نصف الانتصار فى معرفة طبيعة المعركة، ونصفه الآخر فى اختيار السلاح وحُسن إدارته، وضمان أن يظل قادرا على الاضطلاع بدوره وتحقيق الاختراق المطلوب، دون إفراط أو تفريط.
ولأن بيئة الصراع متحركة طوال الوقت، فالأدوات بحاجة إلى التجديد وإعادة الضبط، وشحذ قواها وترقية مهارات العاملين عليها، من غير أن يعنى ذلك القدح فى القديم، أو التعالى على ضرورات التغيير.
إنها المفاضلة الدائمة بين خيارات شتّى، والنظر الخلاق فى المتاح والمأمول، وتقليب الأوراق على كل الوجوه الممكنة، لأجل أن تُستكشف عناصر فاعليتها، أو يُعرف ما فيها من قصور، والطريقة المثلى إلى تجاوزه لما هو أصوب وأنفع، وإعادة بناء السردية وفق المتطلبات المستجدة، وبما يحقق الكفاءة ويقفز على العثرات.
وما من شك فى أن الإعلام لعب دورا شديد الحيوية على مدار السنوات الماضية، وكان واحدا من حوائط الصد العظمى فى أزمنة الفوضى والأعاصير، منافحا عن الدولة التى تهددتها المخاطر من كل اتجاه، وداعما لتثبيت دعائمها وسط أمواج متلاطمة.
كان الامتحان داخليا فى البداية، ثم اتسع وتنوعت زواياه، وصار حلقة نار تطوق الجغرافيا من أطرافها. تبدّلت الأوضاع بإيقاع متسارع، وتداخلت القضايا والأزمات مع بعضها، واختلط العدو بالصديق فى ملفات عِدّة، وما عاد خطاب الماضى صالحا للحاضر، ولا اندفاعة الانفعال بالخطر الوجودى، متناسبة مع سيولة الفضاء الإقليمى، وطبيعة التحديات التى تتلوّن وتُطل علينا بوجوه لا حصر لها، ولهجات بعضها فج وأكثرها رمادى وشديد المخاتلة والاحتيال.
وكما تتطور أجيال الحروب الخشنة بتمثلاتها التقنية المتطورة، فإن حروب الدعاية واشتباكات العقول لا تتوقف أيضا عن التطور. ولم يعد كافيا أن نحتشد لها بالتعبئة وترصيص الصفوف واعتماد لغة معيارية واحدة.
لم تعد مهارات البروز والمواجهة فى قتالات فردية مما يحقق غايات التصدى لمناوشات مستترة ومتصاعدة الذكاء، ولا انفتاح الميدان على غابة من الوسائل والأدوات يسمح بحصر المنازلة فى حلبة واحدة، أو بالطريقة التى كنا نألفها ونحسن استخدامها.
تعددت نقاط الاستهداف، وسقطت رمزية «حارس البوابة» وفاعليته، وبات لزاما علينا أن نعيد اختراع المهنة من البداية تماما، وعلى مُرتكزات مبتكرة ومغايرة، لا تتخلى عن الأصول والقواعد المعروفة طبعا، إنما فى الوقت ذاته لا تتخلف عن الاستجابة الاضطرارية لمقتضيات اللحظة وأشراطها، وعلى أحسن ما يكون الإعداد فى الرسالة والمرسل، وقياس الأثر وتقييمه، وإعادة الضبط والتأطير، والاسترشاد بفيض المعلومات الهادر من كل ناحية، الخصم منها قبل الحليف، والرخو قبل الصلب.
وليس لبناء نموذج بديل نُعلِّى أركانه ثم نرتاح لجدرانه، بل لاستحداث بيئة ديناميكية لا يعوزها التجدد الدائم، ولا تتوقف عن الانبعاث من داخلها شابة فتية فى كل لحظة، وقبل أن تتقادم الوصفة السابقة أو تفقد صلاحيتها بالتجربة والقياس.على تلك المقدمات، رأيت خلاصة الاجتماع الرئاسى قبل يومين مع رؤساء الهيئات الإعلامية، بحضور رئيس الوزراء مصطفى مدبولى، وما أسفر عنه من توجيهات تمس جوهر الصنعة الإعلامية، لناحية الحاجة الدائمة للتطوير، وموجبات الانفتاح الضامن للتعددية والثراء.
