محمد سعد

المغرب… سحرٌ يمتزج بالأصالة والتاريخ والعصرية

الجمعة، 28 فبراير 2025 02:26 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

شددتُ رحالي إلى المغرب وفي مخيلتي انطباعاتٌ متداخلة، بين سحر المكان وتاريخه العريق، وبين صورةٍ نمطيةٍ تشكّلت عبر الحكايات والأفلام والأساطير، لكن بمجرد أن وطئت قدماي أرض هذا البلد، تبدّد كل الضباب ، لتحلّ مكانه دهشةٌ صافيةٌ أمام نهضة حديثة يقودها ملك البلاد، ونهج متوازن بين الحداثة والتقاليد.

الهدوء والنظام، فن التعامل والاستقبال، حفاوة المغاربة وابتساماتهم الصادقة.. كلها تفاصيل لمستها فور وصولي، لتتلاشى تعب الرحلة رويدًا رويدًا، ويحلّ محلها إحساسٌ جارِفٌ بالمحبة لهذا البلد العربي الفريد.
عبق المكان، التصالح بين الناس وبيئتهم، خصوصياتهم وانطباعاتهم، بل حتى أكلاتهم المتنوعة بمذاقها الفريد، كلها تشكّل لوحةً مغربية أصيلة تأسر القلوب.
من الدار البيضاء، العاصمة الاقتصادية النابضة بالحياة، إلى الرباط الانيقة ، مرورا بفاس الشاعرية العريقة، يروي المغرب حكايةً فريدةً تمزج بين الأصالة العربية، والانتماء الإفريقي، والطموح الحداثي الأوروبي.

في قلب هذه الفسيفساء الثقافية،  هناك سحرًا خاصا، لجمال المكان، الذي يعكس تنوع المغرب، حيث اجتمعت الأصالة بالفن، والتقاليد بالإبداع، في تناسق بهيجٍ يعكس روح هذا البلد المضياف.

الرباط… حيث الأناقة والنظام

الرباط، العاصمة الإدارية، فهي مدينة تجسّد الحداثة المغربية بطابعٍ أنيق. شوارعها واسعة ونظيفة، تتزين بالنخيل الباسق، أما المدينة القديمة فتأخذك في رحلة عبر الزمن، حيث تمتزج عبقريات المعمار الإسلامي مع تفاصيل الحياة المغربية اليومية.

ومن هناك، إلى ضريح محمد الخامس، حيث يقف التاريخ شامخًا في حضرة الملوك العظام.

فاس… حيث تهمس الأزمنة

في فاس، يضيق الزقاقُ بالحكايات، ويتسعُ القلبُ للدهشة.

هناك، حيث تلتفُّ الأسوار حول الأسرار، وتمشي الخطوات فوق حجارةٍ حفظت أسماء العابرين، تشعر أن الزمن لم يغادر، بل توقف ليستمع إلى الأذان وهو يتهادى بين المآذن العتيقة، ويراقب الضوء وهو يتسلل خجولًا بين شبابيك البيوت.

في سوق العطارين، تفوح رائحة التاريخ ممزوجةً بالزعفران والمسك، بينما تسيل الألوان في أروقة الحرفيين كقصيدةٍ تتجدّد مع كل ضربة إزميل.

وفي القرويين، تفتح الحكمة أبوابها على مصاريعها، كأنّ الكتب القديمة لم تُغلق يومًا، وكأنّ الأرواح التي مرّت هنا لم ترحل، بل استقرت بين الرفوف، تنتظر قارئًا يفهم لغتها.

هنا يتجول وجداني في ثنايا مدينة فاس، هنا الليل ليس عتمة ، بل همس الفوانيس على الجدران، وقع الأقدام على الدروب الملتوية، دفء الأحاديث في رياضٍ تتنفسُ برائحة الورد والياسمين. فاسُ ليست مدينةً فقط، بل ذاكرةُ المغرب الحيّة، تروي لنا أننا حين نضيعُ في شوارعها، فإنّما نجد أنفسنا من جديد

المغرب… لقاء البحر والمحيط

أسيرُ و تسبقني خطواتي بين خبايا المغرب حيث تلتقي مياه البحر الأبيض المتوسط بالمحيط الأطلسي في مشهدٍ يأسر الألباب، تمامًا كما تتلاقى الثقافات والحضارات في شوارعها وأزقتها.

الدار البيضاء.. بين نبض الاقتصاد وعبق التاريخ

الدار البيضاء، أو كما يسميها المغاربة بـ”كازا”، المدينة الصاخبة التي تجمع بين ناطحات السحاب والأسواق التقليدية، بين المطاعم الفاخرة والأحياء الشعبية.
لكن أبرز معالمها بلا شك هو مسجد الحسن الثاني، الذي يقف كتحفة معمارية إسلامية على المحيط الأطلسي، بمئذنته الشاهقة التي تعانق السماء، وزخارفه الفيروزية التي تأسر العين والقلب.
ترفرفُ كالطفل ليلة العيد بين المقاهي العريقة التي تُقدّم الشاي المغربي بالنعناع والسكر، إلى جلسات المساء المطلة على زرقة البحر، كل زاوية في هذه المدينة التى تحمل عبق التاريخ وروح المغامرة.

ومن رباطها الأبية، إلى دارها البيضاء، إلى فاس الخضراء، إلى جبال الأطلس الشامخة ومدنها الذهبية، يثبت المغرب أنه نموذجٌ متفردٌ في التوازن بين التراث والحداثة والجمال والرقي.

هنا، يتصالح الناس مع جغرافيتهم، في تناغمٍ بين الأصوات، والألوان، والروائح، حيث تمتزج رائحة البحر بعبق التوابل، وأصوات الأسواق بصدى الأذان، وضوء الشمس الذهبي بانعكاسات الأطلسي الهادئ.

صورةٌ مختلفة… وتجربةٌ لن تُنسى

ما عشته خلال أسبوعٍ في المغرب ليس كافيًا للتعبير عن الصورة الجمالية التي كنت أتوقعها ، بل وأكاد أجزم أن كل من يزور هذا البلد سيتغير انطباعه تمامًا، وسيجد نفسه مفتونًا بسحره الحقيقي: سحر الروح، والأصالة، والضيافة الصادقة.

هناك الرباط، والدار البيضاء، و فاس ومدن عتيقة، كل مدينة لها رونق خاص، هناك المغرب الذي يُسحرك بجماله ،  والبحر والصفاء، والنقاء.

المغرب… سحرٌ من زمنٍ آخر

يقول أحدهم إن المغرب مليء بالسحر والسحرة، أقولُ أنت صادق، لكن ليس السحر الذي تحيكه الأساطير، بل سحر الجمال، والمناخ، والأصالة، والناس.

سحرها في رقي نسائها، في شهامة رجالها الطيبين الكرماء، الذين يفتحون قلوبهم قبل بيوتهم للضيف، فلا تشعر إلا وكأنك أحد أبنائها.

نعم، إنها فعلًا ساحرة.. سحر خاص .










مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة