حازم حسين

غزة ليست حماس وكل إسرائيل نتنياهو.. عن تحرير السردية كمقدمة واجبة لتَحرُّر فلسطين

الثلاثاء، 26 أغسطس 2025 02:00 م


تُوشك الحرب أن تغلق عامها الثانى، وما تزال غائمة فى نظر البعض، وتتداخل فيها الحقائق مع الأوهام والتلفيقات. يُراد لها من أطراف ظاهرة أو خفية، أن تظل مساحة سائلة من الدعايات والأفكار المتضاربة، وألا يُستفاد بدروسها الحقيقية لاستدراك الإخفاقات، واتقاء شرور التكرار بذات الكيفية الغبية وشديدة الاحتدام والتوحش.

كأن إرادة الواقفين خلفها من كل التيارات، تنصرف قصدا إلى النمذجة والتأطير على وجه مُحرّف، ولأجل استبقاء منظومة العلاقات القديمة وإدامتها، ليستمد كل طرف مشروعيته من إطالة عُمر الغريم المباشر، بينما السردية الحقّة تظل أكبر ضحايا الافتئات على الذاكرة والحاضر، والإغراق فى الأيديولوجيا والشخصنة والتخيّلات الساذجة.

يُنظر للحدث الواحد من زاويتين متضادتين، وبدون انشغال بالوقوف على الأسس والتفاصيل المنشئة للمأساة، بما كان سببا منها أو نتيجة، وما طرأ عفوا وبعشوائية من جانب، وعُقّب عليه بخطط نظامية سابقة الإعداد، ومدفوعة بإرادة شعبية كاسحة.

وفيما كان «الطوفان» نزوة من يحيى السنوار وحلقته الضيقة، وارتد وبالا على غزة بعموم أهلها؛ يُساق العدوان الإسرائيلى اللاحق على صفة الاندفاعة اليمينية المحكومة حصرا برغبات نتنياهو وحلفائه، ويُنحّى الجمهور الذى أسداه الشرعية واحتضن جرائمه عن نطاق الإدانة والمساءلة.

والحق؛ أن القطاع فى بنيته الاجتماعية العريضة لم يكن طرفا فى هجمة السابع من أكتوبر، بينما إسرائيل بكل كيانها ومكوناتها فاعل أصيل فى دراما التوحش التالية، وبقدر ما يتوجب الفصل بين الغزيين ومقامرة حماس الخاصة.

ينبغى ألا يُسَرق الوعى المواكب للمحرقة عن توصيف الوقائع بحقّها، وإحالة الجُرم المشهود إلى أصحابه الفعليين، المتواطئ منهم قبل الفاعل، ومن دون استلاب لصالح دعايات الشقاق والصراعات البينية، وما يُصنّع عمدًا فى البيئة العبرية للإيحاء بالتنازع وافتراق السبل، وبأن المجال يتسع أصلا لإمكانية الفرز والاستبعاد، وحصر التهمة فى فريق بعينه دون الباقين جميعا.

إنها شراكة تعاقدية وانتفاعية من الإبادة الجارية، وجميع من فيها مُدانون بالتساوى، ولا يصح إبراء ذمّتهم تحت أية ذريعة، أو السماح لهم بالنفاذ من شقوق الرواية، لخداع العالم، وإفساح المجال لإعادة إنتاج السيرة الممجوجة فى فصل جديد.

لقد نشأ آباء الدولة أنفسهم فى حظيرة العنف واسترخاص الدماء، وعندما تحولوا إلى سياسيين لم تتغير تركيبتهم العصابية، وتستّروا بعباءة الجديد دون انقطاع عن القديم، وارتدوا معاطف الساسة دون أن يخلعوا سترات المحاريين.

وبتلك الصيغة الاحتيالية حاز بيجين جائزة نوبل للسلام قسمة مع السادات، وظل والغا فى الدم من القمع فى فلسطين إلى اقتحام بيروت. والقصة ذاتها مع رابين قبل أوسلو وبعدها، ومع جنرال اليمين البشع آرييل شارون، أو وجه اليسار المخادع إيهود باراك، وبينهما وحواليهما كل الذين ارتقوا سدّة الحكم سابقا، أو فى سبيلهم إليها فى مقبل الأيام.

نتنياهو نفسه جاء من حيز الدبلوماسية والبيزنس، وبملامح تتشبه بالمدنية الأمريكية التى انخرط فيها طويلا، ولم يُعرَف عنه من قبل أنه كان واحدا من صقور البطش والإرهاب؛ ثم أفضت به التجربة العملية إلى ما يفوق أسلافه جميعا، والأغلب أنه ليس استثناء على القاعدة.

التناقض أصيل ومُتجذر فى المشروع من بدايته، ومنذ أن كان فكرة فى أدمغة الصهاينة الأوائل. ولا يمكن بأى حال التوفيق بين النشأة فى أحضان الخطابات الاجتماعية، وعلى أجنحة المكون اليسارى الذى أرسى دعائم الدولة وقادها منفردا لنحو ثلاثة عقود، وما كان من مذابح وإبادات وعمليات تطهير عرقى وجغرافى.

الأفكار فى إسرائيل ليست كما فى غيرها من البلدان الطبيعية، ويسارها أكثر يمينية من أعتى تيارات اليمين والمحافظين فى بيئاتها الأصيلة. وما من يمينية متطرفة أشد من سرقة الأرض واستحلال أرواح ساكنيها، ومن الإقامة الوثيرة فى بيوت يُعرَف أصحابها، ويوقن وارثوهم أنهم كانوا سببا مباشرا فى تشريدهم وضياعهم بين المنافى الإجبارية والاختيارية.

ما يفعله الوزيران المتطرفان بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن جفير ليس جملة اعتراضية، ولا فاصلا عابرا ضمن مسيرة يمكن تمييز حلقاتها عن بعضها. ربما تعلو النبرة لديهما قليلا، أو يستعجلان التوصل إلى الأهداف أكثر من الأسلاف، لكنهما يسيران مع غيرهما على آثار هرتزل وجابوتنسكى وبن جوريون وجولدا مائير وبيريز وبقية الدمويين، بالصاخب منهم والهامس، ويُطابقون خطاهم كوقوع الحافر على الحافر، ولو تبدّلت الوجوه قديما أو حاليا؛ فلن تتبدل الوقائع أو تختلف المآلات على الإطلاق.

أما على الجانب الآخر؛ فقد تعرّض الفلسطينيون لأبشع صور الاضطهاد والإلغاء، وجربوا كل الوسائل الممكنة للبقاء على أرضهم أو الرجوع إليها، ساروا وتعثّروا وغيّروا أدواتهم بحسب الظروف والمقتضيات، إلى أن اصطحب عرفات زمرة رجاله من فتح ومنظمة التحرير فى رحلة الإياب إلى رام الله.

كل ما عبروا عليه كان من نوعية المسارات الإجبارية أو خيرة المضطر، وما إن فُتح لهم هامش للنضال بالحياة توقفوا عن طلب الموت؛ بينما بقيت شهوة القنص وطبيعة مصاصى الدماء قارّة فى وعى الصهاينة جميعا، تطل حينا أو تتوارى، لكنها لا تخلّى مكانها لبديل يبدأ من الاعتراف بالآخر، ليمتد إلى التعايش والمساكنة الموضوعية الهادئة.

وغاية المقدمة السابقة كلها؛ أن تُخطّ حدود واضحة بين الغاصب والمغصوب، الآخذ بناصية الجغرافيا بالاحتيال والتلفيق والحديد والنار، والممنوعين من حقهم الطبيعى فى مجرد الوجود الهانئ، والتمتع بما تبقى لهم من أملاكهم بعد اقتسامها على مائدة الذئاب فى صراعات الأمم.

وقد حُسِمَت المواجهة مبكرا جدا؛ وكل ما تلا ذلك كان احتماء بمزاعم الحرب الأبدية، عن موجبات الوفاء بالالتزامات المستقرة قانونيا وإنسانيا، ووضع المسألة المعقدة فى نصاب معتدل؛ لا على معنى العدالة الكاملة حاشا لله؛ بل مجرد الارتضاء بالحد التأسيسى من الظلم المفروض عليهم قهرا.

قُسّمت الأرض غصبا بقرار أممى غشوم، ومُنح الوافدون حصّة الأغلبية، وكان مقررا أن تتزامن الولادة الثنائية للكيانين الناشئين عن اقتسام البقعة الواحدة. ما يعنى أن شرعية إسرائيل موصولة بحبل سُرّى مع شرعية الدولة الفلسطينية، ويُفترَض ألا تقوم إحداهما إلا فى معية الثانية.

لكن الإرادة الغربية انصرفت إلى تجسيد نفسها فى صورة الوكيل العبرى المستحدث، وتغييب المنطقة عن الجغرافيا ما بين النهر والبحر، بانتزاع الصفة الوطنية من السكان الأصليين، وإعادهم من على أبواب الحداثة الوليدة وقتها، إلى بدائية الهُمّل ومجتمعات الفردانية والشيوع. جُمّع اليهود فى ملعون واحد، وفُرّق العرب على جهات بعدد الأنفس وقتها؛ حتى الذين تشبثوا بالأرض ولم يبرحوها؛ صاروا أعواد ذرة مبعثرة فى حقل واسع، لا رابط بينها ولا حق فى امتلاك حفنة التراب التى تنبت منها.

الطيبون غادروا سريعا، أو لم يأتوا من الأساس، وكل من عداهم أشرار بالتعريف والممارسة؛ ولو أفاضوا فى أحاديث الملائكة والحكماء.

لا يكاد يوجد إسرائيلى واحد ممن اكتملت أهليتهم، لم يشترك فى مقتلة أو منهبة أو ترويع، أو أعلن الفاعلين بالامتداح والصمت وقسمة المغانم. أما الاختلافات الطبيعية المعتادة فى كل المجتمعات، والانتقادات التى تترى فى الشارع والإعلام ومراكز الأبحاث، لا تعدو أن تكون إبراء للذمة، وعملا تطهريا دون توبة أو إقلاع عن الذنب، وقد تكون أسوأ من هذا لجهة أنها تشارك فى الخداع والتضليل، وتُسبغ على الدولة العبرية ما ليس فيها من صفات أصلا، كما لو أنها مهمة علاقات عامة وغسل للسمعة، تُدار بقصد تحت سقف توزيع الأدوار، أو بمبادرة فردية من تلك المبادرات التى تُحمَل على إعانة القاتل وإهانة القتيل.

وإذا كانت المقاومة حقا مشروعا طالما ظل الاحتلال قائما؛ فإن هذا لا يغير حقيقة أن الطوفان كان عملا فصائليا يخص صاحبه المباشر، أو الدائرة الحماسية فى عمومها، ولا وجه لنسبته إلى الغزيين أو بقية الاجتماع الفلسطينى العريض.

وهو ما لا يتحقق على الجانب الآخر؛ لأن اليأس المطوّق للقضية العادلة من جناية إسرائيل بكاملها، وأقرب إلى العهد الذى يتناقله حكامها كابرا عن كابر، وبلا أى أثر للتمايزات واختلاف الأيديولوجيا، ومع إجماع شبه كامل من البيئة اليهودية ممثلة فى أصوات الناخبين، وفى الإقبال الحاشد على رقصة الدم مع كل نفير أو استدعاء للاحتياط.

ربما يكون نتنياهو صاحب القرار الوحيد فعلا؛ لكن شعبه بلا استثناء يُلاقيه عليه بالإقرار الصامت، أو الحياد الرمادى إزاء جريمة عنصرية نازية لا يصح معها التواطؤ أو إمساك العصا من المنتصف.

وفيما ينشغل المتألمون لفلسطين وأهلها بنزاعات السردية والتعاريف؛ فإن الوقوف على البديهيات يصرف الأنظار عن العناوين الفجة ومضامينها المُلغزة. إسرائيل كيان محتل، وللقضية مُلاك وذوو حقوق عادلة؛ لكن حماس لا تمثل الأخيرين بتعميم نهائى حاسم، ونتنياهو لا يعبر عن نفسه انطلاقا من أنه مُنتدب بإرادة الشارع وإنابته التمثيلية عنه.

الفصائل ليست سلطة مُنتخبة، وتنتدب نفسها طالما كانت قادرة على ذلك، لكن الحكومة فى تل أبيب وظيفة عامة، يُرتقى إليها من خلال التفويض، وترتد آثارها على المفوِّض كما المُفوَّض. ما يجعل الغزيين أبرياء من خطايا حركاتهم، والإسرائيليين شركاء فى جنايات حكامهم.

سُحِبنا إلى مياه الصهاينة العميقة، وصار شائعًا لدينا أن الحرب دائرةً بوقود زعيم الليكود فحسب، وأنه يُواصل الإغراق فى مستنقعاتها بانفراد مُطلَق، ولأغراض شخصيّة لا تُمثّل إسرائيل أو تُعبّر عن مصالحها.