وعلى أن تكون القفزة محسوبة فى ضوء المتغيرات المحيطة، وتحت سقف الحاجات العضوية للقطاع ومنه، لأنه وإن كان خدمة بالأساس لمُنتج الخبر ومُتلقّيه، فإنه شريك ورقيب أيضًا، ومفتاح ضبط للعلاقة بين مكونات المجال العام، ولها مع المحيط الواسع من المجتمع الدولى، الذى نحتاج للبقاء على تواصل عميق معه، وبقدر ما نتلقى رسائله المتتابعة بكثافة وإغراق، نحتاج للرد عليها والاشتباك معها، ومقارعة ما يعنينا منها برسائل مضادة، وعلى ذات الدرجة من الإتقان والتفسير وتسويق الرؤى الوطنية الباحثة عن مكان تحت شمس المعارك النظامية الضارية.
وإذا كان العنوان العريض للاجتماع يتركز على الدور وعوائده، فإنه لم يكن بعيدا عن البنية وانشغالاتها الأولية. وهذا ما تجلّى فى الموافقة على صرف زيادة بدل التدريب والتكنولوجيا لأعضاء نقابة الصحفيين، والتوجيه بحل مشكلة مكافآت نهاية الخدمة للعاملين فى قطاعات ماسبيرو، وكذلك تنظيم دورات تدريبية وتثقيفية للمشتغلين فى صناعة الإعلام، جنبا إلى جنب مع بحث خطط تطوير المؤسسات الصحفية القومية واتحاد الإذاعة والتليفزيون، وذلك بالاستعانة بالخبرات والكفاءات المتخصصة، ومع الاستناد إلى الكوادر الشابة المؤهلة، ما يُشير إلى نظرة شاملة طُرحت تحت عنوان البحث عن «خارطة طريق»، وتؤشر عمليا إلى الرغبة فى استحداث عقل جديد للمنظومة، أو إعادة هيكلة كاملة، وليس إدخال تعديلات ظاهرية على الواجهة مع إبقاء المعمار على حاله القائمة.
والحال، أن الأداء الإعلامى فى حاجة ماسة إلى التحديث على كل المستويات، هذا ما تراه القيادة السياسية وتوجه به، وما يلمسه كل عارف بالمجال ويضع عليه يديه بأصابعها العشر. وما من دليل أكبر من رواج السرديات العدائية ضد الدولة المصرية، وأن منصات الإخوان ومن يرعونهم ما تزال مثيرة للإزعاج بعدما انطفأ وهج الجماعة نفسها، وباتت على مستوى الوجود والفاعلية أثرا بعد عين.
صحيح أن هذا يعود إلى ميراث طويل من الشحن العاطفى، وإلى تلاقى مصالح أطراف عديدة متضادة ومتخاصمة على اختصام القاهرة، بحثا عن دور أو تحميلا لها بأخطاء الآخرين، إلا أن المفعول المكافئ من جانبنا ليس على المستوى المطلوب، وما هذا لنقص الكفاءة أو ضبابية الرؤية وغياب الأولويات، إنما لأن البيئة الإعلامية غير مرتبة بالشكل الأمثل، ولا تنتظمها دماغ واحدة، وتستجيب للمستحدثات بوعيها الموروث، ودون إقدام على الدخول فى الزمن المتقلب بتداعياته المربكة.
وكى نكون موضوعيين، فالمسألة تعود فى الجانب الأكبر منها إلى تركة ثقيلة ورثناها من حقبة ماضية، كان الإعلام فيها محفوظا فى ثلاجة التوازنات السياسية، وبحسابات معقدة فيما يخص الأدوار والأهداف والأسقف المتاحة.
هذا ما كان عليه الوضع قبل 2011، وقد تعرضت المنظومة لخضّات قاسية بعد أحداث 25 يناير، كان من نتائجها التعرض المفاجئ للأضواء الكاشفة دون جاهزية أو استعداد، ما تسبب فى فوضى عظيمة تسلّطت على الصناعة كلها لعدة سنوات تالية، واحتاجت إلى إجراءات تالية لتجفيف رواسبها وإعادة ضبط البوصلة، ثم كانت مقتضيات الصراع مع الإخوان بعد ثورة 30 يونيو، وما فرضته من ضغوط لم تكن تحتمل رفاهية الشقاق والتجريب على غير بصيرة أو بيّنة.
