عقب أحداث الساحل فى مارس الماضى، تعهدت إدارة الأمر الواقع فى سوريا بمحاسبة المتورطين، وعصمة الدم البرىء، والأهم أنها لن تتكرر مجددا.
والمشهد بحذافيره يُعاد فى السويداء جنوبا، بالانتهاكات والتعهدات نفسها، والخشية كلها من ألا تكون آخر المذابح بحق مكونات أصيلة وليست طارئة فى بيئة الشام، لأنه لا إشارة واحدة حتى الآن تطمئن إلى استيعاب الدروس، ولا علامة على تغيُّر الأفكار المتسلطة على ذهنية الحكم الجديد.
توقف القتال واندلع مرتين فى أسبوع واحد. وأخطأت الأطراف جميعا فى استقراء الوقائع والاستدلال بها على التوازنات المحدثة؛ لكن خطيئة الحكومة أكبر بما لا يقاس على الآخرين.
أولا لأنها تراخت بعد أحداث جرمانا وأشرفية صحنايا قبل أسابيع، ثم سمحت بوقع الاشتباك الأخير، وبدلا من توظيف سلطتها على العشائر البدوية رحّبت ضمنيا بالتصعيد، وفتحت الباب للفزعة وحشد المقاتلين من بقية المناطق.
وفيما بينهما، كانت عناصرها طرفا أصيلا فى القتال لا الأمن، وارتكبت خروقات ثابتة بحق المدنيين من الدروز، بجانب الروح الطائفية التى هيمنت على حركتها، فى الخطاب والممارسة، ومن أرفع رأس حتى أدنى مرتبة فى تشكيلاتها المسلحة.
لم يكن الوضع مثاليا؛ لكنه كان أفضل ما يمكن التوصل إليه بحسب المعطيات الراهنة. ويبدو أن الجولانى ورجاله انقلبوا على الصفقة المبرمة مع الجبل، وسعوا إلى إعادة تكييفها على وجه يحقق تطلعاتهم الخاصة، فيأخذ ولا يعطى، ويتسرّب من شقوق المواءمات الخارجية لإملاء الإرادة على التخوفات الداخلية.
وفى السبيل لذلك؛ لم يُعبّدوا الطريق مع الدروز وغيرهم من بقية الهويات المأزومة، بل اكتفوا بأنفسهم عمن سواهم، واسترشدوا بمخرجات الحوار مع القوى الإقليمية والدولية، عن التزامات البحث عن لغة مشتركة وجامعة مع الفضاء الوطنى على تنوعه واتساعه، وعمق هواجسه الموروثة والمتضخمة.
لا أحد يعرف خلاصة نقاشات باكو وحقيقتها الكاملة. كل ما يُشاع أن جولات حوار جمعت وفودا من دمشق وتل أبيب فى عاصمة أذربيجان، برعاية أمريكية ومواكبة تركية.
والظاهر أن الخفة وانعدام الخبرة قد دفعا مندوبى هيئة تحرير الشام إلى الاستدلال الخاطئ، بدءا من اعتبار اللقاء اعترافا بالسلطة الجديدة، وإلى استشراف أنه يُطلق يدها فى الانتشار وترتيب البيت على هواها؛ ولعل هذا ما كان يقصده وزير الخارجية الأمريكى ماركو روبيو، حينما تحدث عن «سوء تفاهم» بين العاصمتين.
المؤكد أن إسرائيل لا يعنيها الدروز من قريب أو بعيد، وليست فى وارد الدفاع عن أحد سوى مصالحها المباشرة. فيما تقتضى الأحوال أن تكون المسألة الدرزية فى صلب اهتمامات دمشق، ومن جهة الإقناع والاحتواء والتسوية، لا الإملاء وفرض الإرادة بصيغة الإذعان.
ومع حقيقة أن العدو يتربص بالجغرافيا والديموغرافيا على السواء؛ فإن التعالى على واجبات الحُكم الرشيد من جهة الرئاسة السورية يبدو كأنه يُمدد الذرائع للصهاينة، والأسوأ أنه يتخذ القضية نفسها وسيلة للاستعراض وإثبات القوة، والاستحصال على ما يمكن مقايضة الاحتلال عليه أو إزعاجه به، وليس أنه يُلملم شتات البيئة ويُعيد إعمار البيت المتهدم.
