نكتة قديمة تتردد من جديد حاليا مع طرح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب برنامجه "الخيالي" لشراء أو الاستيلاء على غزة، لبناء ريفييرا أو لاس فيجاس جديدة بعد تهجير أهلها.. هكذا بكل بساطة وبعقلية المطور العقاري وليس رئيس الدولة.
النكتة تقول إنه خلال الحرب العالمية الثانية، ونجاح أسطول الغواصات النازي بتدمير أساطيل الحلفاء في المحيط الأطلسي وغرق مئات السفن، جاء رجل إلى البنتاجون الأمريكى وطلب لقاء قائد الأسطول. وقال إن لديه فكرة لتدمير كل أسطول غواصات هتلر..! تم اصطحابه إلى مكتب الأدميرال المعني، وكشف له عن فكرته..
فما هي هذه الفكرة العبقرية..؟ قال الرجل:
"ما عليكم سوى غلي المحيط الأطلسي كله، وبحسب قوانين الفيزياء، سوف تطفو جميع الغواصات على سطح المياه فورا. وعندما تصبح مكشوفة، يمكن تدميرها بسهولة، كما لو كانت بطّا في ميدان رماية. أمر بسيط وسهل".
قال الأدميرال: "فكرة رائعة، ولكن كيف يمكننا غلي المحيط الأطلسي كله؟".
أجاب الرجل: "هذه مشكلتكم أنتم، ليست مشكلتي. أنا فقط جلبت لكم الفكرة".
عرفتم من يشبه هذا الرجل الآن الذي كبر وتدرج في المناصب، وكون ثروة ضخمة وأصبح رئيسا لأكبر دولة في العالم.
هذا بالضبط هو كامل برنامج الرئيس الأمربكي دونالد ترامب: "دع أحدهم يأخذ مليوني شخص من غزة، ويعطيني الأرض. أريد بناء ريفييرا أو لاس فيجاس أخرى. "العالم كله بدأ يقلّب الأعين ويحرّك الأصابع من فرط الدهشة. نوعان فقط كانا يقفزان فرحا: الحمقى والفاشيّون.
علماء النفس والسياسيون داخل الولايات المتحدة الأمريكية حائرون في الإجابة عن سؤال كبير وهو ماذا جرى لترامب في الفترة ما بين 2020 وحتى 2025 عندما صعد الى الرئاسة الأميركية. ترامب نسخة 2016- وهي الولاية الأولى له في الرئاسة- تختلف كثيرا عن ترامب نسخة 2025 فالرجل أكثر غرورا وعنجهية ومزودا بمشاعر القوة الزائدة عن الحد التي من شأنها الوقوف ضد العالم كله وفي توقيت واحد، ومعتمدا على إمبراطورية مالية ضخمة قد تتجاوز الـ5 مليارات دولار وتتكون من عقارات بقيمة 687 مليون دولار و58 طائرة و100 فندق و550 منتجعا وملعبا للجولف وغيرها.
بما يعني أن من يلتقي مع ترامب عليه أن يعي ويدرك جيدا أنه ليس جالسا فقط مع رئيس دولة تشغله السياسة والدبلوماسية والمفاوضات وانما هو أيضا جالسا مع رجل أعمال ليس عاديا يمتلك إمبراطورية تجارية ضخمة يفكر بحسبة المكسب والخسارة وحب المغامرة والمقامرة. وهو ما يذكرنا بالرواية الشهيرة للروائي الاسكتلندي روبرت لويس ستيفنسون التي نشرها عام 1886 بعنوان" الدكتور جيكل ومستر هايد" أي الخير والشر في شخص واحد.
فالرئيس الجديد في يوم تنصيبه كان خطابه يدعو للسلام والاستقرار، وأنه قادر كدولة قوية على إطفاء نيران الحروب في كل مكان.. وفي الأسبوع الذي أعقب تلك التصريحات الوردية نجده يفتح النيران في كل اتجاه ضد الأصدقاء والخصوم، ويشهر سلاح القوة الاقتصادية فى وجه خصوم أمريكا وحلفائها على حد السواء، فى محاولة من جانبه للضغط عليهم لتحقيق أهداف مختلفة ما بين إنهاء حروب أو تحقيق مكاسب تجارية أو حتى تنفيذ سياسته المتعلقة بالهجرة.. ثم يبدأ في التراجع حثيثا بعد أن يواجه بصلابة غير مسبوقة من كندا والمكسيك وفنزويلا وبنما وحتى الدنمارك، وفوجئ بتيار عالمي رافض لمشروعه التجاري في غزة من أقرب حلفائه ليس فقط من الصين أو روسيا أو فرنسا وانما من ألمانيا وأصبح العالم في كل صباح ينتظر تصريحات متضاربة أو متراجعة من دكتور جيكل أو مستر هايد.
داخل الولايات المتحدة الآن تبدو تفسيرات سياسية لما جرى لترامب وبأن من يدفعه إلى هذا الغرور والصلف ومواجهة العالم وإشعال الحروب في كل مكان، دون أن يدرك أنها قد تشتعل أسفله وتحرق ملابسه هي "أصابع الدولة العميقة" في الولايات المتحدة التي دفعت به إلى القمة في 2016 للفوز بالرئاسة الأمريكية، لكنه تمرد عليها وطرد أركان إدارته العميقة أبرزهم: ريك تيرلسون وزير الخارجية ووزير الدفاع جيمس ماتس وهربرت ماكمستر مستشار الأمن القومي وهم الأضلاع الثلاثة القوية في الإدارة الأمريكية. لكن لم ينجح حتى النهاية ودهسته الدولة العميقة وأطاحت به إلى خارج البيت الأبيض في عام 2020 لتأتي بجو بايدن.
لكن ترامب حارب "الدولة العميقة" في الأوساط السياسية الأمريكية بخطابه المختلف والمثير على الطريقة الهتلرية التي تخاطب المهمشين والطبقات الفقيرة والوسطى في المجتمع الأميركي مثلما فعل هتلز عند غزوه لبولندا حينما قال للألمان أن في خلف هذه الحدود- يقصد بولندا- يوجد القمح والغذاء الذي تريدونه.
الخطاب الشعبوي والتعبوي أعاد انتاجه دونالد ترامب من جديد لجذب شرائح مجتمعية جديدة داخل المجتمع بشعارات " الشعب الأمريكي أولا"،" لقد استعدنا أميركا للأمريكيين" أي رفع شعار "أمريكا للأمريكيين" وهو ما ألهب مشاعر قطاع عريض داخل الشعب الأمريكي.
يرى بعض الساسة داخل الولايات المتحدة أن "الدولة العميقة" وضعت خطوات التخلص من ترامب بتصعيده وبإذكاء النرجسية والتهور بداخله، لتنفيذ أحلام وملفات قديمة لم يقدر عليها رؤساء سابقون مثل ملف الشرق الأوسط.
ترامب في نسخة 2025 وجه طلقات الغرور والغطرسة والاستقواء بالرئاسة والمال في كل اتجاه، وخاصة تجاه منطقة الشرق الأوسط الملتهبة دائما، هدد جيرانه المباشرين في الحديقة الخلفية، المكسيك وفنزويلا وبنما، وهدد جارته القوية في الشمال كندا وعضو الناتو الدنمارك، ويهدد بالرعب في غزة وبتهجير أهلها لإقامة مشروع عقاري ضخم وسط دهشة واستغراب من دول العالم الغير مصدقة لما يفعله دكتور جيكل أو مستر هايد.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة