علا الشافعى

القمة العربية الطارئة فى القاهرة.. فلسطين باقية رغم محاولات التهجير والتجويع

الثلاثاء، 04 مارس 2025 11:27 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

خيام مهترئة نُصبت أمام منازل كانت يومًا عامرة بالحياة، لكنها تحولت إلى أنقاض بفعل القصف الإسرائيلي الوحشي. أطفال يلعبون بين الركام، ونساء يبحثن في الحطام عن بقايا أمل، وشيوخ يجلسون بصمت يروي وجوههم ألف قصة عن الصمود والتمسك بالأرض. هو مشهد العودة الذي صنعه أهل غزة حين قرروا الرجوع إلى شمال القطاع، متحدّين كل مخططات التهجير، ليؤكدوا للعالم أنهم أبناء هذه الأرض، وأن الدماء التي اختلطت بترابها هي شاهد على أن فلسطين ليست للبيع، وأنهم شعب يستحيل اقتلاعه.

في مواجهة هذه المشاهد التي تعيد إلى الأذهان نكبة 1948، ينعقد اليوم في القاهرة مؤتمر القمة العربية الطارئة، بدعوة مصرية، لبحث سبل التصدي للجرائم الإسرائيلية المتواصلة، ورفض محاولات تهجير الفلسطينيين قسرًا. منذ اليوم الأول للحرب على غزة، رفعت مصر راية الموقف الثابت: لا تهجير، لا تصفية، لا حلول تنتقص من الحق الفلسطيني الأصيل.

مصر كانت واضحة منذ اللحظة الأولى، فالرئيس عبد الفتاح السيسي أكد مرارًا أن القاهرة لن تقبل بأي محاولات لتصفية القضية الفلسطينية تحت أي مسمى، ولن تكون طرفًا في أي مخطط لتهجير الفلسطينيين، لأن ذلك ليس مجرد خطر على فلسطين، بل تهديد مباشر للأمن القومي المصري والعربي. لم يكن هذا الموقف مجرد تصريحات دبلوماسية، بل سياسة واضحة انعكست في التحركات المصرية التي قادت الجهود الدولية لوقف الحرب، وأكدت أن أي محاولة لفرض واقع جديد بالقوة مرفوضة تمامًا.

الموقف المصري لم يتوقف عند حدود السياسة، بل امتد إلى الدعم الفعلي للشعب الفلسطيني، حيث فتحت مصر معبر رفح أمام المصابين، وسهلت دخول المساعدات الإنسانية رغم العراقيل الإسرائيلية، وأطلقت مبادرة عاجلة لإعادة إعمار غزة. كانت القاهرة الدولة الوحيدة التي لم تكتفِ بالإدانة، بل تحركت على الأرض، مدركة أن القضية الفلسطينية ليست ملفًا سياسيًا عابرًا، بل معركة وجود يجب خوضها بكل الوسائل الممكنة.

على المستوى الدولي، لعبت مصر دورًا محوريًا في كشف المخططات الأمريكية – الإسرائيلية الرامية إلى فرض التهجير كأمر واقع. الطرح الأمريكي الذي يهدف إلى إعادة توطين الفلسطينيين خارج أرضهم ليس جديدًا، بل هو امتداد لمشاريع تصفية القضية التي طُرحت فى أكثر من مناسبة منذ خمسينيات وستينيات القرن الماضي، وتعالت وتيرتها بشكل مكثف بالتزامن مع سيناريو"صفقة القرن" التي حاولت إدارة دونالد ترامب تمريرها، وصولًا إلى المقترحات الحالية التي تستغل الحرب لفرض واقع ديموغرافي جديد. لكن مصر، ومنذ اللحظة الأولى، قطعت الطريق على هذه المخططات، وأكدت أن الحل الوحيد للقضية الفلسطينية هو إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود 1967، وعاصمتها القدس الشرقية، دون أي تنازل عن حقوق الفلسطينيين الأصيلة.

القمة العربية الطارئة التي تستضيفها القاهرة اليوم ليست مجرد اجتماع دبلوماسي، بل اختبار حقيقي لمصداقية الموقف العربي. المطلوب ليس مجرد إصدار بيانات إدانة، بل اتخاذ مواقف عملية قادرة على فرض واقع جديد يمنع استمرار الجرائم الإسرائيلية، ويوقف محاولات تهجير الفلسطينيين. الدول العربية مطالبة اليوم بترجمة مواقفها إلى أفعال، والضغط على المجتمع الدولي لوقف الحرب، ورفض أي حلول تهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية تدريجيًا.

ما يحدث اليوم في غزة ليس مجرد عدوان عابر، بل فصل جديد من فصول الصراع الممتد منذ عقود، حيث تحاول إسرائيل، بدعم أمريكي، فرض معادلات جديدة تقوم على تقليص الوجود الفلسطيني في أرضه، وتقديم التهجير كخيار وحيد. لكن ما لا تدركه إسرائيل، ومن يدعمها، أن الشعب الفلسطيني ليس مجرد سكان مؤقتين، بل أصحاب حق تاريخي، وأن التجربة أثبتت أن كل محاولات اقتلاعهم باءت بالفشل، لأن الأرض التي ارتوت بدمائهم لا يمكن أن تُؤخذ منهم بقرار أو اتفاقية.

مصر، التي كانت دائمًا الحاضنة للقضية الفلسطينية، تدرك أن المرحلة الحالية هي الأخطر منذ عقود، لكنها أيضًا فرصة لإعادة ترتيب الأولويات العربية، وإجبار العالم على العودة إلى جوهر القضية، وهو حق الفلسطينيين في العيش على أرضهم بحرية وكرامة. القمة العربية الطارئة في القاهرة ليست مجرد لقاء سياسي، بل لحظة تاريخية تحدد ما إذا كانت الدول العربية ستتخذ موقفًا حقيقيًا، أم ستترك الفلسطينيين وحدهم في الميدان، يقاتلون دفاعًا عن حق لا يقبل القسمة أو المساومة.

ما هو مؤكد أن الفلسطينيين لن يتركوا أرضهم، ولن يقبلوا بأي تسوية تنتقص من حقوقهم. هم يعودون اليوم إلى الشمال، يرفعون خيامهم وسط الأنقاض، لا ينتظرون قرارات دولية ولا وعودًا جوفاء. هم يعرفون أن حقهم لا يمنح، بل ينتزع، وأن القضية الفلسطينية ستظل حيّة، لأن هناك شعوبًا تأبى أن تُقتلع، وهناك أوطانٌ لا تُشترى.










مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة