حسين حمودة

من قضايا اللغة العربية.. (طه حسين.. لغتنا فى التعليم)

الخميس، 14 أغسطس 2025 05:18 م


اهتم طه حسين بوضع اللغة العربية فى مراحل التعليم المختلفة، ضمن اهتمامه بإصلاح التعليم بوجه عام. وعلى سبيل الاستعادة والتكرار، اللتين أشرت من قبل إلى أهميتهما عند مناقشة قضايا اللغة العربية، يمكن الإشارة إلى ما كنت قد توقفت عنده في هذه الوجهة، لتأمل ما طرحه طه حسين في هذا الاتجاه:

"توقف طه حسين وقفة مطولة ومهمة عند اللغة العربية، وحضورها في مراحل التعليم المختلفة خلال كتابه (مستقبل الثقافة في مصر) الذي أصدره في نهايات الثلاثينيات من القرن الماضي. وخلال هذه الوقفة، ألح طه حسين على ضرورة الاهتمام باللغة العربية مع تدريس لغة أجنبية أخرى. وقد بدأ من السؤال: "لماذا نعلم اللغة العربية في المدارس العامة وفي غيرها من المدارس؟"، وأشار في إجابته إلى "أن اللغة العربية هي لغتنا الوطنية، فنحن نتعلمها ونعلمها لأنها جزء مقوّم لوطنيتنا ولشخصيتنا القومية لأنها تنقل إلينا تراث آبائنا الذي سننقله إلى الأجيال المقبلة، ثم لأنها الأداة الطبيعية التي نصطنعها في كل يوم بل في كل لحظة ليفهم بعضهنا بعضا".

كما أكد أن اللغة العربية هي "لغتنا ولغة الأجيال القادمة"، وأنها ملك كل من يتكلمون بها، ويجب ـ بكلماته ـ "أن تردّ إلى الدولة والأفراد الحرية التامة في أن يمنحوها من العناية ما يجب أن يمنحوه للمرافق العامة"، ولذلك يجب تجديد تعليمها وجعله "ملائما لحاجات الحياة العقلية والعملية في العصر الحديث". وتأسيسا على هذا يجب أن تشرف الدولة على إعداد المعلمين الذين يدرّسونها، وأن تتولى "بواسطة العلماء القادرين إصلاح علومها وتيسيرها والملاءمة بينها وبين الحياة الحديثة والعقل الحديث". وإصلاح اللغة، فيما يرى، "شرط لإصلاح التعليم كله". وإصلاح العربية لا يقف عند حدود إصلاح النحو والصرف والبلاغة، وأنما يجب أن يمتد إلى إصلاح أعمق، "يتناول الكتابة والقراءة". وهنا يقترح طه حسين "أن تكون الكتابة تصويرا صادقا دقيقا للنطق، لا أن تصور بعضه وتلغي بعضه".

.. "كذلك أشار طه حسين، في هذا الكتاب المهم، إلى بعض العقبات التي تقف دون "العناية بتعليم اللغة العربية ليصبح ملائما للتقدم الذي ظفرنا به في التعليم المدني"، ورصد مثول هذه العقبات في مؤسسات تعليمية عدة، وقدم نص التقرير الذي رفعه هو، عام 1935، لوزير المعارف، وفي هذا التقرير بيّن رأيه فيما ينبغي لإعداد معلم اللغة العربية. والمقترحات التي قدمها في هذا التقرير لا تزال صالحة الآن لإعداد هذا المعلم (ربط اللغة العربية بأصولها السامية، سعة العقل وفهم الصلة بين الأدب العربي القديم والحديث، ضرورة الملاءمة بين التراث اللغوي وعقول الشباب في هذا العصر الحديث.. إلخ).

وبوجه عام، فأغلب التصورات التي بلورها طه حسين حول تطوير التعليم، وإصلاح اللغة، والأمثلة العملية التي قدمها، في كتابه (مستقبل الثقافة) وفي غيره مما كتب، لا تزال صالحة حتى الآن للتأمل والتبنّي من أجل حل المشكلات التعليم في مصر وفي البلدان العربية.. وتحتاج الآن هذه التصورات والأمثلة إلى تأملها، والأخذ بما ينفع منها، وهو كثير، للنهوض بالتعليم في البلدان العربية كلها.

**
أعادنا طه حسين، في دعوته لإصلاح التعليم وإصلاح تدريس العربية فيه، إلى البديهيات، فنحن ـ بتعبيره "نفكر بهذه اللغة"، ونحن "نتعلم العربية ونعلمها لأنها ضرورة من ضرورات حياتنا الفردية والجماعية"..

لقد نبه طه حسين إلى أخطار تتصل بوضع اللغة العربية، وأشار إلى أن هذه اللغة في مصر (ويمكن أن نضيف: وفي كثير من البلدان العربية): "لغة إن لم تكن أجنبية فهي قريبة من الأجنبية، لا يتكلمها الناس في البيوت، ولا يتكلمها الناس في الشوارع، ولا يتكلمها الناس في الأندية، ولا يتكلمها الناس في المدارس"..

وأكد طه حسين أن هناك خطرا كبيرا من هذا الوضع كله، الذي يجب أن نصلحه، ورأى أن هذا الإصلاح يبدأ من التعليم.. وقد عبر عن هذا الخطر بنبرة أقرب إلى أن تكون قريبة من "الصيحة"، أو ربما "الصرخة".. وبكلماته:

"فالخطر الذي أنذر به إذا لم نتدارك اللغة وعلومها بالإصلاح والتيسير إن لم يكن واقعا بالفعل، فهو قريب الوقوع"..

كان هذا التنبيه إلى هذا الخطر قبل ما يقرب من قرن كامل.. وطوال ما يقرب من قرن كامل لم يأخذ أحد هذا التنبيه بما يستحق من اهتمام وسعي إلى التغيير.. سواء في التعليم أو في غير التعليم.. ولعلنا بحاجة ماسة الآن إلى هذا الاهتمام وهذا السعي.

لا زالت، للأسف، صيحة طه حسين، أو صرخته.. تتردد أصداؤها في برية بعيدة..  تبدو وكأنما لم يسمع بها أحد ولم يسمعها أحد.. رغم أن هناك كثيرين قد سمعوا بها، وكثيرين قد سمعوها..




أخبار اليوم السابع على Gogole News تابعوا آخر أخبار اليوم السابع عبر Google News
قناة اليوم السابع على الواتساب اشترك في قناة اليوم السابع على واتساب