حازم حسين

عن غزة بين الاحتلال والاختلال.. من الأهداف المضمرة إلى مخططات نتنياهو المُعلنة للقطاع

الأربعاء، 06 أغسطس 2025 02:00 م


ما لم تحدث مُعجزة من خارج الأفق، وقد ولّى زمن المعجزات للأسف؛ فإن غزّة أقرب إلى اختبار الاحتلال المباشر مُجدَّدًا من أى بديل آخر. لم يعُد الأمر سرًّا على الإطلاق، ولا يُطبَخ بليل؛ بل يُجاهر به الصهاينة ويسيرون إليه بوتيرة متسارعة. أما الاختلافات البينية فى فلسطين فهى مِمَّا يُسهِّل المهمة على العدو، ولا يطرح بديلاً عمليًّا مقنعًا وقابلا للإنفاذ.

الوصفة الأفضل قدّمتها مصر، عبر اقتراحها إرساء لجنة إسناد مُجتمعى غير فصائلية، جوهرها الاستقلال والخبرة التكنوقراطية؛ إنما على خلفية الشرعية الوطنية الممثّلة فى السلطة ومُنظّمة التحرير؛ لكى لا يُعزَل القطاع عن مجاله الحيوى، أو يُقتطَع معنويًّا من أصول الدولة المأمولة، فيما تتكثّف جهود الأسرة العربية لإعادة إحيائها من بوّابة تنشيط «حل الدولتين».

والمُشكلة أن حماس لا تقبل التنحّى عن المشهد؛ ولو ادّعت العكس، وترفض بدرجة أكبر أن يكون البديل من رام الله. كأنها تقبض على لحظةٍ تجاوزها الزمن، أو تتقبّل الخيار الأسوأ مُمثّلاً فى السيطرة العسكرية من جانب الاحتلال، وهو ما يتماشى مع سلوكها «الطوفانى» بمساعيه لتصدير الأزمة إلى الآخرين، مع احتمالين لا ثالث لهما: أن تربح الحركة، أو يخسر الجميع.

يُطالب نتنياهو بما يعرف أنه سيُرفَض؛ ثم يتجهّز لِمَا بعده. جرى ذلك فى الهدنة الأولى خلال نوفمبر 2023، على نِيّة توسعة الحرب واستكمال اجتياحه البرى. وفى المُداولات المُمتدة من مؤتمرى باريس أوائل 2024 حتى احتلال رفح فى ربيع العام نفسه، وبعد ضربة كرم أبو سالم والتصعيد مع إيران فى دمشق ومن طهران إلى تل أبيب. وأخيرًا صفقة يناير التى نُقِضَت بعد مرحلتها الأولى بمنسوب أعلى من التقتيل والتجويع، وصولا إلى جولة الدوحة المُعلّقة بينما تتسارع استعدادات الهيمنة الكاملة والنهائية.

والحماسيّون من جانبهم يبدأون فى كل مرّة من نقطة الصفر، ويتناسون ما فات عليهم فى سابق المحطات، وما آلت إليه الأحوال بطول الاحتراب وتبدّل التوازنات. وبهذا؛ تغيب الديناميكية عنهم فى المقاربة وإعادة تكييف المطالب، وفى الوفاء بالمُتطلبّات سريعة التحوّل وشديدة الوطأة على الغزيِّين والقضية.

ولا مجال للمُجاملة أو الحنوّ على الاستخفاف والخطايا المتوالية؛ لا سيّما أن الصراع أطول عُمرًا من المُتصارعين، ونوايا العدوّ جليّة ولا يحجبها ستار أو سوء فهم. وإذا كان السنوار أخطأ فى قراره بغزو غلاف غزّة؛ فإنه استكمل العناد بالتعاطى مع الميدان بمنطق الندية والتكافؤ، إلى أن أُزيح كفردٍ بين قائمة طويلة من الضحايا، تجاوزت اليوم ستين ألفا، والأعداد مُرشّحة للزيادة.

كان الرجل مأخوذًا بوهم القوة، واستُلب مع الإغراق فيه لصالح خيارات تتنافى مع كل حسابات العقل. ولعلّه أثر الاختناق فى الأنفاق، وتأثير كُرة الثلج التى تكبر كلما تدحرجت. إنما ما يُمكن أن يكون عذرًا له، لا يتوافر لخُلفائه من قيادات الخارج، أقلّه لناحية أنه كان يقف مع بيئته فى ندق واحد، ويُسدِّد الأثمان نفسها، وأنهم يجب ألا يقعوا تحت ضغط «العِزّة بالإثم»؛ فليسوا أصحاب شرارة المُقامرة، ولا مُضطرّين للدفاع عن الخَطيّة، كما عليهم أن يستدركوا على أنفسهم، وأن يُعلوا مصالح الفلسطينيين المنكوبين فوق كل اعتبار.

والخشية أن يكون الانطلاق من افتراض ساذج ومُسَلَّمة خاطئة، تتقبّل فى عميق وعيها أن تُقايض الدم بالوصم، وأن تُراكم العوائد المعنوية الزهيدة على جبال عالية من الركام والأشلاء. أى أن الحركة تعتبر المُعادلة منطقية ومُثمرة بنَحر الأبرياء مقابل تلطيخ وجه الجناة، فيما يعرف القريب والبعيد أن إسرائيل عصابة نازية مُجرمة، وليس الأمر فى حاجة للتدليل من الأصل.

كأن الرهان يدور هُنا على تعظيم الكُلفة فى بيئة القضية، بما يسمح بمُعادلة الصورة لصالح الحركة الموصومة بالإرهاب خارجيًّا، وإعادتها إلى مجال التداول على طاولة الغرب عموما، والولايات المتحدة بوجه خاص؛ ولعلّها استقرأت من محاورات المبعوث الأمريكى لشؤون الرهائن آدم بوهلر، ثم اتصالات فريق ستيف ويتكوف، والهدية المجانية لترامب بتحرير الجندى مزدوج الجنسية عيدان ألكسندر، أن واشنطن جاهزة لفتح قنواتها مع التنظيم، وقد نجح قربان الدم فى فكّ طلاسم اللعنة الحماسيّة.

والتصوّر السابق أشدّ فداحة من الخسائر ذاتها؛ لأنه لا يعنى أن الأعباء التى تحمّلها القطاع وأهله ناشئة عن اندفاعة صهيونية متوحّشة فحسب؛ بل كانت رغبةً مُضمرة فى الوعى الأصولى بنزعته الانتحارية الكامنة، وتحت سقف الفكرة الجهادية التى تطلبُ الموت بأكثر مِمَّا تُنافح عن الحياة، وتعتبر أنها فى مهمة مقدسة لا لإرعاب الخصوم فحسب؛ بل لإرغام الأشقاء والحلفاء على سداد الأثمان الباهظة قهرًا، ومن دون جاهزية أو اقتناع.

وبعيدًا من الموقف العقلانى تجاه حماس وامتداداتها وسلاحها المُعطَّل حاليا؛ فالظاهر أنها لا تُحدِّد موقفها من الهُدنة إلا على قاعدة المصالح الحركية المباشرة، وليس ما يخصّ القاعدة الشعبية العريضة ويقع فى مقدّمة أولوياتها. وبحسب المنقول عن رؤوسها الكبرى؛ فإنهم يتقبّلون مبادلة الرهائن جميعًا فى صفقة واحدة، والانصراف عن الحُكم وعدم الشراكة فى ترتيبات اليوم التالى؛ شريطة ألا يُنزَع السلاح أو يُحَيّد القادة بالإبعاد أو الاغتيال.

وللوهلة الأولى تبدو الشروط بسيطة ومنطقية؛ إنما تحميلها على الرفض الضمنى لحلول بديل فلسطينى من جهة السلطة، أو المُطالبة باستبدال الفوضى بالاحتلال دون بديل وطنى مُتَّفق عليه، تُرشِّح أنها تتوخّى إفساح المجال لترتيب صفوفها وإعادة تنظيم قواها، ولو ظل القطاع مُهملاً وبعيدًا عن مسار التعافى والإعمار، أو تعاظم يأس مواطنيه من الواقع وانعدمت قدرتهم على الحياة فيه مستقبلاً.

ولا يستقيم الطرح السالف مع اقتراح الحماسيين إبرام هُدنة طويلة مع الصهاينة، وصلت فى بعض النُّسخ المنشورة إلى نحو عشر سنوات، ما يعنى أن المُراد هنا تسييد الفراغ، مع مخاطر تأجج المُنازعات الداخلية وانفلاتها إلى مستوى الحرب الأهلية.

وطوال تلك المدّة سيكون السلاح منزوعًا على مستوى الفاعلية وقابلية الاستخدام؛ اللهم إلا أن يُوظَّف لترويض الغضب المتوقع من جهة الغزّيين، وكبت الآمال وتطلُّعات التغيير الطبيعية بعد الأزمات الوجودية القاسية، وذلك على طريقة حزب الله فى لبنان قبل حرب العام 2006 وبعدها، وإلى اليوم أيضًا.

والواقع أن نتنياهو ليس طارئًا على جو الصراع الفلسطينى الإسرائيلى. يعرف العجوز الماكر خصومه ويعرفونه جيّدًا، وكما صعد على جثّة رابين فى منتصف التسعينيات، فقد صعدوا على إرث عرفات بعدها بعقد واحد أو أقل. وفيما يقولون إنهم يُنافحون عن الوقفية الإسلامية بين النهر والبحر؛ فإن له كتابًا منشورًا قبل أكثر من عقدين، يُصرّح فيه علنًا برفضه المُطلَق لحل الدولتين، ولفكرة الدولة الفلسطينية على أى مستوى مُؤطَّر ومحدود.

اضطُر سابقًا للرضوخ والمُلاينة، وأبدى قبولاً نسبيًّا للفكرة فى ولاية أوباما الأولى، وعندما زار الأخير القاهرة وتحدّث من منصة جامعتها الأشهر؛ ثم انقلب على نسخته التهدوية العاقلة بعد فاصل قصير.

وكذلك فعلت حماس أيضًا، عندما أخرجت ورقة استراتيجية مُعدّلة قبل ثمانى سنوات تقريبا، تحدّثت فيها عن قبولها لدولة مُستقلة على حدود الرابع من يونيو، دون ربط الفكرة بالانخراط فى منظّمة التحرير، أو الاعتراف بإسرائيل. وكما كان الحال مع غريمها؛ فإن ما قالته لم يتجاوز الحناجر، ولم يُترجَم على أرض الواقع؛ بل ذهبت فى الوجهة المُضادّة له تمامًا.

والحال؛ أن النزول عن الشجرة واختبار تُربة الواقع شديدة اللزوجة، ينبع من حاجة فلسطينية ماسّة، وليس رفاهية تصح المُناكفة فيها أو المفاضلة بين الاختيارات، فما يُعرَض على حَمَلَة المشروع التحرُّرى بكل أطيافهم، يتوزّع بين السيئ والأسوأ ولا شىء آخر، ما يفرض من أى منظور واقعى ألا تتخطّى الحماسة نطاق القُدرة، ولا أن يُضحَّى بالقليل القائم، طمعًا فى بديل أقل، ومشكوك فى إمكانية تحقّقه أصلاً.

لقد انقلبت حماس على السلطة فى العام 2007، وانفردت بحُكم القطاع بشمولية واضحة. وفيما لا تملك من القوّة والمشروعيّة ما يُمكّنها من ضم الضفة الغربية إلى ولايتها، ولا تحفيزها على الدخول فى أجندتها المُختَلَف عليها بعُمق؛ فإن مُقامرة الطوفان لم تكُن عملاً عاقلاً لجهة وصل المنقطع داخليًّا، أو تحريك القضية إلى الأمام فى بيئتها والخارج؛ إنما ذهبت إلى حربٍ لم تتحضّر لها، وتفتقد للرؤية السياسية لإدارة أو الخروج منها، ومن دون عوائد منظورة اتّصالا بأنها وصلت لآخر المُمكن فى نطاق سلطتها، ويتعذّر عليها ابتلاع المزيد أو اقتطاع تنازلات من الاحتلال.

فكأنها تعملقت إلى أن باتت أكبر من الأرض، وأقل اقتناعا بالاكتفاء بالمُتاح، وتلك تحديدًا كانت لعنتها الكُبرى: القوّة المفرطة داخل توازنات هشة ومُهَشّمة، والطمع فى المستحيل لدرجة التضحية بما كان فى المُتناوَل.

لا تقتنع الحركة بأن عليها أن تتنازل ولو لصالح بيئتها؛ لأن الرباط ينعقد أساسا بالأيديولوجيا والموالاة؛ لذا لا يختلف خصومها المحليون فى وعيها عن نتنياهو وائتلافه وحكومته: العدو القريب والعدو البعيد، وكلاهما هدف مشروع بحسب الطاقة والإمكانات وطبيعة الظرف، فإمَّا البطش بالغزّيين فى أزمنة السلم، أو التصعيد مع الصهاينة فى لحظة القوّة، أو تخلية الميدان بين الطرفين وتحصيل عوائد العاطفة والتعبئة.

لا خلاف على أن حماس حركة مقاومة؛ لكنها أُصولية من خلفيّة إخوانية، والطبع يغلُب التطبُّع بالضرورة. أفكار الانعزال عن البيئة بما فيها من تطهُّر وتعالٍ على الآخرين موروثة عن الجماعة الأُم، وعابرة إلى الأدبيات والمُمارسة بمعزلٍ عن الأوضاع واختلاف السياقات. ولا فارق هُنا بين تعريض قادة حماس الضمنى بمصر والأردن وغيرهما، أو تحريض الإخوان على التجمهر وحصار السفارات حول العالم، أو تظاهر فرعهم الإسرائيلى من أعضاء الحركة الإسلامية وجناح رائد صلاح وكمال الخطيب ضد القاهرة فى تل أبيب.

تتنوّع الصُّور والشواهد؛ إنما الجوهر مُتطابق والحصائل واحدة. بالضبط كما لا يختلف نشاط الجماعات الإرهابية ضد مفهوم الدولة الوطنية، ومنها نموذج التحالف الإخوانى الداعشى فى العريش ونواحيها بعد ثورة 30 يونيو، عن تنظيرات المُتطرّف محمد إلهامى، المقيم مع الجماعة فى الشتات، والتى تبجّح فيها لدرجة القول إن ثورتهم المزعومة لا تنتصر إلا باحتلال سيناء، انطلاقًا من فكرة ترتيب الأعداء، والاستعانة على القريب منهم بالبعيد لو أمكن.

إن المُبادأة بقتل الغزّيين فى وقائع الانقلاب قبل عقدين تقريبا، لا تبتعد مُطلقًا عن تسليمهم لُقمة سائغة للاحتلال؛ طالما أن فى مقدور الحماسيِّين إنقاذهم ولا يفعلون، وأنهم للأسف لا يربحون من هذا التصلُّب لصالحهم، ولا لفائدة القضية على المدى المنظور أو البعيد، بل يُغلقون حلقة النار على الجميع وشعارهم «أنا ومِن بعدى وقبلى وحولى الطوفان».

لا معنى لفلسطين من دون أهلها، ولا قضية أصلاً لو أُبيد الناس أو كُنِسوا خارج أراضيهم، وبقيت حماس وحدها تبكى أو ترقص على الأطلال. بينما عاشت القضية بالبشر والحجر قبل حماس وبعدها، وستعيش من دون الفصائل كلها؛ لأنها فكرة الوطن وإرادة الحياة نفسها قادرتان دومًا على تخطّى الموانع، وعلى ابتكار طرق لا نهائية للمقاومة والصمود.

ربما سُرِق الحماسِّيون فى أسابيعهم الأولى، لكنهم بعد هُدنة نوفمبر كانوا أكثر وعيًا بالسياق وتداعياته، وأقدر على استشراف المآلات والنوازل الثقيلة المُحتَمَلة. ولو صدقوا وقتها لعادوا إلى رُشدهم سريعًا، أو دعوا السلطة الوطنية إلى تسلّم مقاليد الأمور، والتفاوض من أرضية المشروعية والقبول السياسى، أو فوّضوا محيطهم العربى فى إقرار ما يصبُّ فى الخزانة الفلسطينية، ولو أخذ من رصيد الحركة الذى يوشك على النفاد؛ إن لم يكُن قد نَفَد بالفعل.

الشائع أن نتنياهو يواصل الحرب لأطماع شخصية، وهذا صحيح من زاوية؛ إنما فى الجوهر لا تخرج سلوكياته النازية عن الانحياز للفكرة الصهيونية ومبادئها العُليا، وأطماعها الدائمة وغير الخفيّة على أحد.

يُطيل الاشتباك عمدًا ليتهرّب من المُساءلة، هذا مِمّا لا شَكّ فيه مُطلَقًا؛ لكنه سيرحل عاجلا أو آجلاً وقد ترك لإسرائيل سيطرة مُطلقة على غزة والضفة وعِدة جبهات مُحيطة، بينما إن رحلت حماس أو بقيت فلن يكون ذلك مشمولاً إلا بالموت والضياع والاحتلال ومخاطر التهجير. إنها تلعب مباراة شخصية كاملة، ولحسابها وحساب الرُّعاة والحلفاء الأديولوجيين والسياسيين فحسب.

سقطت الأهداف السياسية منذ شهور مضت؛ أكان ما يخص طموحات التحرير أو تحسين شروط الاحتلال من جهة الفصائل، أم السعى لاستعادة الأسرى وإعادة بناء الردع وتعقيم بيئة القطاع من أن تكون عامل خطر على الصهاينة. وما يحدث اليوم حربٌ إبادية مُطلقة، بالنار والبارود والتجويع، ولا غاية لها إلا إنهاء الحياة فى غزة والتمهيد للإزاحة الديموغرافية، أو السيطرة العسكرية تمهيدًا للإزاحة.

وعليه؛ فلا مصلحة للحركة فى إرخاء الحبل وتكثيف الذرائع، لأنها تُعزِّز مواقف اليمين القومى والتوراتى على الجانب الآخر، وإن كانت لا تدرى فتلك مُصيبة، ومع الدراية فالمصيبة أعظم. ليس وقت الاختلال والمُراهقة؛ إنما التصدّى للوقائع بحقِّها وليس من مُنطلقات عقائدية أو ائتلافية مُوجّهة، والاجتهاد بكل السُّبل لكَسر الطوق، وفتح ثغرة يُمكن أن ينفذ منها الهواء وأن تتجدّد الحياة؛ فالبديل فى حال الأُمم والقضايا الكُبرى أن تُغلَق الجروح على عجلٍ، لا أن يُترَك النزيف إلى أن يلفظ الجريح أنفاسه الأخيرة.

لم تكن إسرائيل شريكًا قطّ، ولا بائعة ورد. وما كانت الفصائل تُراهن عليه ولم يتحقَّق طوال الشهور الماضية؛ أبعد اليوم عنها من أى وقت مضى. اختزال الصمود فى راية وعنوان، يتهدّد الصامدين جميعًا بإخراجهم من المُعادلة حال الإطاحة باللافتة.

ولا أمل إلا فى إعادة تعريف المواجهة، وتوسعة مداها وتنويع أدواتها، بحيث تتقدّم عناصر القوّة الفلسطينية على تنوّعها، ويصير البشر خصومًا مباشرين للعدوّ؛ لا رصاصة فى بندقية المقاتل أو ورقة فى دفتر المفاوض. التواضع اليوم أقصى قوة مُمكنة: أمام النكبة، والمنكوبين، وإلزامية الحاجة إلى بدائل وخيارات لا تقود كلّها إلى الهاوية.

أقرّ ضباع تل أبيب برنامجهم لاحتلال القطاع، ولا رهان على الضمير الإنسانى الميِّت. المُعجزة المأمولة تبدأ بالتحرُّر من سطوة الأيديولوجيا، وأوهام القدرة على خوض المعارك الوجودية بفردانية مُطلقة. المصالحة وتجميع القوى، والتفاوض تحت سقف الشرعية، وتضحية حماس رضاء بما تعرف أنها ستُقدّمه اضطرارًا. يجب ألا تبقى فلسطين رهينة مُقطّعة الأوصال بين الاحتلال والاختلال.




أخبار اليوم السابع على Gogole News تابعوا آخر أخبار اليوم السابع عبر Google News
قناة اليوم السابع على الواتساب اشترك في قناة اليوم السابع على واتساب