة وأمينة النقاش»، وطبعا فيليب جلاب الكاتب الساخر الكبير الذى تولى رئاسة تحرير الأهالى لفترة قبل أن يرحل فجأة، ومن كتابها وصحفييها كان شفيق أحمد على، واستقطبت كتابا وكاتبات، مثل نوال السعداوى، ونبيل زكى وأمينة شفيق والدكتورة عواطف عبدالرحمن، وغيرهم، وأيضا ناجى جورج، كان كاتبا ساخرا، ومسرحيا مهما، وكان هناك جيل قام على أكتافه العمل الميدانى فى الأقسام المختلفة، «أحمد إسماعيل، وسليمان شفيق، ومصطفى الحفناوى، ومصباح قطب، وبهيجة حسين، وحازم منير» ثم «حسين البطراوى، وعبداللطيف وهبة، وعلى حادى» وغيرهم ممن لا تسعفنى الذاكرة بأسمائهم، والقول هذا لأن سليمان شفيق كان ممثلا لجيل من الصحفيين تسلم من جيل الأساتذة.
وكانت تجربة الأهالى ثرية بصحافتها، بجانب انها كانت تستقطب المفكرين والكتاب، وتجرى معهم حوارات ثرية، فقد كان من نجومها الدكتور إسماعيل صبرى عبدالله، والدكتور فؤاد مرسى، صحاب كتاب مبكر «الرأسمالية تجدد نفسها» عن تحولات الاشتراكية والرسمالية التى تتصاعد.
ومن كتاب «الأهالى» أيضا، «حسين أحمد أمين، وجلال أمين، وخليل عبدالكريم، ومصطفى عاصى، ومحمد أحمد خلف الله» من أصحاب الآراء المهمة التى تتعلق بالتنوير ونقد التطرف والتعصب والإرهاب.
كانت «الأهالى» تجربة متنوعة وثرية، تعلم فيها جيل سليمان شفيق، وتسلم الراية، ونقول هذا لنؤكد أن الصحافة مراحل تسلم بعضها، وأن البطل فى كل الأوقات هو المحتوى، والقدرة على التنوع، وامتلاك الأدوات العصرية.
طبعا فإن التكنولوجيا والاتصالات ومواقع التواصل خلقت متغيرات، لكن الأجيال العابرة للتحولات، نجح منهم من استطاع الجمع بين حيازة التكنولوجيا، والإبقاء على المحتوى، ومن المفارقات أننى كنت أتعلم فى الكمبيوتر فى نقابة الصحفيين نهاية التسعينيات، وبجوارى كان أستاذنا حسين عبدالرازق، بل إن نقيب النقباء كامل زهيرى كان يأتى لمتابعة تعلم الحاسب، بمعنى أنهم كانوا أسطوات وأساتذة ولم يمنعهم ذلك من السعى لتعلم التكنولوجيا.
ومن هؤلاء صديقى سليمان شفيق، ومصباح قطب وحازم منير، وغيرهم، بل إن سليمان شفيق ظل حتى رحيله قادرا على طرح أفكار جديدة والتعامل مع التحولات بدون رؤية مسبقة، وهو أمر يجعل من المهم ونحن نتحدث عن الصحافة أن نؤكد أن المحتوى هو البطل.
وأكرر أن سليمان شفيق هو خلطة مصر التى لا تنضب، ولا تفقد رونقها وقدرتها على الطرح والتفكير، وهو ما أحرص على قوله فى محاضراتى وجلساتى مع طلاب الإعلام، أو الصحافة، أن المحتوى هو الأصل وأن حيازة التكنولوجيا أحدث إصداراتها وكيفية عمل مواقع التواصل والمواقع الرقمية، كلها مهمة، مع أهمية التعلم من أجيال حملت الرايات وسلمتها، وهذا هو ما يمنح الأمل فى مواجهة الإحباط الذى يعيشه البعض بسبب ارتباكهم أمام التكنولوجيا.
