دائما وفى كل مرة، نقول إن الحقائق هى أقصر الطرق لمواجهة الشائعات، وأن الحكومة تفعل حسنا عندما تصدر بيانات تحسم فيها الجدل لنفى شائعة أو توضيح حقيقة، وخلال 15 شهرا من الحرب فى غزة، تعرضت مصر لموجات هائلة من الشائعات كان مصدرها الرئيسى الاحتلال الإسرائيلى، ومروجها منصات تنظيم الإرهاب فى دول إقليمية ومن أوروبا وغيرها، بجانب مواقعه وقنوات تمول بشكل ضخم وتعمل مع الاحتلال، وهناك أيضا مراكز تصنيع وإطلاق الشائعات فى دول إقليمية وأوروبية، من خلال منصات توظف أحدث طرق الحروب النفسية وبناءً على أحدث طرق التلاعب بالوعى.
ربما لهذا أحيانا نعذر بعض الذين يقعون فى شباك هذه القنوات من دون وعى، بسذاجة، لكننا نكتشف أن هناك من بين أعضاء النخب من يلتقط هذه الشائعات ويطلقها ويروجها بهدف الكيد وليس بهدف المعرفة مع علم هؤلاء بأن مواقع ومنصات معروفة تُموّل من دول إقليمية متحالفة مع الاحتلال الإسرائيلى، بل وأحيانا يكون وعى المواطن العادى أعلى من بعض النخب، فالمواطن يثق فى موقف الدولة المصرية، وفى القوات المسلحة القوية والرشيدة التى تعرف كيف تحمى، وكيف تدير الدولة ملفاتها باحتراف، وقدرتها على مواجهة التهجير، بحسم.
فى المقابل فإن بعض النخب تعانى من بعض الدونية أو اختلال فى التعاطى مع القضايا الحساسة، بسبب كثرة التعرض لمنصات الشائعات.
وبمناسبة التقرير الذى نشره المركز الإعلامى لمجلس الوزراء، بعنوان «جهود مواجهة الشائعات على مدار عام 2024»، وأن تطور أرقام الشائعات بلغ أقصاه فى عام 2024، حيث بلغ 16.2 % مقارنة بـ15.7 % عام 2023، و3.5 % عام 2016، و1.6 % عام 2015، وأن قطاعى الاقتصاد والصحة الأكثر استهدافا، والجهود التنموية وتداعيات الأزمات العالمية أسباب رئيسية لتصاعد وتيرة الشائعات»، ومنها شائعات حول فيروسات وموضوعات اقتصادية، بجانب باقى التفاصيل.
بالطبع فإن التقرير استعرض المقارنة بين السنوات، والشهور، وأن الأخبار المفبركة، تفوق أى عام آخر، وبالرغم من أهمية هذه التقارير الرقمية التى تصدرها الحكومة، تظل بعض الشائعات التى لم ترد، تمثل خطرا واضحا يتعلق بالحرب على غزة، ومنها قصة السفينة المزعومة المحملة بمتفجرات، التى روجت منصات الشائعات، أنها رست فى مصر، قبل أن تتجه إلى إسرائيل، وكان وراءها الاحتلال نفسه من خلال منصات ولجان يتم توظيفها، كشفت الحرب فى غزة دورها فى صناعة وإطلاق الشائعات.
وتمثل الشائعات المتعلقة بالاقتصاد والصحة، رأس الشائعات، خاصة ما يتعلق بمزاعم حول الاستثمارات فى رأس الحكمة، أو الاستثمارات العربية عموما، والصحة منها شائعة عن فيروس غامض فى أسوان وحملات انطلقت من زوايا ومنصات مجهولة، والحقيقة أن أهالى أسوان أنفسهم أول من انتبه إلى خطر اتساع دوائر الشائعات التى يمكن أن تؤثر على موسم سياحى كان يبدأ فى الخريف إلى نهاية الشتاء، وكشف أهالى أسوان عن وعى كبير، حيث ظهروا وهم يشربون، وخرجوا فى فيديوهات من مناطق مختلفة ليؤكدوا سلامة المياه، وبعدها صدرت بيانات أكدت أن الحالات التى ظهرت هى النسبة المعروفة، الأمر لا يحتمل الإنكار فى حالة ظهور أمراض أو أوبئة، وأن لدى مصر إنذارا مبكرا فى كل مكان، والأمر لا يحتمل التهوين أو التهويل.
الواقع أن المواطنين لديهم الكثير من الوعى، أكثر أحيانا من بعض المنتمين للنخب، ومحترفى اللايكات، ممن يعيدون نشر ما تطلقه منصات الشائعات الممولة، وبعضهم يشعر بالدونية أمام بيانات محلية، أو يخلط بين موقفه السياسى وموقفه من قضايا لا تحتمل التلاعب، ومنها شائعات عن المعابر وموقف مصر، والذى اتضح أن وراءه الاحتلال، فى حربه على مصر، بسبب موقفها الحاسم رفضا للتهجير.
ونقول دائما إن الشائعات أمر طبيعى، لكن تظل بحاجة لتعامل أكبر وأعمق من مجرد تقارير وانفوجرافات، وما زلت أعتقد أن الإعلام قادر على التعامل معها بنشر الحقائق، ومن خلال طرق معلومة، للتعامل مع حروب مستمرة تحتاج إلى الحرية والمجال العام والخبرة.

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة