حسين حمودة

"مؤسسات النشر الحكومى".. (مقاربة قديمة وتساؤل جديد)

الجمعة، 22 أغسطس 2025 04:12 م


قبل سنوات ليست قليلة، كنت قد كتبت "ورقة" (لا علاقة لها في وقتها، ولا باستعادتها الآن، بما حدث ويحدث من تغييرات سابقة أو راهنة في أسماء مسؤولين، إذ إنها ترتبط بـ"أوضاع عامة".. قدمتها في أحد المؤتمرات المحلية، سعيت فيها إلى "تجميع" بعض النقاط التى تتصل بمجموعة من ظواهر النشر المتعددة، فى الجهات الرسمية المسؤولة عن النشر بمصر، وما تمتلكه من إمكانات، وما تواجهه ويواجهها من معوقات، وما يمكن أن يتصل بها من طموح.

وهذه النقاط التى سعيت إلى تجميعها  تتصل ـ من جهة ـ بإمكانات متاحة، ليست قليلة فى الحقيقة، تمتلكها مؤسسات النشر الرسمية بمصر، وترتبط ـ من جهة ثانية ـ  بالتساؤلات الواضحة حول "أداء" هذه المؤسسات الذى ينم عن "مشكلات" تواجهها، ويومئ إلى مفارقة واضحة بين ما تتيحه الإمكانات وما يتحقق بالفعل، كما تتعلق هذه النقاط ـ من جهة ثالثة أخيرة ـ بما يمكن أن يمثل اقتراحات حول كيفية الإفادة من إمكانات متاحة، وكيفية تدارك مشكلات قائمة، ثم كيفية تصور آفاق أكثر رحابة يمكن أن تنفتح عليها سبل وطرائق النشر فى مؤسسات النشر الرسمية بمصر.

**
مؤسسات النشر الحكومى (ومنها الهيئة المصرية العامة للكتاب، والهيئة العامة لقصور الثقافة، والمجلس الأعلى للثقافة، والمركز القومى للترجمة، وبعض المؤسسات المتاخمة مثل "دار الهلال"، و"دار المعارف"، ومراكز النشر بدور الصحف مثل "الأهرام" و"أخبار اليوم" و"الجمهورية"..إلخ، وكلها يمثل النشر نشاطها الأساسى أو جزءا من نشاطها).. تمتلك عددا من الإمكانات المتاحة .. منها:

ـ توفّر ميزانيات لا بأس بها.

ـ امتلاك بعض هذه المؤسسات منافذ متعددة لتوزيع الكتب، خصوصا الهيئة المصرية للكتاب، ودار المعارف، وبعضها يمتلك "شبكات توزيع" واسعة، مثل "الأهرام" و"أخبار اليوم".

ـ قيام عدد من المثقفين، الذين يفترض أنهم أصحاب "رؤية" حول الثقافة وأهمية نشرها، على كثير من هذه المؤسسات.

ـ امتلاك بعض هذه المؤسسات، للنشر الحكومى، وسائل وقنوات متنوعة للتواصل مع مصادر وجهات النشر والتوزيع خارج مصر.

**
ولكن، من جهة أخرى، فهذه الإمكانات، وغيرها، تواجه بمشكلات متعددة معروفة، وقد رصدت بعضها، في تلك الفترة، في بعض النقاط .. منها:

ـ غياب، أو شبه غياب، التنسيق بين جهات النشر المؤسسى التى تقوم بنشاط واحد أو متقارب، مما يجعل كل جهة منها تبدو وكأنها تختط مسارا مستقلا خاصا بها وحدها.

ـ عدم بلورة رؤية استراتيجية واحدة، شاملة، يتم على أساسها التخطيط لما يجب الاهتمام بنشره، أو بترجمته، على المدى القصير والمدى البعيد.

