مسيرة كفاح الشعوب دومًا تجنى ثمارها اليانعة، سواءً ارتبطت بتحريرها، أو تنمية مواردها، أو استكمال بناء أوطانها؛ ففي كل الأحوال تخرج من غيابات الظلام لنور، يشرق يملأ أرجاء النفوس، ويضيء جوانب القلوب، التي كثيرًا ما عانت من أجل أن تبلغ أمانيها المشروعة، وهنا نتذكر يومًا أعلن فيه بصوت جلجل أركان المحروسة نادى بإسقاط الملكية؛ لتحل مكانها نظامًا جمهوريًا، يحقق العدل، والمساواة، ويعلى من قيمة الإنسان، وقدره على تراب وطنه؛ لتصان كرامته، ويتوافر له قوت عيشه، من أرض عاش عليها، وترعرع في ثراها.
ثورة 23 يوليو المجيدة ساعدت في أن يشعر المواطن المصري بكينونته؛ فصارت لديه أملاك، وأرض، يستزرعها، وينعم بخيرات تدرها، جراء عبق عرق جهوده المضنية؛ حيث قضت الثورة المباركة على كل ألوان الإقطاع، الذي كان بمثابة هتك لحقوق الشعب، واقتناص لثرواته لفئة بعينها، ارتضت أن تمثل عليه الوطن، دون تورع لماهية الاندماج الاجتماعي، والتكافل؛ فالأمر كان يتعلق حينها بمنح، وعطاءات ملكية، تغلق أفواهًا، وتقهر قلوبًا، وتسكر خواطر؛ فلا مكان لعدالة، ولا منزع لمساواة بين طبقية مقيتة في مجملها.
حرية الشعب المصري حينذاك أتى بها رجال شرفاء، قد تحملوا أمانة الحفاظ على الأمة المصرية؛ فكانت بمثابة إطلاق عنان الحرية، التي كسرت كل متجبر على أرض المحروسة، وساهمت في غرس قيم الولاء، والانتماء لتراب الوطن؛ فدومًا قلوب المصريين حريصة على صون مقدرات هذا البلد، وصونه من أي اعتداء يستهدفه الطامع، أو المعتدي؛ لذا تجد هذا المجتمع المتفرد بكل فئاته، وأعماره يدًا واحدة، لا يستطيع كائن من كان أن يفرق جمعه، أو يبث الفتن بين أطيافه؛ فالمحن في مصر تجمع، ولا تفرق دون جدال.
إن امتداد نجاح أهداف الثورة المجيدة، وبقاء طيب أثرها في الأفئدة كان سببه مجانية التعليم، التي خلقت مجتمع واعٍ، يفقه بحق ماهية الحرية المسئولية، والاصطفاف من أجل بناء، وبقاء الوطن؛ فالولاء، والانتماء، لا ينفكان عن مناخ حاضن لأبناء الوطن جميعًا، يحثهم على اللحمة، والتماسك، ومقاومة، ومجاهدة، ودحر كل عدوان، أو جور على أرض، شهدت ملاحم، سطرها التاريخ عبر الزمان، ولا ننكر حقيقة آنذاك أنه ما شجع على التحاق أبناء الشعب المصري العظيم بالسلم التعليمي مجانيته، التي كانت من أهم الأولويات لثورة 23 يوليو؛ لتستوعب الذكور، والإناث، وتلقي بصورة التمييز في اليم.
الثورة التي قامت على كاهل رجال، وشعب يعي المسئولية، ويدرك ما وراء ذلك من خير وفير، لجيل تلو آخر، حولت مجرى الاقتصاد الذي كان يحوزه الطامع؛ ليعود على أبناء الوطن؛ فأصبحت أمواله، وبنوكه، ومؤسساته، وشركاته مصرية خالصة للدولة، دون منازع، وصار المجرى الملاحي خاضعًا للسيطرة بقرار التأميم الجريء، وأصبح حلم السد واقعًا ساعد على نهضة مصر الزراعية، وحول كثيرًا من ربوعها إلى أرض خضراء، يكسوها أشجار، وزراعات، ما كان لها أن تنبت إلا بفضل الله – تعالى -، وتنظيم آليات الري، التي تم تفعيلها بعد تدشين السد العالي.
سر نجاح ثورة 23 يوليو 1952م كان هو الإخلاص لهذا الوطن، وقد كان ممتزجًا ما بين رجال الجيش، وجموع الشعب، الذي أيد، وناصر، وخرج عن بكرة أبيه؛ ليدحر الظلم، والقهر، وينهي حالة الاغتصاب، التي نالت من موارده، ومن حريته، ومن تحكمه في كل أصول، وممتلكات الدولة المصرية؛ ليصبح الشعب هو الحاكم الرئيس، والقائد الأعلى، الذي يفرض رأيه؛ لذا فقد كللت بالنجاح، والفلاح، دون خسائر فادحة، أو هدم لكيانات، ومؤسسات، وهذا يعود أيضًا إلى فضل قادتها حينذاك، التي أطاحت بالطغاة، واتخذت الإجراءات، التي شكلت سياج الحماية للوطن، وشعبه في شتى ربوعه.
ثورة يوليو ستظل ملهمة للمصريين، ولمن يبتغي سبيل الحرية، وبناء وطن آمن، حر، مستقر، لا يخضع إلى جماعات منحرفة، أو ولاية مشروعات توسعية، أو حكم بالولاية، والتوجيه، ستظل الثورة المجيدة مرسخة للديمقراطية، والحرية في إطار المسئولية، لا منهجية التحكم، والانحياز، والتكالب من أجل غايات، لا تخدم المصالح العليا، بل، تخدم أجندات مغرضة، سنظل شعبًا متماسكًا، مصطفًا خلف وطنه، وقيادته السياسية الرشيدة، رادعين، قاهرين عن كل معتد، أبد الدهر.. ودي ومحبتي لوطني وللجميع.