وقد أشاد الرئيس كثيرا بما لعبه الإعلام من أدوار مهمة فى تلك المرحلة، وحتى الاجتماع الأخير لم تغب تلك الإشادة، لكن إرفاقها بالدعوة إلى التطوير والاستجابة للمتغيرات المحيطة، قد لا تعنى عدم الرضا عن الواقع، إنما تشير بوضوح إلى التطلع لما هو أكبر وأعظم أثرا ومردودا.
المشكلة الدائمة أن الإعلام موصول بكل فروع المجتمع وفعالياته الرسمية والمدنية، ومسؤول عنها أيضا فى الوقت نفسه. وعليه أن يستجيب لمتطلبات الأمن القومى، ويراعى حاجات الأفراد والمؤسسات، ولا يُقصر فى الكشف والمساءلة دون تفريط فى اعتبارات السلم وعدم إثارة النعرات الفئوية أو الطبقية.
بينما يتعرض بالتوازى لتبعات السياسة والاقتصاد، وطبيعة مخرجات التعليم التى ترفده بالموارد البشرية، وتقع عليه أعباء الضغوط الواقعة على الدولة فى كل مستوياتها، ومن واجبه الدائم أن يُوازن بين كل الاعتبارات على قدم المساواة، وبلا تقصير فى الرسالة أو افتئات على الأدوار.
أما معضلته الأكبر فتخص الموارد والاستدامة، وما أصاب نموذجه الاقتصادى من وهن وارتباك بأثر فوران الإعلام الجديد، ودخول الشركات العالمية بشبكاتها الإعلامية العملاقة على خط المنافسة واقتطاع كعكة الإيرادات المحدودة من الإعلانات، فيما لا تسمح الحالة الاجتماعية وبقايا نموذج الدولة «رب العائلة» بابتكار طوق أخرى للتمويل وتعويض فواقده، وأبرز نماذجها المعمول بها فى العالم صيغة الاشتراكات والدفع مقابل المحتوى.
لقد بُنيت العلاقة بالإعلام منذ البداية على أنه خدمة مجانية تقريبا، وترسخت الفكرة فى الوعى منذ تأميم الصحافة ثم الحفاظ على التليفزيون تحت صفة المرفق العام لعقود عدة، قبل إفساح المجال لاستثمارات خاصة لم تنحرف عن النموذج نفسه إلى اليوم.
وإذا كان صعبا تغيير ثقافة المجتمع، أو أنه لا إمكانية أصلا للتمويل من خلال المنتفعين المباشرين، فلا يعنى هذا أبدا الركون إلى تلك المعادلة الوحيدة، وعدم البحث عن مسارات أخرى لتحديث نموذج الأعمال الخاص بالإعلام، لا سيما بعدما انتقل الدفق الاعتيادى من المنافذ التقليدية إلى النوافذ الرقمية.
والمقاربة هنا فى حاجة إلى توسيع قوس الرؤية، والاستناد إلى بدائل عدة فى الوقت نفسه. من أول إتاحة مسار نوعى للخدمة مدفوعة المقابل، والاشتباك مع عمالقة التكنولوجيا العالميين بحثا عن حقوق عادلة لصناع الإعلام عن محتواهم المهدر، والأهم إعادة تكييف النظرة التشريعية بما لا يجعل اتفاقات عدم الازدواج الضريبى قيدا على استيفاء الاستحقاقات الوطنية، وتوجيهها لخدمة المتضررين بصورة مباشرة من العلاقات التعاقدية الطارئة على سوق الإعلان.
والقصد هنا يبدأ من الضغط لتعديل نسبة المنصات الإعلامية من الإعلانات الرقمية، ثم استحداث وعاء ضريبى يتناسب مع حجم العائد وتباعاته على الصناعة، وإعادة ضخ المتحصلات فى صندوق أو قناة ما توفر الدعم للكيانات، وترعى المشاريع المبتكرة والتجارب النوعية الساعية لتطوير المهنة وإثراء المحتوى.
من دون استقلالية مالية لن يكون بمقدور المنصات الإعلامية أن تخوض المنافسة، أو تحافظ على استدامة أعمالها بوتيرة صاعدة وقادرة على التجاوب مع التطورات المتسارعة والوفاء بالمتطلبات القائمة والمستحدثة. وليس بإمكان الدولة أن تغطى الاحتياجات العالية، ولو حتى على مستوى الصيغة الحالية لعلاقتها بماسبيرو والمؤسسات القومية فحسب.
إنما مع أهمية تلك النقطة، فلن يكون التطوير المطلوب ممكنا من دون تغيير شامل فى الاستراتيجية الإعلامية، وإعادة تأهيل للعاملين، وانفتاح أكد عليه الرئيس فى الاجتماع، وتزيده طبيعة اللحظة الحالية تأكيدا وأهمية، لأنه الخطوة الأولى نحو استعادة الثقة مع الجمهور، وبناء الولاء، وضمان أن يتحول الطلب إلى مرافق الإعلام مباشرة، أو عبر منافذها على الوسائط الرقمية، بحيث يعاد تعديل مسار الدفق الإعلانى المهدر من المنافسين وصناع المحتوى إلى الفاعلين محل الرهان عليهم، عندما يصبحون مؤهلين لاستقطاب تلك الجموع الهادرة من المتلقين/ الممولين فعليا.
أما تجربة الانفتاح والتعددية، فقد اختُبرت عمليا فى الحوار الوطنى منذ دعوة الرئيس السيسى فى إفطار العائلة المصرية، حتى إنجاز أحدث جولاته فى الفترة الأخيرة فيما يخص موضوعات الأمن القومى والسياسة الخارجية.
والحق أن جميع المشاركين كانوا على مستوى الحدث، من أول الاتفاق على أنه لا استثناء لأحد سوى المتورطين فى الإرهاب والدم، وإلى التوافق الهادئ فى أمور والاختلاف الناضج على غيرها، والتماس كل الأطياف مقدار الاحتياج إلى شراكة جادة ومثمرة، وإعادة ترميم تحالف 30 يونيو على مرتكزات وطنية صافية، ومن دون مزايدة أو تخوين، لا سيما أن الوقائع أفصحت عما كان غامضا على البعض، ولم تترك مجالا للشك فى استهداف الرابطة الوطنية الجامعة، من جهة النظام السياسى حينا، أو اللعب على التمايزات الأيديولوجية والمصالح الخاصة لبعض المجموعات أحيانا، ولا هدف من وراء ذلك إلا تقويض القوة الأكبر وآخر ما تبقى من أوتاد المنطقة الفاعلة عمليا، وليس بالدعاية أو الوفرة المالية غير المُنجزة.
والإعلام هنا ليس مجرد ضرورة لوصل المنقطع بين مكونات الداخل وعناصر قوته فحسب، بل أداة بالغة الأهمية فى التصدى للمربكات ومحاولات الإشغال من الخارج، وفى تأطير الرؤية المصرية وتسويقها على قدم المساواة مع بقية الرؤى المتضادة والمختصمة على بقايا الإقليم، ما يجعل مسألة إنعاشه وتفعيل أدواره واجبا مُعجّلاً لا يقل مركزيّةً عن امتلاك أسباب القوة الصلبة، وعن نشاط الأجهزة والمؤسسات الأمنية والدبلوماسية على امتداد مجالنا الحيوى طولاً وعرضا.
الغاية من مزج الانفتاح بالتأطير المنضبط، أن يكشف المزيج المضبوط عن التنوع فى الوحدة، والعكس، وأن يخلق توازنا استراتيجيا دقيقا بين خطابى الدولة والشارع، بحيث يُتاح تأكيد الثوابت الكبرى والحفاظ عليها، دون التضحية بهامش الاشتباك مع التشغيب وضربات ما تحت الحزام، على أن تعبر فى المقام الأول عن أطرافها، لا عن الإدارة الرسمية وعقلها الناظم للأولويات والاختيارات الوطنية.
وفيما يخص الاعتماد على الكوادر الشابة المؤهّلة، فإن تجديد الدماء من طبائع الأمور، والإعلام أحوج ما يكون لذاك الرافد المُهم، اتّصالاً بتطوّراته المُتسارعة وتغيّر لُغته فى كل يوم عن السابق. ثمّة أشكال مُستجدّة للمحتوى، ومنطق أكثر بلاغة وتجاوبًا مع الأجيال الجديدة على صعيد المضامين والرسائل، وأدوات تقنيّة مُبتكرة فى المعالجة البصرية وإمكانات الذكاء الاصطناعى، وكلها تحتاج إلى إنعاش بمدد من العقول الطازجة والخيال الخلّاق، إنما على شرط التأهيل المعرفى وصقل المهارات الفنيّة والمهنية، وهو ما يُمكن أن تضطلع به مؤسسات عدّة على رأسها النقابات المهنية والأكاديمية الوطنية للتدريب ومعهد ماسبيرو، بالشراكة مع الجامعات وكليات الإعلام، ومع المكاتب الإقليمية للشركات والمؤسسات الإقليمية والدولية.