الحساسيات الطائفية فى أَوجها. هكذا كانت سوريا بدرجة من الدرجات تحت حكم البعث، وتعاظمت الأزمنة بعد استبدال الجولانى بالأسد/ السنى بالعلوى/ الأموى بالحسينى، وجندى العثمانية الجديدة بتابع الشيعية المُسلّحة.
ما تزال عملية الإحلال فى بدايتها؛ لكنها لم تتخلص من نكهتها المذهبية بما فيها من صراعات محتدمة على الهوية والثقافة والتاريخ، ولا يبدو أنها بصدد التحرر من ردائها الملون، أو الخروج على محددات التأطير البدائى للمشروع وانتماء أصحابه، أو الموكّلين بتمثيله ظرفيا وبصفة مؤقتة.
وفى سياقات مركبة ومُربكة كالتى يعيشها الشام، لا تعود اللغة مُحايدة فى دلالاتها المعروفة، ولا الرسائل مجردة من حمولاتها القبلية والولائية.
صحيح أن سوريا خليط من المكونات العرقية والعقدية، ولا سبيل لتوصيف ذلك إلا بمسمياته الحقيقية التى تُحيل لمدلولات محددة، عن الأغلبية العربية فى مواجهة أقليات عرقية عدة، وغلبة المكون الإسلامى بما فيه من أغلبية وأقليات أيضا.
إنما لا يمكن الاطمئنان إلى الدوال نفسها حينما تُساق على لسان مكون طائفى استئثارى، بحيث لا يعود الاستشهاد من قبيل الإثبات وسوق البيانات الوصفية، بقدر ما يُعبر عن فرز ضمنى ومغالبات مقصودة.
فى حديثه الثانى منذ اندلاع المقتلة قبل أسبوع، تحدث الرئيس الشرع/ أو محمد الجولانى سابقا وحتى الآن، عن التزام الدولة بحماية الأقليات والطوائف كافة، والمضى فى محاسبة المنتهكين من أى طرف كان.
لكن الأزمة أنه لم يُحيّد نفسه أصلا منذ البداية، وما زال يتحدث ويدير ويتصدى لمهامه من منظور طائفى، وباعتباره نائبا عن الأغلبية السنية الباحثة عن ولاية عامة بحكم التفوق العددى، وليس ممثلا للمجموع الوطنى الباحث عن معادلة مدنية جديدة تتولد منها الشرعية وتتحدّد الأَوزان، ويكون الحضور والترقِّى فيها بشَرطَى المواطنة والكفاءة، لا باعتبارات مذهبية تتضاد مع الفكرة الدولتية أصلا، وتُرتب الجدارة بعوامل إيمانية وولائية لا يمكن قياسها، ناهيك عن أنها من عمل البداوة لا التحضر والحداثة والاجتماع الناضج.
والقصدُ؛ أن مفردة «الأقليات» لا تعود لها ذات الدلالة المجردة من التطييف والاحتكار. وهى على لسان الجولانى مختلفة من نطقها ومحمولها عما لو قالها سياسى علمانى أو أكاديمى متخصص فى العلوم الاجتماعية. الدولة المدنية الحديثة لن تتحسس من الكلمة، وستُنزلها فى صلب بحثها عن صمغ يوثق الرباط بين المكونات.
أما رئيس الأمر الواقع فينطقها من ضفة الأغلبية المذهبية التى يقف عليها، وباعتبار الإجراء المبشر به نسخة محدثة من فقه الذمية ومكرمة السلطة الأصولية على المختلفين، لا من منطلق الندية والمراكز المتكافئة. وإلا كانت الدولة استدعت تلك الأقليات أصلا للشراكة فى ورشة البناء، والاتفاق على المرجعية المعيارية التى تقاس بها علاقة المكونات ببعضها، وتحت سقف القانون المدنى الواضح والمحدد، لا مجرد حسن النوايا والتفضل الشخصى من جانب الرئيس ومن معه من سلطة الحل والعقد.
وبهذا المنطق؛ فليس مأمولا أن تُفضى المحاسبة الموعودة إلى شىء ملموس. لقد جرت وقائع المذبحة بحق العلويين فى الساحل قبل ما يزيد على أربعة أشهر، وتشكلت لجنة تحقيق بمهلة شهر واحد، مُدِّد لاحقا لفترة مثيلة، وما من متهم محدد أو مدان موقوف حتى الآن. وإذا صحّت التخوفات؛ فلن يُسأل القتلة فى اللاذقية أو السويداء؛ لأن الشرعية مبنية بالأساس على منطق التغلب بالسيف، وحجية فصيل من بين السنة على الطائفة كلها، وبقية الطوائف والأعراق أيضا.
وعليه؛ فلن يُؤخَذ مُؤمنٌ بكافر، حتى مع التنويعة المحتملة على فلسفة التكفير، لتُحمَل مرّةً على المُغايرة العقائدية، ومرَّات على الاختلاف الوطنى، بين الهوى الشيعى تارة والاتهام باستدعاء الصهاينة تارة أخرى. فالمهم؛ أن حظيرة الإيمان لا تتسع إلا للون واحد، يصطبغ بالدين أو المذهب أو الوطنية المحرفة بحسب الأحوال.
لن تقوم لسوريا قائمة، بينما تعلق بصرها على المستقبل، ويرتد بها قادتها الظرفيون إلى أغوار الماضى السحيق. ستظل بهذا موعودة بالمذابح والمنغصات، ولا تغادر إحداها إلا لتتحضر للتالية.
وتحت هذا الغطاء تتبدَّل المعانى وتتشوّه، قصدًا أو باستخفافٍ عظيم من ولاة الأمر، فلا يعود مُشينًا لديها أن تحاور المُحتلَّ جنوبا، وتغض الطرف عن احتلالٍ آخر فى الشمال، وبدلاً من بناء الإجماع داخليًّا لتُقابل الخارج كتلة واحدة، تدير نمطا تَرضَويًّا من التوافقات مع القوى المحيطة؛ ثم توظفه لتطويع البيئة المحلية، لا إنهاض الدولة كلها معا بكامل العناصر والمكونات.
فكأنها تقلب الصورة رأسا على عقب، وتلعب على التناقضات لصالحها وحدها، فيما تتعاظم أطماع الرعاة والمفاوضين من وراء الحدود أو عمقها، ويزاد النسيج الوطنى تفسخا واستعصاء على الترميم والحياكة المطلوبة.
لم يكن هياج الدروز والعشائر مفاجئا أو غير متوقع، ولا تغوّل الإسرائيليين بأطماعهم المعروفة ونواياهم المعلنة. الغريب ما كان من رأس السلطة فى دمشق، أمس واليوم، وحتى آخر لحظة يعلن فيها عودة الدولة للجنوب شكلا، وتخليها عن الأدوار المنوطة بها فى المضمون.
وأشد ما يوجب القلق، أن الجولانى تبنى سردية طائفية يطفح منها الانحياز المذهبى للبدو السنة، عندما علّق جريرة الاقتتال على الميليشيات الدرزية حصرا، وأفرط فى الحديث عن جرائمها واستدعائها للخارج، فيما أرقام الضحايا وطبيعة التجاوزات الموثقة بصريا تسير فى اتجاه آخر.
كما لم يقترب بأى هامش من انتهاكات عناصره الأمنية؛ كأنهم ملائكة لم تثبت بحقهم أعمال وحشية من قبل، أو أنه يُغلب رابطة الأصولية وأخوة السلاح السابقة معهم، أو يخشى انقلابهم عليه قبل أن تكتمل له الهيمنة فى عموم البلاد، وكلاهما ينبئان عن مسلك لا يُرجى منه أى خير للأسف، ولا يمكن أن ينتهى إلى الحوكمة والحكم الرشيد ولو بعد عقود.
القلوب مرتجفة ومُتشقِّقة فى الساحل، وأُضيف الدروز إلى قائمة الارتياب والقلق، وبينهما المسيحيون الذين فُجّرت كنيستهم ولم تُظهر الدولة غضبة تتناسب مع الحدث. وبطبيعة الحال يجلس الأكراد على حافة الهلع والرجاء، ويتوقعون أن تكون الجولة الثالثة معهم؛ أقله لأن السلوك الظاهر يشى بمتوالية رياضية لاصطياد المكونات بتدرج صاعد، من أضعفها وأكثرها انكشافا إلى الأقوى والأكثر استعدادا.
