لكل أمرئ من اسمه نصيب، أما بالنسبة لشاعرنا الجميل مرسى جميل عزيز الذى حلت ذكرى ميلاده فى مثل هذه الأيام فله من مهنته نصيب أيضا..!!
ومثلما كان الشاعر الغنائى حسين السيد لا تخلو أغانيه من الأرقام والحساب والضرب والقسمة لأن الظروف شاءت ألا يستكمل دراسته فى كلية الآداب ويحل محل والده فى تجارة توريد الأغذية للمؤسسات الحكومية والمستشفيات لأنه الولد الوحيد لأسرته والمسئول عنها.
جاءت أغانى المعلم مرسى جميل عزيز تتزين بمفردات الفاكهة فى عدد لا بأس به من الأغانى حتى عندما كتب لكوكب الشرق أم كلثوم.
ولد مرسى جميل عزيز فى 15 فبراير 1921 لأب كان يعمل تاجرا للفاكهة، وكان لأبيه دور فى حياة نجله واهتماماته الأدبية والفنية منذ صغره، فحفظ الكثير من آيات القرآن الكريم، والمعلقات السبع كاملة، وقرأ لكثير من الشعراء يتقدمهم بيرم التونسى، وبدأ مرسى حياته المهنية كتاجر فاكهة مثل والده، حتى أنه تأثر بنداءات الباعة على الفاكهة وبالأغانى الشعبية. كان أبوه المعلم جميل أكبر تجار الفاكهة فى الزقازيق وعمل معه مرسى حتى قرر الانفصال عن والده والرحيل إلى مدينة المنصورة ويفتتح محلا للفاكهة بها بالقرب من سوق السمك بالمدينة ويعلق أعلى المحل يافطة مكتوب عليها "فواكه المعلم مرسى جميل عزيز"
كتب أول قصيدة شعرية فى سن الثانية عشرة فى رثاء أستاذه. وفى عام 1939 أذيعت له أول أغنية فى الإذاعة ولم يتجاوز الثامنة عشرة بعنوان «الفراشة» ولحنها الموسيقار رياض السنباطى.
كان مرسى يحب كتابة الشعر العامى من صغره ورأى فى مدينة المنصورة كل شيئا جميلا، فهنا الماء المنساب من النهر الخالد والخضرة والوجه الحسن. وتفوح رائحة الفواكه من أغانيه العامية عندما يكتب أغانى فيلم حسن ونعيمة عام 1959 بطولة محرم فؤاد وسعاد حسنى ويغنى محرم من كلمات مرسى جميل عزيز " الفكهاني":
الحلوة داير شباكها.. شجرة فاكهة.. ولا فى البساتين
الحلوة م الشباك طله.. يحرسها الله.. ست الحلوين
الحلوة حلوة وسـنيورة.. زى الصورة.. مرسومة تمام
الشفة وردة فى عنقودها.. أما خدودها.. تفاح الشام.
كان مرسى أيضا إلى جانب الفاكهة يهوى التصوير والرسم ثم يترجمها بالكلمات فى أشعاره الغنائية. وذات يوم التقط صورة لـ"شباك بستائر حرير" فى شارع البحر وعاد ليكتب:
شباكنا ستايره حرير
من نسمة شوق بيطير،
وبقى لى كتير يا حبيبى يا حبيبى بقالى كتير،
استنى تجيب الفرحة
والتوب الابيض والطرحة
ونطير نطير زى العصافير
وأقطف لى من البستان عقدين حب ورمان.
ويلحن بليغ حمى وتغنى شادية ونلاحظ أن الفاكهة والبساتين حاضرة وبقوة أيضا ويبدو أن مرسى جميل عزيز كان يكتب الأغانى حسب فاكهة الموسم فالرمان كان فاكهة شتوية فتعرف أنه كتب الأغنية فى الشتاء.
وأثناء وقوفه فى شادر الفاكهة سمع الفلاحين يقولون كلمة التقطوها من عساكر الإنجليز وهى كلمة براوة المحرفة عن كلمة برافو الإنجليزية فكتب أغنية أما براوة أما براوة، دوار حبيبى طراوة أخر طراوة، والتى غنتها الفنانة نجاة.
ومن فواكه مرسى الغنائية يكتب أيضا للسيدة أم كلثوم فى أغنية "ألف ليلة وليلة" فيقول :"
والحب عمره ما جرح
ولا عمر بستانه طرح
غير الهنا والفرح"
بحثت عنه أم كلثوم فكان مرسى جميل عزيز يتهرب منها ويرفض أن يؤلف لها أغانى، حتى لا يتهم انه يصعد على أكتاف كبار المغنيين فقالت "إنه بحاجة لطبيب أمراض نفسية يكشف على سلامة قواه العقلية"، ويسرد عزيز تفاصيل هذه الواقعة فى لقاء تلفزيونى له فيقول: "كنت أهرب من الشغل مع أم كلثوم لأننى لا أحب أن يقال إننى أعمل معها للتسلق على شهرتها، فكنت أرفض هذا الموضوع، وابتعدت تمامًا حتى طلبتنى ذات مرة وقالت لى لماذا تهرب من الشغل معى فأنت بحاجة لطبيب نفسى.احنا عشنا فى بلد واحدة يا مرسى يعنى بلديات" وذكرت لها الأسباب فأكدت أن كلامى صحيح.وبعد أن حققت نجاحًا كبيرًا وأصبح لى اسمى فلا يستطيع أن يقول أحد ذلك، واقتنعت بكلامها وقدمت لها ٣ أغانى وتركت لى الاختيار فبدأت بأغنية سيرة الحب.