وإلى ذلك، فإن المجال لا يخلو من استسهال وخروجات، ربما تتجلّى بالدرجة الأكبر فى بعض التجارب الوافدة حديثا على السوق، من مواقع صحفية أو شركات محتوى تُراهن على المنصات الاجتماعية ونموذجها الربحى، ويقودها زخم الأحداث الرائجة ومُغازلة شهوة الجمهور للتلصص والمعالجات اللاذعة، وهى مسألة ينبغى أن تكون محل نظر فيما يخص الرقابة المهنية والضبط التنظيمى والقانونى، وتأهيل العاملين عليها وإخضاعهم للاعتبارات الضامنة لكفاءة الأداء وعدم انحداره إلى مستوى الإرضاء الفجّ لنزوات المُتلقّين، أو النفاذ من شقوق المجال العام للانتفاع بما لا تتصدّى له المؤسسات النظامية الكبرى، أو تأنف وتتحرج من التعاطى معه بتلك النزعة التجارية المندفعة بفجاجة وانتهازية فى غالب الأحيان.
التنظيم مع الانفتاح، والتعددية مع تأطير السردية وتجذير مفرداتها عالية الأهمية. احتواء الجميع مع تقديم الكفاءة والالتزام المهنى، وتطوير الوسائل والأدوات من أول تدريب العاملين وتأهيلهم، وإلى إدخال التقنيات المُستحدثة وفق الحاجة الحقيقية، أى أن يكون الذكاء الاصطناعى على سبيل المثال مُعينًا لا بديلاً، والتنويع فى أشكال المحتوى عن بصيرة واستقراء للسوق، لا عن استجابة للصرعات والموضات فحسب. ضبط القاعدة الفردية سيُصلح كلَّ ما فوقها، إنما مع الاهتمام بأن يكون لكلِّ مؤسسة عقلٌ خاص مُتجدّد، وناتجٌ من مجموع رؤى القيادات والكفاءات، ضمن ورشة عملٍ مفتوحة للجميع، وقادرة على الفرز والانتقاء بموضوعية وتجرُّد.
دخول الرئاسة على الخط يُبشِّر بالاعتدال والعافية، وبإنهاء حال الجُزر المنعزلة بين المؤسسات المعنية بالإعلام، ودخولها فى شراكة حيوية فيما بينها، ومع الشركاء النظاميين والجهات الموكلة بالتشريع والتنفيذ. ويفتح الباب لاستكشاف الجيد وتعظيمه، واستشراف المُستجدّ والاستعداد له، مع استدراك العاملين بالمجال على أنفسهم، لحلحلة الجامد وسد ثغرات الأبنية المُستقرّة بالإرث ورتابة الاعتياد.
الاستفادة من الخبرات، واستبصار الكفاءات وتفعيل إمكاناتها، وضمان أن تكون بذرة لإنبات المزيد، وخميرة تُنضج بيئة العمل وتُعزِّز مهارات العاملين جميعًا، بالحيويّة والتفاعل الخلّاق، وبآلية منتظمة ومُستدامة لا نحتاج بعدها لإثارة السؤال نفسه بعد فاصل زمنى قصير.
الإعلام مسألة أمن قومى، والرئيس يُدرك هذا وينطلق منه فى توجيهاته المُعلَنة عقب الاجتماع المذكور، وواجب اللحظة على مَن تلقّوا التكليف، وعلينا جميعًا، أن نكون على قدر المهمّة، إحاطة بها أوّلاً، ثم سيرًا حصيفًا وواعيًا على ضوئها، لأن ما تجاوزناه طوال السنوات الماضية يبدو أنه الجزء الأسهل، وأن أعباء المقبل أثقل وأكثر إرهاقا، وتحتاج حلولاً من خارج الصندوق. إنها حرب تفوق سابقاتها، أو جولة أصعب من الجولات التى تجاوزناها، ويتوجّب أخذها بحقّها كما يليق بالمعارك الفاصلة، والمُقاتلين العازمين على النصر.