وفيما يُمكن التسليم بتطلّعه لإطالة أمد الفوضى والإرباك، والتهرُّب من استحقاقات المُساءلة عن الفشل فى استشراف الطوفان، والإخفاق فى إدارة تداعياته؛ فإنه ما كان ميسورًا له أن يمضى فى مُخطّطه طوال تلك الشهور، إلا باستحسانٍ من جهة الغالبية الأكبر لديه، أو اكتفاء بالاستهجان الشكلانى من الباقين.

مئات المذابح في سيرة الدولة المُلفّقة، حضر نتنياهو فى أقلّها وغاب عن الأكثر، وكل سابقيه مُلطّخين بالدم والعار من دون استثناء، ولو أُطيح اليوم لصالح بديلٍ من يمين الوسط الأكثر مكرًا، أو من طلل اليسار المتداعى والمنقسم على ذاته؛ فلن تختلف الحكاية فى حرف أو فاصلة. ربما يختلف إيقاع القتل، أو يُعاد إنتاج آليات المُخاتلة والالتفاف على الحلول السياسية؛ لكن اللاحق لن يشذ عن السابق فى الثوابت والأصول المرعيّة، وأهم بنودها ألا تقوم للفلسطينيين دولة، أو يستقيم لهم وجود على ثرى الأجداد.

ليست معركة نتنياهو الخاصة كما يُشيعون، أو يتطلّعون لتغليب تلك النظرة على غيرها من الرؤى والحقائق الدامغة. يُقاتل الرجل بما يزيد على نصف المليون مقاتل، فى بلد لا يزيد مجموع سكانه اليهود على سبعة أو ثمانية ملايين.

كل بيتٍ عِبرىّ يُوقّع بالحضور على أطلال بيتٍ غَزّىٍّ، وكل فردٍ من هناك شريك فى دماء طفل أو امرأة وربما أكثر. الائتلاف قائم بأغلبية ضئيلة؛ لكنه قائم، وتُعرض على نتنياهو شبكة أمان من بينى جانتس وأفيجدور ليبرمان، ويختلف لابيد فى المُخطط الزمنى فحسب، وهل يصطبر على نتنياهو لحين إنهاء الأهداف الحربية الخشنة، أو يستعجل إحلال القيادة تطلُّعًا لحسم الأهداف نفسها بوصفة مُغايرة.

والقائلون بإحالة العبء على كاهل نتنياهو؛ إنما يستكملون الرواية الدعائية بالإشفاق على إسرائيل من تداعى الصورة والرمزية، وما يُحمّله لها ائتلاف التوراتيين والقوميين المتطرفين من مغارم باهظة فى الحال والاستقبال.

وتلك الشفقة لم تكن حاضرة فى أربع حروب سابقة على غزّة، وفى مسلسل إبادة وتطهير لم ينقطع عن الضفة الغربية، وانتفاضتين سابقتين وعقود طويلة من البطش والترويع. كأنهم يستشرفون حلقةً مُستجدّة عليهم، فيما البلد بكامله يقوم على أكوام من البارود والأشلاء، ويُسلّم السفّاحون فيه الراية لوافدين جُدد، يبتدئون المسيرة بوجوه ناعمة وابتسامات لزجة، وتؤول المسيرة بهم إلى ذات المآل.

والمأخذ هنا ليس عارضًا، أو تزيُّدًا فى سفاسف الأمور. إنه مدخل أصيل إلى ضبط السردية وإعادة تحريرها، والتمرد على ألاعيب الاحتلال، وعلى سذاجة الأصوليّة واختزالاتها المُبتسرة والمُشوّهة للمسألة الوطنية.

وإذا لم يتنبّه المقاومون إلى أن نتنياهو لا يختلف عن غيره؛ فلن تتبدّل وسائل القتال أو التفاوض، وستتكرر الوقائع نفسها على فواصل زمنية مُتقطّعة، وبتكاليف صاعدة فى كل مرّة عن سابقتها. وكذلك ما يخص بقيّة آليات العمل حربًا وسِلمًا، وفى العلاقة مع الحُلفاء الأيديولوجيين، أو المحيطين القريب والبعيد.
وعلى سبيل المثال؛ فقد شهدت الفترة الأخيرة مدًّا عاليًا على طريق الاعتراف بالدولة الفلسطينية. تيقّظت أوروبا وأيقظت ضميرها النائم، وفيما تسير باندفاعة إنسانية وأخلاقية جهة رام الله، لا تتوقف تل أبيب عن تطويق الأخيرة بالاستيطان وتقطيع الأوصال.

وهنا يفتقد الاعتراف معناه المُثمر حقيقةً؛ لأنه لا يتوازى مع إجراءات عمليّة تسعى لتفعيله على الأرض، أو تطويق المُخطّطات المضادّة له من جهة المُحتل، فيما لا يتوقف التعاون بين الغرب وإسرائيل أو يتضاءل، مع جوهريّة أن استلابها للجغرافيا ومواصلة مُخطط الابتلاع وإزاحة الديموغرافيا الفلسطينية، بمثابة الردّ العملى على المواقف الغربية المُعلنة، وكأنهم يصفعون أوروبا ردًّا على كلمة لا تتجاوز حناجرهم.

وإذا كانت التراجيديا الفلسطينية منذورة لحلقات مُقبلة لن تقل فى مآسيها غالبا؛ فالارتياح إلى الصمود لحين إطاحة نتنياهو وتغيير تركيبة الحُكم فى إسرائيل، لا يعدو أن يكون وهمًا خالصًا من أثر الغباوة والافتتان الحماسى بالذات، وإدمانها على الإقامة فى الماضى والخيالات الوهمية.

ما يفرض النزول على أرض الواقع، والالتجاء إلى لملمة المُتشظّى وتجميع فسيفساء السردية، ووضعها تحت سقف الإجماع، بما يحقق للمشروع استقامته الفكرية والسلوكية، ويضمن له الاستدامة؛ أقله لمُقارعة السلسلة الواحدة المُتّصلة على الجانب المقابل.

وليس التنادى بتنحية حماس اليوم عن مُجرّد الحاجة لجهد إنقاذى فحسب، أو تضحية فدائية تُعوّض نزق المُغامرة وتُكفّر عن خطيّتها الثقيلة؛ إنما تقع عمليًّا فى موقع الحاجة الوجودية، لإعادة بناء السردية الوطنية وتلافى عثراتها السابقة، والتيقّن إلى أن إسرائيل لن تتغيّر غدًا أو بعد سنة، ولن تعتدل الأوضاع أو تتّزن المواجهة ما بقى الاختلال الفلسطينى على حاله، وما بقى الثابت الوحيد لدى الفصائل أنها تتعبّد فى محراب الوهم العقائدى، وتستنكف التغيير ولو عن احتياج وضرورة.

كل الذين يحملون الجنسية الإسرائيلية مسؤولون بصورة مُباشرة عمّا يحدث فى غزّة، وفى رقابهم ذنب القتلى والجرحى والمُجوَّعين بحصارٍ حديدى خانق. لا برىء تحت سماء الدولة العبرية مواليًا كان أم مُعارضا؛ طالما أن جهوده لا تتخطّى المطالبة بتحسين شروط الموت للغزّيين، بدل الدفاع الحقيقى الصادق عن حقّهم فى الحياة.

نتنياهو مُمثّل الصهيونية فى الهولوكوست النازى الدائر؛ إنما من ورائه ملايين ينفخون النار ويضخّون الغاز فى الأفران. ولكى تستقيم الرواية ولا تنطفئ سريعًا؛ يتعيّن أن تكون واضحة وعالية الصوت من الآن.

حماس عبء على غزّة وأهلها، وعلى كامل فلسطين وقضيتها، وعليها أن تتّضع لبيئتها اعترافًا واعتذارًا وتصويبًا، تلك نقطة أصيلة فى الاستدراك والإصلاح؛ ثم ألا يسترقنا الوهم مجدّدًا كما كان فى كل السوابق الماضية، وأن نعرف على وجه الدقة وبإصرار لا يلين؛ أن الليكود والأحزاب التوراتية جزء من كُلّ، ينوبون عن غيرهم فى الأعمال القذرة كما قال المستشار الألمانى فريدريش ميرتز؛ لكن المنتفعين من قذارته شُركاء فيها؛ ولو زمجروا غضبًا أو تباكَوا بدموع التماسيح.




أخبار اليوم السابع على Gogole News تابعوا آخر أخبار اليوم السابع عبر Google News
قناة اليوم السابع على الواتساب اشترك في قناة اليوم السابع على واتساب