وإن صحَّ الافتراض؛ فستكون الأسابيع المقبلة فاصلا لإعداد خطة التحرش بالمكون الثالث فى الشرق والشمال الشرقى، وبالطريقة نفسها التى أوقعت الجولانى فى فخ نتنياهو، أى أن يستدل من حواراته مع المبعوث الأمريكى توم برّاك على ترحيب واشنطن بالحسم فى القامشلى ومناطق شرق الفرات، مُستعينًا على أحد أطياف السوريين بحلفاء الأناضول وميليشيات الجيش الوطنى ذى الهوى والتسميات العثمانية، قبل أن يُضطر لتوافقات إجبارية لاحقة على الخطيئة، وبعدما يتصدع جدار جديد فى معمار الكيانية السورية الجامعة.
أُعيد إنتاج الجولانى فى صورة الشرع؛ لكن الفكرة نفسها لم يُعَد تحريرها تحت خيمة الدولة، أو من منظور التوافق الوطنى على بدائل موضوعية وأكثر قابلية للاستمرار، عن طائفية الأسد وأيديولوجية بعثه الصارخة. إنها حتى الآن مجرد محاولة لابتعاث النظام القديم فى رداء جديد، والانقلاب على الذاكرة الدامية بمقدمات لا تقود إلا إلى النتائج نفسها.
والخلل إنما ينبع من التضليل وخلط المفاهيم، ومحاولة إلباس الحرب الأهلية لباس الثورة، واعتبار الانتحال المذكور موّلدا كافيا للشرعية. فيما البلاد بعد الثورات تكون فى حاجة إلى الهدم والبناء، وبعد الاحترابات الأهلية يتعين عليها الدخول فى هدنة عاجلة، وتغليب منطق الإصلاح على شهوة الإرباك والتغيرات الحادة.
وما يحدث أن الجولانى يجمع بين ما لا يجوز جمعه معا، إذ هو ثورى فى اختصام سلفه وتعقب الشيعية المسلحة، وإصلاحى فى التعجيل ببناء مرافق الحكم؛ ولو باستبعاد الأغلبية المعنوية الممثلة فى خليط الأعراق والأديان والمذاهب، وهى تركيبة لا يصلح الفرز والعد والتذرع بالأحجام لحسمها نهائيا، وللأسف الشديد.
لا يمكن أن تُبنَى الشرعية إلا على الأسس التى هُدمت بها سابقتها. دولة مدنية جامعة يُراد تخليصها من سطوة الأقلية المذهبية والأيديولوجية، وليس مجالا مشاعيا يُستعاض فيه عن ديكتاتور بآخر، وعن نكهة إلغائية بأشد منها وأخطر.
والقصد أنَّ وَصل الجغرافيا ببعضها لا يمكن تحقيقه بالسلاح، ولن يدوم الاتصال حتى لو أنجزته القوة. الأولوية أن يتشارك الجميع فى محددات الهدم والبناء، وفى الاتفاق على كل الأمور فى الصغير منها قبل الكبير، بدءا من العدالة الانتقالية للمحاسبة واستيفاء الحقوق، وحتى صياغة ملامح الانتقال طوال الفترة المؤقتة، والشراكة الكاملة فى رسم خرائط المستقبل تشريعا وهيكلة وتوازنا بين المكونات كلها فى الحقوق والواجبات.
أمَّا ما يُشيع القلق؛ فيخص استئثار الجولانى ومجموعته بالمرحلة فى كل جوانبها. مطالبة الجميع بسداد كل ما عليهم؛ دون موعدة واضحة فيما يخص حقوقهم أو آلية استيفائها. وإذ لا يُقبل الانفلات وشيوع السلاح فى أية صيغة نظامية ناضجة؛ فالواقع أن المأخذ نفسه يثبت بحق السلطة قبل مناوئيها، بين ميليشيات تتفلت من بين أصابع الجولانى، واستبداد بالقرار فى كل التفاصيل، وتفكيك للرابطة للوطنية منذ إلحاق المقاتلين الأجانب بمراتب رفيعة فى الجيش الجديد.
وهنا لا يغنى أى خطاب وردى عن الوقائع الرمادية الماثلة؛ إذ يتقدم الإرهابى الأجنبى على السورى الدرزى والعلوى والكردى ومن بقية المكونات؛ لمجرد أنه شريك تنظيم سابق أو يحمل فى رقبته بيعة للأمير. والأمير يقدم نفسه رئيسا؛ إنما بشرعية سماوية، وحقوق على الأتباع بالسمع والطاعة فى المنشط والمكره، والتزام تجاههم بتغطية الخروقات، وألا يُسأل وافد منهم فيما أراقه من دم مواطن.
تجاوزت إسرائيل اتفاقية فض الاشتباك الموقعة فى العام 1974، وتعُدّ نفسها فى زُمرة الوارثين لتركة البعث والعائلة الأسدية.
ما يعنى أنها لن تعود لخطوط الفصل السابقة، ولن تُخلى مواقعها فى الجنوب السورى ومُرتفعات جبل الشيخ، وبطبيعة الحال لن تتوقف عن الاستثمار فى الفُرقة الداخلية، واللعب على الأوراق التى يُزجّيها لها النظام أو يتركها عُرضة للاستغلال والتوظيف.
وإذ يُلام أى طرفٍ يتقارب مع الصهاينة، دُرزيًّا كان أم كُرديًّا؛ فالملامة نفسها على سلطة دمشق التى تُغلِّب المواءمة مع العدوّ على التوافق مع الشقيق، وتُخلِّى الساحات الخلفية والأمامية لمُجرَّد ألا تُقدِّم فيها الحدّ الأدنى من التنازُلات الضامنة للتعايش، والمُحصّنة للدولة مِمَّا يُراد بها. وهذا مع افتراض حُسن الظن فى الجولانى، وأنه ليس شريكا فى المُخطَّط المشبوه.
لا بديل عن الارتداد خطواتٍ إلى الوراء. عن الرجوع إلى ديسمبر الماضى، والاعتذار عمَّا كان طيلة الشهور الماضية. إعادة إشراك المجموع الوطنى بكل مُكوّناته فى ورشة البناء، وفى خطّة الإدارة الانتقالية من مواقع الفعل واتخاذ القرار. إذا كانت سوريا تواجه خليطًا من الأعداء؛ فإن السوريِّين على تنوّعهم يجب أن يظلّوا مُستثنين من تلك الحسبة.
حُلفاء العثمانية الجديدة ليسوا أقرب لدمشق من السويداء والقامشلى واللاذقية، ولا ينبغى تقديمهم عليها، والمقاتلون الأجانب ليسوا شركاء فى الشام أكثر من أهلها. ورئيس الأمر الواقع فرضته الظروف، وليس محلَّ إجماع أصلاً، ويتعيّن عليه ألا يكتفى بقبول الرُّعاة والطامعين من الخارج، بديلاً عن الاعتراف به والإقرار بسلطته من أصحابها الشرعيِّين فى الداخل.
سوريا الحالية على حرفٍ من الضياع، وإدارتها ليست على قدر اللحظة للأسف. وما لم يُعَد النظر فى آلية الإدارة المُعتمدة؛ فقد لا يكون الجولانى وحكومته أكثر من فاصل عارض فى عُمرها الطويل.
إنما الخطر أنه بالاستخفاف قد يُسلّمها إلى حقبة أصعب مِمّا عاشته مع الأسدين، وطوال حربها الأهلية الممتدة للأكثر من ثلاث عشرة سنة. قد يبقى؛ لكنه بقاء التشرذم والأزمات المتوالدة من أرحام بعضها، وقد يرحل بسقوطٍ مدوٍّ تحت سطوة الفوضى، أو باستبدالٍ مُخطَّط له من جهة الرُّعاة.
الضمانة الوحيدة سورية فقط، ويجب أن تظل هكذا، وأن يُخلص مَن وضعتهم الظروف لها، أكثر من إخلاصهم لذواتهم أو أى طرف آخر.