حصل على البكالوريا – الثانوية العامة - من مدرسة الزقازيق الثانوية عام 1940، والتحق بكلية الحقوق، وأصبح رئيسًا وعضوًا لعدة جماعات أهمها الشعر، والآداب، وفنون التصوير، والموسيقى، والتمثيل، كما انضم لفريق الرحلات، وفيما بعد لم يكتف بموهبته لكتابة الشعر فدرس اللغة العربية والشعر والأدب والتراثين العربى الحديث والقديم، وكذا الأدب العالمى وأصوله ونظرياته وقواعده النقدية، كما التحق بمعهد السينما، وكان الأول على دفعته، وحصل على دبلوم فى فن كتابة السيناريو عام 1963.
ألف أكثر من 1000 أغنية، وانطلقت شهرته عندما كتب أغنية «يا مزوق يا ورد فى عود» وغناها الفنان عبد العزيز محمود. وقدّم الكثير من الأغانى لكبار النجوم مثل شادية ومحمد عبد الوهاب وفايزة أحمد وغيرهم، حيث كان مطلوبًا من كل المطربين حتى أنه يعد الشاعر المصرى الوحيد الذى تغنت له الفنانة فيروز من كلماته والتى قدمتها فى استوديوهات الإذاعة المصرية فى مصر، وحملت اسم "سوف أحيا".
غنّى من كلماته عبد الحليم حافظ، وكان له النصيب الأكبر بـ35 أغنية، بدايةً بـ«مالك ومالى يا أبو قلب خالي»، مرورًا بـ (نعم يا حبيبى، بأمر الحب، يا خلى القلب، بتلومونى ليه، فى يوم فى شهر فى سنة)، وغيرها من الأغانى.
وكان لمرسى جميل عزيز دور كبير فى حياة العندليب الأسمر عبدالحليم حافظ تحدث عنه ابنه اللواء مجدى مرسى جميل عزيز، مؤكدا ً أن والده كان من القلائل الذين عرفوا العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ قبل بداية مشواره الفنى، وظلت هذه العلاقة قوية حتى وفاة حليم. وكشف ابن شاعر الألف أغنية أن والده كان سببا فى دخول العندليب مجال التمثيل السينمائى، حيث أقنع المنتج والمخرج حلمى حليم، الذى أنتج فيلم "أيامنا الحلوة"، وهو أول أفلام العندليب بأن يغير فى أحداث الفيلم، ليكون بطولة جماعية، وبه مساحة كبيرة للأغانى، وأقنع حليم بالتمثيل، مشيرا إلى أن الشاعر مرسى جميل عزيز اصطحب حليم فى أول مرة يدخل فيها البلاتوه لإجراء "تيست كاميرا" وكتب له أغانى الفيلم، ومنها: الحلو حياتى وروحى، وليه تشغل بالك، وهى دى هى، ويا قلبى خبى.
كما كتب له أغانى فيلم "حكاية حب"، وكان أيضا إنتاج وإخراج حلمى حليم، وغنى فيه حليم مجموعة من أجمل وأشهر أغانيه ومنها: فى يوم فى شهر، بتلومونى ليه، بحلم بيك، حبك نار،
تجلى التعاون مع عبد الوهاب فى أغنية «من غير ليه» التى كانت آخر أغانى مرسى جميل عزيز، استمر العمل فيها لعامين بسبب خلافات بين عبد الوهاب ومرسى على بعض كلمات الأغنية، وكان من المقرر أن يغنيها عبد الحليم لكن وفاته حالت دون ذلك، وغناها عبد الوهاب فى 1989.
كتب مرسى جميل عزيز أغانى لـ25 فيلمًا بدأها بـ«مبروك عليكي» عام 1949، واختتمها بـ«مولد يا دنيا» عام 1976، وأشهرها أفلام: «حكاية حب، أنا وبناتى، المرأة المجهولة، أحبك يا حسن، أدهم الشرقاوى، الشموع السوداء، ويوم بلا غد»، وتنوعت حالات أغانيه بين طابع التفاؤل مثل «ليه تشغل بالك، ضحك ولعب» والقصيدة الشعرية والأغنية الإنسانية التأملية مثل «غريبة منسية، وأعز الناس»، وكتب أيضا عدة أغانٍ وطنية منها «بلدى يا بلدي» لـ«حليم»، المشهورة باسم " أبو خالد نوارة بلدي" و«بلدى أحببتك يا بلدي» لمحمد فوزى.
كرمته الدولة بوسام الجمهورية للآداب والفنون عام 1965 من الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، ضمن أول مجموعة صغيرة مرموقة تحصل علية فى مجالات الفكر والفنون والآداب، كما أطلقت محافظة الشرقية اسمه على الشارع الذى كان يسكن فيه بمدينة الزقازيق.
وفى التاسع من شهر فبراير من عام 1980 توفى مرسى جميل عزيز عن عمر 59 عاما على إثر إصابته بمرض خطير سافر بسببه إلى الولايات المتحدة الأمريكية للعلاج، وبعد فترة قضاها فى المستشفيات الأمريكية عاد ليموت فوق تراب مصر ودفن فى مسقط رأسه الزقازيق عملا بوصية أبيه.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة