بعد أن نقلنا جانبا فى مقالنا الفائت عن مفكر الإخوان سيد قطب وجرأته على سب الصحابة المبشرين وغير المبشرين، فإننا نواصل الحديث عن أمثلة أخرى من هذا التطاول غير المبرر.. فقد تطاول قطب على أبى سفيان بن حرب فى العدد الثالث الصادر من مجلة المسلمون عام 1371 هجرية فقال: "أبو سفيان هو ذلك الرجل الذى لقى الإسلام منه والمسلمون ما حفلت به صفحات التاريخ، والذى لم يسلم إلا وقد تقررت غلبة الإسلام فهو إسلام الشفة واللسان لا إيمان القلب والوجدان، وما نفذ الإسلام إلى قلب ذلك الرجل".
انظروا كيف نفذ قطب إلى قلب وعقل أبى سفيان، وأصدر حكمه عليه باعتباره مفوضا من السماء، ولا يأخذك العجب والغضب عندما يتجاوز سيد قطب كل الحدود والتصورات فى كتابه التصوير الفنى فى القرآن – طبعة دار الشروق ص 200 – حيث كتب: "لنأخذ موسى -إنه نموذج للزعيم المندفع العصبى المزاج- فها هو ذا قد رُبـِّى فى قصر فرعون، وتحت سمعه وبصره، وأصبح فتىً قوياً". ودخل المدينة على حين غفلة من أهلها فوجد فيها رجلين يقتتلان.. إلى آخر القصة" الآية 15 القصص. وهنا يبدو التعصب القومى كما يبدو الانفعال العصبى، وسرعان ما تذهب هذه الدفعة العصبية فيثوب إلى نفسه شأن العصبيين: "قال هذا من عمل الشيطان إنه عدو مضل مبين. قال رب إنى ظلمت نفسى فاغفر لى فغفر له إنه هو الغفور الرحيم. قال رب بما أنعمت على فلن أكون ظهيراً للمجرمين" 15- 17 القصص.
ويضيف قطب: "فأصبح فى المدينة خائفاً يترقب" 18 القصص، وهو تعبير مصور لهيئة معروفة: هيئة المتفزع المتلفت المتوقع للشر فى كل حركة، وتلك سمة العصبيين أيضا.. فلندعه هنا لنلتقى به فى فترة ثانية من حياته بعد عشر سنوات، فلعله قد هدأ وصار رجلا هادئ الطبع حليم النفس. كلا.. ثم لندعه فترة أخرى لنرى ماذا يفعل الزمن فى أعصابه.. عودة العصبى فى سرعة واندفاع".
فهذا يا سادة هو منطق سيد قطب، واضح فى هذا السَفه حينما تعرض لأحد أولى العزم من الرسل، بل هو يُعلن ذلك ويُصرح بمنهجه.
فيقول سيد قطب فى ص 253 من كتابه التصوير الفني: "إن الدين لا يقف فى طريق البحوث الفنية والعلمية التى تتناول مقدساته تناولاً طليقاً من كل قيد وأنا أجهر بهذه الحقيقة الأخيرة وأجهر معها بأننى لم أخضع فى هذا لعقيدة دينية تغل فكرى عن الفهم.
وفى ص 258 يقول قطب: "لم أكن فى هذه الوقفة رجل دين تصده العقيدة البحتة عن البحث الطليق، بل كنت رجل فكر يحترم فكره عن التجديف والتلفيق".
واستجابة للأعزاء السادة القرّاء الأفاضل فإننى أسوق جانبا من آراء العلماء فيمن ينتقص أصحاب رسول الله أو واحدا منهم، فقد قال أبو زرعة الرازي: إذا رأيت الرجل ينتقص من أصحاب الرسول فاعلم أنه زنديق، وذلك أن الرسول عندنا حق، والقرآن حق، وإنما أدى إلينا هذا القرآن والسنن أصحاب رسول الله وإنما يريد الطاعنون فى أصحاب رسول الله أن يجرموا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسنة، وبذلك نحكم عليهم بالزندقة.
فيما نذكر قول الإمام أحمد بن حنبل: إذا رأيت رجلا يذكر أحدا من أصحاب محمد بسوء فاتهمه فى إسلامه وقال أيضا من انتقص أحدا من أصحاب محمد أو أبغضه لحدث كان منه أو ذكر مساويه كان مبتدعا حتى يترحم عليهم جميعا ويكون قلبه سليما.
وقد ذكر الإمام أحمد فى كتابه فضائل الصحابة صفحة (450) من رواية كعب بن عجرمة قال: ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم فتنة فعظمها فقال: ثم مر رجل متقنع فى ملحفة فقال هذا يومئذٍ على الحق قال الراوى فانطلقت مسرعا فأخذت بضبعيه وقلت هذا يا رسول الله قال هذا فإذا به عثمان بن عفان رضى الله عنه (إسناده حسن لغيره).
أما أبو الحسن الأشعرى فقد قال كل الصحابة أئمة مأمونون غير متهمين فى دينهم وقد أثنى الله ورسوله عليهم جميعا وتعبدنا بتوقيرهم وتعظيمهم وموالاتهم والتبرؤ من كل من ينتقص أحدا منهم رضى الله عنهم جميعا.
وقال يحيى بن معين تليد كذاب كل من شتم عثمان أو طلحة أو أحدا من الصحابة ولا يكتب عنه وعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين.
كما أن التاريخ يشهد لبنى امية كما يقول ابن كثير رحمه الله فى كتابه البداية والنهاية 9/87.