تابعنا خلال الأيام الماضية ما صاحب زيارة الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون، لمصر، من زخم على كل المستويات الاستراتيجية، فقد شملت زيارته اتفاقيات عدة فى مجالات تعنى جميعها بالتنمية والتطوير، بالإضافة إلى مباحثات جمعت الرئيس السيسى ونظيره الفرنسى، تناولت بشكل رئيسى الأوضاع فى غزة والخطة المصرية لإعادة إعمار القطاع، والتى تحظى بقبول عربى ودولى إلى حد كبير، إلى جانب التأكيد على الدور المصرى المحورى فى كثير من القضايا الإقليمية التى باتت تهدد استقرار الشرق الأوسط.
ربما ذهبت الأنظار إلى القضية الفلسطينية، خاصة مع زيارة الرئيس السيسى و«ماكرون» إلى العريش، وظهور الرئيس الفرنسى على بُعد كيلومترات قليلة من غزة، وتأكيده على ضرورة وقف إطلاق النار، وإنهاء المُعاناة الإنسانية التى يشهدها الفلسطينيون؛ ما مثلّ دعمًا فرنسيًا ولا سيما أوروبيًا لحق الشعب الفلسطينى فى أرضه، وأيضًا دور مصر وموقفها الرافض تمامًا للتهجير الذى يعنى تصفية القضية الفلسطينية.
ولعل الحساب الرسمى للرئيس الفرنسى على موقع «X»، والذى يُتابعه نحو 10 ملايين متابع، وأيضًا الحساب الرسمى لقصر الإليزيه ويُتابعه ما يقرُب من 3 ملايين مُتابع، إلى جانب عدد من حسابات صُحف ومواقع فرنسية حرصت على مُتابعة الحدث ونقله أولًا بأول، وما نشروه جميعًا من تغطيات لزيارة الرئيس الفرنسى على مدار 3 أيام، سواء من أخبار أو صور أو مقاطع فيديو قصيرة؛ مثلت جميعها مكسبًا كبيرًا لمصر فى مختلف الاتجاهات، فهذا الرافد الإعلامى بات واحدًا من أهم آليات نجاح الدبلوماسية الناعمة، لما له من تأثير كبير على الرأى العام، خاصة فى ظل سرعة الانتشار، فى ذات توقيت الحدث، ونقله حيًا ما يُكسبه المزيد من المصداقية والتأثير.
نحو 17 تدوينة للرئيس الفرنسى، بين اللغات العربية والفرنسية والإنجليزية، وأيضًا 7 تدوينات لقصر الإليزيه، نقلت صورة ذهنية صحيحة عن مصر، من حيث مكانتها وقوتها واستقرارها، وربما حملت تصحيحًا لكثير من الصور المغلوطة التى تُبثّ عبر السوشيال ميديا حول مصر، ومحاولة التقليل من شأنها بشكل مُستمر فى ظل أوضاع سياسية واقتصادية تمرُ بها المنطقة لا تحتمل مثل تلك المغالطات. وهو ما يعكس أيضًا ذكاءً كبيرًا لمن وضع برنامج هذه الزيارة بهذه الدقة والاحترافية، حتى تكون فعالياته مادة ثرية وجاذبة للرئيس الفرنسى للتناول معها عبر حسابه الرسمى على «X»، والذى يُعد واحدًا من أهم روافد السوشيال ميديا فى عالمنا الآن؛ تأثيرًا فى الرأى العام الغربى والعربى أيضًا خاصة على المستوى السياسى.
وجاءت التدوينات الخاصة بزيارة «ماكرون» مؤكدة على استقرار مصر واستمرارها فى البناء والتنمية، فقد نقلت تجوّله بأريحية فى واحدة من أكثر مناطق مصر ازدحامًا، وشعوره بأن الشعب المصرى على قلب رجل واحد، فهم دائمًا «ولاد البلد الجدعان» كما نصفهم بلغتنا العامية، كما عايش تجربة الانتقال من محطة عدلى منصور التبادلية، مُستقلًا المترو إلى جامعة القاهرة، فى تجربة تؤكد أن مصر لم تتوقف عن تطوير بنيتها التحتية التى تلزم الكثير من المشروعات المستقبلية لإتمامها على أكمل وجه، بالإضافة إلى التأكيد على العلاقات الاستراتيجية القوية بين مصر وفرنسا، ونقل فعاليات منتدى رجال الأعمال المصرى الفرنسى، ما يعكس بدوره علاقات قوية بين القاهرة والاتحاد الأوروبى، بالإضافة إلى التأكيد على موقف مصر الثابت من القضية الفلسطينية والإعلان عن دعمه الكامل، وبالمثل دعم القاهرة فى جميع تحركاتها فى غيرها من الملفات الإقليمية التى لا حلّ لها دون وساطة وتدخلات الدولة المصرية، التى طالما كانت وستظل عمود الخيمة بالمنطقة، وقد لخصتّ تدوينة «ماكرون» الأخيرة بعد انتهاء زيارته، رؤيته لمصر على أرض الواقع، ناقلًا إياها للمتابعين جميعًا، فقد ذكر فيها: «أغادر مصر بعد 3 أيام مؤثرة.. رأيت فيها نبض القلوب، فى ترحيبكم الكريم، فى قوة تعاوننا، فى الدعم الذى نقدمه معًا لأهالى غزة؛ فى العريش، حيث يقاوم الأمل الألم.. شكرًا لكم. تحيا الصداقة بين شعبينا!».
وأخيرًا، ما قامت به تدوينات الحسابات الفرنسية الرسمية والإعلامية، بالفعل واحدة من أهم مكاسب هذه الزيارة، فقد نجحت فى أيام قليلة فى نقل صورة مصر المستقرة التى لا تحيد عن تنفيذ رؤيتها 2030، ونقل مواقفها السياسية الحازمة والرشيدة وذكاء دبلوماسيتها ومؤسساتها المعنية، فى أكثر القضايا حساسية بمنطقتنا اليوم؛ إلى العالم أجمع بلغاته المختلفة.