هويدا عزت

الموظفون الشطار لا يصنعون النجاح وحدهم داخل المؤسسات

الأربعاء، 23 أبريل 2025 09:25 ص


تخبرني صديقتي أن مديرها استعان بأشخاص من خارج الإدارة لتنفيذ مهام كان بالإمكان إسنادها لموظفين من داخل الفريق نفسه، هؤلاء الموظفون يمتلكون المهارات الأساسية، وكان بإمكانهم، مع قليل من التوجيه والتدريب، أن يؤدوا المهمة بكفاءة أعلى وتكلفة أقل، هذا الموقف يعكس تحديًا شائعًا في كثير من المؤسسات، وهو غياب الثقة في الكفاءات الداخلية، وعدم استثمار المهارات الموجودة فعليًا داخل الفريق، وحين لا تُمنح المواهب الداخلية الفرصة الحقيقية، لا تفقد فقط فرصة تطوير الفريق، بل يُخلق أيضًا شعور بالإحباط وفقدان الدافع.

في بيئة العمل الحديثة، لم يعد مجرد توظيف الأشخاص الأذكياء أو "الناس الشاطرة" كافيًا لتحقيق التميز المؤسسي، فكثير من المؤسسات قد تمتلك فرقًا موهوبة، لكنها تفشل في ترجمة هذه المهارات إلى إنجازات فعلية، يعود ذلك إلى فجوة كبيرة بين امتلاك المهارة وحُسن استثمارها؛ فالمهارات بدون نظام داعم، قيادة واعية، ورؤية واضحة، تبقى كالجواهر غير المصقولة، لا تلمع ولا تثمر، هذه الحقيقة تضع المؤسسات أمام تحدٍ حقيقي: كيف يمكنها تفعيل الطاقات الكامنة داخل فرقها؟

على الرغم من وجود موظفين ذوي كفاءات عالية، إلا أن كثيرًا من المؤسسات لا تمتلك آليات فعالة لاكتشاف وتوجيه هذه الكفاءات، يحدث هذا عندما تُدار المؤسسات بأسلوب تقليدي يركز على المهام اليومية دون ربط واضح بين المهارات والنتائج المطلوبة؛ فالمهارة ليست وحدها هي العامل الحاسم، بل البيئة التي تحتضنها، والمؤسسات التي تخلق مُناخًا من الثقة، الدعم، والتحفيز هي الأقدر على إطلاق العنان لقدرات موظفيها، أما تلك التي تُقيد الإبداع وتخنق المُبادرات، فتنتهي بمهارات مُعطلة.

ويؤكد تقرير صادر عن "مؤسسة غالوب" نُشر العام الماضي، بعنوان  "State of the Global  Workplace " على أن المؤسسات التي تنجح في دمج مهارات موظفيها بشكل فعال تحقق مستويات أعلى من رضا العملاء، وزيادة في الربحية، وتقليل في معدلات دوران الموظفين؛ مشيرًا إلى أن الاستثمار في تطوير المهارات وتوفير الفرص للموظفين لتطبيق هذه المهارات في مشاريع حقيقية يعزز من شعورهم بالتقدير والمساهمة، مما ينعكس إيجابًا على أدائهم وولائهم للمؤسسة.

كما يدعم التقرير بشكل واضح الفكرة القائلة بأن امتلاك موظفين ذوي مهارات عالية لا يكفي وحده، بل يجب على المؤسسات أن تخلق بيئة تُمكن هؤلاء الموظفين من تطبيق مهاراتهم بفعالية لتحقيق نتائج ملموسة في رضا العملاء، الربحية، وتقليل دوران الموظفين.

ويبقى التحدي الحقيقي للمؤسسات ليس فقط في معرفة من يمتلك المهارة، بل في كيفية تحويل هذه المهارات إلى قيمة مضافة، ويتم ذلك من خلال التخطيط الذكي، التقييم المستمر، وتوزيع المهام بحسب الكفاءة، لا بحسب الترتيب الوظيفي، حيث أن المؤسسات لا تُقاس بعدد الموظفين الشطار، بل بقدرتها على صناعة الفارق من خلالهم؛ فالمهارات الفردية لا تصنع النجاح ما لم تحتضن في إطار مؤسسي يُقدر، يُنظم، ويستثمر. لهذا، فإن السؤال الحقيقي الذي يجب أن تطرحه كل إدارة هو: "هل نحن نستثمر في المهارات أم نتركها تُهدر؟

إن بناء ثقافة مؤسسية تُقدر مهارات الموظفين وتستثمر فيها يتطلب قيادة واعية تمتلك رؤية إستراتيجية، وتسعى إلى خلق هياكل تنظيمية مرنة، وتشجع على التواصل الفعال بين مختلف الأقسام، وفي هذا السياق، يشير "بيتر دراكر"، رائد الفكر الإداري الحديث، في كتابه "مجتمع ما بعد الرأسمالية" (Post-Capitalist Society) الصادر عام 1993، إلى أن "المعرفة هي رأس المال الحقيقي للمؤسسة في القرن الحادي والعشرين"، وهو ما يُبرز أهمية المهارات والمعرفة كأصول إستراتيجية لا تقل قيمة عن رأس المال المالي أو المادي.

انطلاقًا من هذا المفهوم، يجب أن ينصب تركيز المؤسسات على كيفية تحويل المهارات الفردية إلى قوة جماعية تخدم رؤيتها وأهدافها؛ فالمؤسسات الناجحة ليست تلك التي تكتفي بجذب الكفاءات، بل التي تعمل بجد على تطويرها وتوظيفها بشكل إستراتيجي يحقق ميزة تنافسية مُستدامة. إن الاستفادة القصوى من قدرات الموظفين لا تعني مجرد امتلاك المهارات، بل تكمن في القدرة على توجيهها واستثمارها بذكاء، وهذا ما يصنع الفرق الحقيقي في بيئة الأعمال الحديثة.

وتماشيًا مع ذلك، فإن المؤسسات التي تطمح إلى البقاء ضمن دوائر التميز لا تكتفي بطرح السؤال التقليدي: "من هو الأفضل؟"، بل تتجاوز ذلك لتسأل: "كيف نوظف الأفضل بذكاء؟"؛ لأن المهارات وحدها لا تصنع النجاح، ما لم تُترجم إلى أفعال ملموسة وإنجازات حقيقية؛ فالعصر الحالي لا يرحم التردد أو الجمود، بل يكافئ المؤسسات التي تُحسن قراءة مواردها البشرية وتُفعل طاقاتها بأقصى درجات الكفاءة والمرونة.

وأخيرًا، فإن نجاح المؤسسة لا يُقاس بعدد الموظفين الشطار، بل بقدرتها على بناء منظومة ذكية تستثمر هذه الكفاءات وتحول طاقاتهم إلى نتائج ملموسة؛ فالمهارات الفردية، مهما بلغت، ليست ضمانًا للنجاح ما لم تُدار بوعي وتُوظف ضمن منظومة عمل متكاملة ومترابطة. حينها فقط، يتحول الموظف الشاطر من عنصر منفرد إلى جزء فعال من منظومة تصنع الفارق وتحقق النجاح.




أخبار اليوم السابع على Gogole News تابعوا آخر أخبار اليوم السابع عبر Google News
قناة اليوم السابع على الواتساب اشترك في قناة اليوم السابع على واتساب