ـ الارتباك فى التعامل مع مفهومين أساسيين يتصلان بنشر الكتاب: النظر إلى الكتاب بوصفه "سلعة" والنظر إليه باعتباره "خدمة ثقافية"... فعندنا، باختلاف واضح عن الغرب، لا يزال الارتباك ماثلا حول المسافة بين هذين المفهومين، ولا تزال الحاجة قائمة إلى إزالة اللبس بينهما، فضلا عن الحاجة إلى وضع حدود واضحة بينهما: أين تبدأ وأين تتلاقى وأين تنتهى أولويات "الخدمة الثقافية"، وأين تبدأ وأين تتلاقى وأين تنتهى متطلبات "السلعة"؟

ـ مشكلة التوزيع التى تواجهها كل مؤسسات النشر الحكومى هذه، وهى مشكلة كبرى.. فكثير من الكتب يعود، بعد طرحه للبيع لفترة قصيرة (فى بعض المدن دون مدن أخرى، وغالبا دون أغلب "الأقاليم" المصرية) إلى مخازن أصبحت مكدسة. ويترتب على هذا انحسار عائد توزيع الكتب الذي يمكن، أو يجب، أن يساهم فى استكمال "الدورة" المعروفة لكل كتاب، وفى تغطية تكلفة كتب أخرى بحاجة للطبع والنشر.

ـ "البيروقراطية" التى لا تزال، بدرجات متفاوتة، تحكم "مراحل" متعددة فى عملية نشر الكتاب بمؤسسات النشر الحكومى، سواء على مستوى اختيار الكتاب، أو على مستوى طباعته وتصحيحه، أو على مستوى طرحه للتوزيع، أو على مستوى الترويج له.

**
وقد أشرت، في نهاية تلك الورقة، إلى أنه يصعب التفكير فى الآفاق التى يمكن أن تطلّ عليها وتنطلق إليها مؤسسات النشر الحكومى فى مصر دون النظر، أو إعادة النظر، فى الإمكانات التى يمكن الإفادة بها، والمعوقات التى يجب تجاوزها.. وفيما بعد هذا النظر، أو إعادة النظر، يجب أن تكون هناك خطوات واضحة على سبيل بلورة "رؤية" ما، تصل بين حاضر الكتاب ومستقبله، وتنفتح على وسائل غير تقليدية للنشر، وللتوزيع، وتوظّف وسائط الاتصال الحديثة، ووسائل التكنولوجيا الحديثة بوجه عام، باعتبارها أدوات ممكنة للنشر على نطاق واسع يجاوز حدود الكتاب المطبوع، فضلا عن أن أنها أصبحت تفتح مجالات جديدة لطباعة الكتاب التقليدى.

على هذا الطريق الممكن، بعد تحفيز الإمكانات والإفادة القصوى منها، وتجنب المعوقات أو تجاوزها.. تحتاج مؤسسات النشر الحكومى إلى إعادة تأمل، ثم إلى إعادة صياغة، دورها الذي يجب أن تقوم به؛ فى نشر الثقافة والإبداع، وفى التواصل مع الثقافات العربية والإنسانية، وفى السعى لحضور أكبر للإبداع المصرى خارج الحدود المصرية، وفى توصيل الكتاب لمن يحتاجه ولا يستطيع الوصول إليه.

وعلى ذلك، يجب السعى للمزيد من التنسيق بين جهات النشر الحكومى، والبحث عن سبل للتوزيع داخل مصر، فى كل أقاليمها، وخارج حدود مصر، والتخلص من المعوقات البيروقراطية التى تقيد صناعة الكتاب.. إلخ. ثم يجب البحث عن سبل إبداعية لنشر الكتاب وتوزيعه وترجمته والإفادة من تأثيراته المتنوعة.

***
طبعا كان هذا الاجتهاد، في تلك الورقة القديمة، قابلا للصواب وقابلا للخطأ، على مستوى الرؤية أو الرصد.. ولنا الآن، بعد مرور سنوات عديدة، أن ننظر إلى مؤسسات النشر الحكومي المتعددة، وأوضاع النشر فيها، ونرى أي حد قد تغير هذا الوضع وتحسن، وفي أي الجوانب أو الاتجاهات قد تغير وتحسن.. وأيضا أن ننظر وأن نرى في أي الجوانب أو الاتجاهات الأخرى قد بقي "الحال" على ما هو عليه.




أخبار اليوم السابع على Gogole News تابعوا آخر أخبار اليوم السابع عبر Google News
قناة اليوم السابع على الواتساب اشترك في قناة اليوم السابع على واتساب