حسام الدين حسين

الإمام والبابا.. لقاء الروحَيْن في زمن الأزمات

الأربعاء، 26 فبراير 2025 01:28 م


في فبراير 2023، أُصيب البابا فرنسيس، بابا الكنيسة الكاثوليكية، بالتهاب رئوي حاد، أُدخل على إثره مستشفى "جيميللي" في روما.

خلال أيام مرضه القاسية، تلقى البابا رسالةً من شيخ الأزهر أحمد الطيب تضمنت دعاءً بالشفاء، ووصفها الفاتيكان بأنها "نموذجٌ للإخوة الإنسانية". هذه الرسالة لم تكن مجرد تعزيةٍ عابرة، بل حلقةٌ جديدة في سلسلةٍ طويلة من المواقف التي حوّلت العلاقة بين الرجلين إلى رمزٍ عالمي للتسامح في عصر تتصاعد فيه نبرة الكراهية. 

كيف عبَّر فرنسيس عن التسامح حتى وهو في المستشفى؟
من سرير المرض، أرسل البابا فرنسيس رسالةً إلى العالم عبر "تويتر": "حتى في الألم، نتعلم أن نحب أكثر". هذه العبارة تختزل فلسفته التي طالما دعا إليها: التسامح ليس شعارًا، بل ممارسة يومية**. خلال فترة علاجه، رفض البابا الانعزال، واستمر في إصدار تصريحات تدعو إلى السلام في أوكرانيا وفلسطين، مؤكدًا أن "المرض لا يوقف الرسالة". 

لكن الأكثر إثارةً كان رد الفاتيكان على رسالة شيخ الأزهر، حيث أشاد المتحدث الرسمي بـ"العمق الإنساني" في علاقة الزعيمين، قائلًا: "البابا يرى في الشيخ الطيب شريكًا في بناء عالمٍ لا مكان فيه للتعصب".

مسار من الثقة.. من أبو ظبي إلى روما 
العلاقة بين البابا فرنسيس وشيخ الأزهر ليست وليدة اللحظة، بل هي نتاج مسارٍ بدأ عام 2016، عندما أصبح فرنسيس أول بابا يزور الأزهر منذ ألف عام. في ذلك اللقاء التاريخي، قال البابا: "من يرد السلام، عليه أن يفتح أبواب الحوار". 

في 2019، وقَّع الرجلان في أبو ظبي "وثيقة الأخوة الإنسانية"، التي أقرتها الأمم المتحدة كيوم عالمي، وحوّلت التسامح من مفهومٍ نظري إلى برنامج عمل. خلال جائحة كورونا، تعاون الاثنان في إطلاق مبادرات إغاثية مشتركة، بينما أدانَا هجمات نيوزيلندا الإرهابية على المساجد عام 2019. 

دعاء الشيخ الطيب: لماذا أزعج المتطرفين؟
رسالة الشيخ الطيب إلى البابا المريض لم تكن مجرد لفتة دبلوماسية، بل امتدادًا لفلسفةٍ أزهرية تُجذِّر فكرة أن "الرحمة فوق الخلاف". في تصريحٍ لاحق، قال الطيب: "الدعاء للمريض واجب إنساني، بغض النظر عن الدين"، مستشهدًا بالحديث النبوي: "إذا عطس أحدكم فليقل: الحمد لله، وليقل له أخوه أو صاحبه: يرحمك الله". 

لكن هذه الرسالة أثارت غضبَ بعض التيارات المتشددة، التي هاجمت الشيخ الطيب واتهمته بـ "التطبيع مع الكفار"، بينما هاجم متطرفون مسيحيون البابا ووصفوه بـ"خائن المسيحية". 

التسامح في زمن الانقسام: هل ينجح نموذج الشيخ والبابا؟

رغم الهجمات، تُظهر استطلاعات الرأي العالمية أن 67% من الشباب العربي يرون في العلاقة بين الرجلين "نموذجًا مُلهمًا"، وفقًا لدراسة مركز "بارومتر" عام 2023. أما في الغرب، فقد حوّل البابا فرنسيس الكنيسةَ إلى منصةٍ للحوار مع الإسلام، بدلًا من الصدام. 

ولا ننسى في مقابلةٍ مع CNN، علَّق المفكر الإسلامي ومفتي مصر السابق د. علي جمعة: "العلاقة بين الشيخ والبابا ليست شخصية، بل هي مشروعٌ حضاري لإنقاذ الإنسانية من براثن الكراهية". 

مرض البابا... درسٌ في الإنسانية
مرض البابا فرنسيس لم يكن مجرد حدثٍ صحي، بل اختبارٌ لفلسفة التسامح التي يؤمن بها. في لحظة ضعفه، أثبت أن القيادة الأخلاقية لا تعترف بالحدود الدينية. كما قال البابا في إحدى خطبه: "الإنسان لا يُقاس بما يملك، بل بما يعطي". 

أما الشيخ الطيب، فجاءت دعوته بالشفاء تذكيرًا بأن الإسلام الحقيقي ليس خطابات كراهية، بل تضامنٌ مع كل إنسان. ربما يكون هذان الرجلان من القلائل الذين يستحقون لقب "قادة القرن الحادي والعشرين"... لأنهم يعلموننا أن المرض والاختلاف لا يلغيان الإنسانية المشتركة.

ولكن المؤسف في الأمر ليست العلاقة بين الإمام الطيب و البابا فرانسيس، بل ردود فعل المتطرفين و الأغبياء التي ينطبق عليها (مصطلح الجهل المقدس)، ولمن لا يعلم فهو هو مفهوم فلسفي وديني يشير إلى فكرة أن "عدم المعرفة" أو "الاعتراف بحدود الفهم البشري" قد يكون طريقًا نحو الحكمة الروحية أو الاتصال بالله. لا يعني الجهل هنا "الغباء" أو "الجهل السلبي"، بل هو موقف واعٍ يُقرُّ بأن بعض الحقائق تتجاوز العقل البشري، ويُمارس كأسلوب للتعبير عن التواضع أمام الغموض الإلهي أو الكوني.

في القرن الخامس عشر، طرح الفيلسوف نيكولاس الكوزي (Nicholas of Cusa) فكرة "الجهل المُتعلَّم" (Docta Ignorantia)، مؤكدًا أن إدراك الإنسان لجهله هو بداية الحكمة الحقيقية لكن …..

في الفلسفة المعاصرة، يُعاد تفسير المفهوم كـ*نقد للعقلانية المفرطة*، حيث يدعو مفكرون مثل بيتر سلوتردايك إلى التواضع الفكري في مواجهة تعقيدات العالم، ثم أخذ المصطلح بعدا أخر بالتعبير عن من يضع جهله في مرتبة مقدسة كما في العصور الوسطى وهو ما نراه واقعا أليما في مجتمعنا اليوم وظهر جليا في تعليقات المتطرفين على منشور شيخ الأزهر الذي نوجه له كل التحية والتقدير على موقفه النبيل ، وبقى أن نذكر أنفسنا جميعا بما قاله مولانا جلال الدين الرومي :

"أيها العقل، أنت تُبحر في محيط من الألغاز... 
فكِّر بقدر ما تشاء، لكن اعلم أن الحب وحده يمنحك الأجنحة".




أخبار اليوم السابع على Gogole News تابعوا آخر أخبار اليوم السابع عبر Google News
قناة اليوم السابع على الواتساب اشترك في قناة اليوم السابع على واتساب