هناك دائما مساحات فى ذاكرة الثقافة والمعرفة تحتاج إلى أن تنمو لأنها تمثل جزءا من ذاكرة الشعوب، وتاريخها، ومن هنا يمكن اكتشاف أهمية كتاب «أنا الأولى» للصديقة الكاتبة زينب عبداللاه، الذى يتناول قصص الرائدات الأوليات فى مجالات متنوعة تمتد من الثقافة إلى الفن ومن الطيران إلى العلم، وكل واحدة من هاتيك الرائدات كانت الأولى فى مجالها طرقت بابا لم يكن مفتوحا للنساء فى عصرها وفتحت الباب لتدخل منه أخريات وتبقى الشجاعة لمن تصدت وتحملت المسؤولية، و«فتحت طريقا لم يكن مسموحا لبنات جنسها، واقتحمت مجالا كان حكرا على الرجال فقط»، كما تقول الكاتبة فى كتابها الذى يمثل إضافة توثيقية لسير أسماء بعضها معروف بشكل عام من دون معلومات حولها، والبعض الآخر تعد الكتابة عنهن مغامرة واجتهاد محمود يضاعف من قدرة الأجيال على التعلم من تجارب بقيت معلقة.
فى كتابها تروى زينب عبداللاه، تفاصيل من سير رائدات منهن مثلا أول طبيبة للأمراض الباطنة الدكتورة نازلى محمد جاد المولى، وبهيجة حافظ أول مؤلفة موسيقى، وماجدة صالح أول راقصة باليه، وهيلانة سيداروس أول طبيبة تفتح عيادة، وفايزة هيكل أول عالمة آثار، بالطبع نبوية موسى أول ناظرة مدرسة، وعائشة التيمورية الشاعرة، بالطبع فإن زينب تكتب عن أسماء رائدات معروفات منهن الدكتورة سهير القلماوى،وصفية المهندس رائدة الإذاعة الشهيرة، وملك حفنى ناصف أول جراحة طبيبة، وتتبعت الكاتب سير نساء رائدات فى مجالات متنوعة، تجمع بينهن الريادة، وتحاول تقديم هذه الصور ليس انطلاقا من فكرة نسوية وإنما تأصيلا لأدوار مهمة لعبتها الشخصيات فى تاريخ البلد، وخضن معارك لكسر القيود وتحرير العقول، وهى أنواع من الكفاح يمكن اكتشاف صعوبتها فى زمانها ووقتها ومكانها، وفى ظل عادات وتقاليد كانت تحاصر المرأة وتتعامل معه بأنها ليست على نفس مستوى العقل والقدرة. وبالتالى فإن هذه القصص هى توثيق لرائدات كان لهنتن اثرا فيما تحقق من تمكين للمرأة المعاصرة التى يجب ان تعرف وتعترف بفضل الرائدات الأوليات.
والواقع أن كتاب أنا الأولى كما ترى الكاتبة يشهد بجهد كبير للكاتبة فى البحث عن المعلومات حول هذه الشخصيات، وبعضهن لا تتوافر حولها الكثير من المعلومات، وتقول الكاتب انها عملت فى الكتاب بروح صحفى التحقيقات، وهى هنا تتابع وتسير خلف معلومات تتشعب او تنقطع، لكن تواصل بحثها ودأبها، وهو أمر عرفناه مع زينب التى شقت لنفسها طريقا فى التوثيق والتتبع لسير النجوم أو الرواد، وهى فى عملها قابلت مصادر كثيرة واستعانت بمراجع ذكرتها فى كتابها وهو أمر محمود يذكر الفضل لأهله ويحترم الملكية الفكرية، فى زمن يشهد الكثير من القرصنة.
زينب عبداللاه تجيب عن أسئلة مهمة حول شخصياتها، وتفك أسرارا كثيرة وتعيد الحياة لشخصيات رحلت، أو تعايش لحظات انتصاراتهن و وأوقات ضعفهن، وهو جهد بالفعل مشكور، ومهم يقدم خدمة للمكتبة العربية والمصرية، وقد شهدت كثيرا دأب زينب عبداللاه، خلال عملها فى حلقات توثيق للرائدات بـ«اليوم السابع»، لكنها أيضا بالكتاب تضيف نتاج جهد بحثى.
وهذا الكتاب «أنا الأولى» الصادر عن دار ريشة للنشر، هو الثانى بعد كتابها الأول «فى بيوت الحبايب»، الذى جمعت فيه بين الشهادات الحية والمعلومات التوثيقية وقدمت أسرارا لأول مرة من داخل بيوت النجوم عن حياة 20 شخصية من أحب رموز الفن والتلاوة والإنشاد، وكيف كانت حياتهم بين النجومية وانسحاب الأضواء وفترات التألق و العزلة والأحزان وتصحح زينب عبداللاه العديد من المعلومات المغلوطة والشائعات المتداولة عن هؤلاء النجوم.، وهو جهد صحفى وبحثى يشجع على القراءة ويضيف مساحات من المعرفة، وفى كتابها الثانى «أنا الأولى» تقدم مزيدا من الكشف عن سير رائدات فى تاريخ مصر والثقافة والمجتمع.

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة