فلسفة التنمية المستدامة في ربوع الوطن تقوم على صيغة المشروعات القومية باعتبارها أداة رئيسة؛ للولوج لمستقبل مشرق، يحمل في طياته آمالا، وطموحات، وتطلعات شعب، له تاريخ تليد، وجغرافيا متفردة، وهنا أود الحديث عن عمارة الصحراء المصرية؛ حيث التخطيط بعيد المدى، قد تبنته الدولة، وسخّرت مقوماتها من أجل نهضة هذا الوطن؛ فهناك مساحات شاسعة، خالية من العمران السكاني، وبنظرة تقوم على رؤى طموحة، تستهدف الاستثمار، وتحرص على تدشين اقتصاد، يقوم على ماهية الاستدامة بأماكن بكر في شتى ربوع المحروسة، وضعت له خططا إجرائية، خلقت جغرافيا جديدة.
البيئات الصحراوية المصرية قد أضحت عامرة، حاملة للخير لأجيال تلو أخرى، في خضمها نمت فكرة التنمية الموازية للوادي، بل، فاقت التوقعات، وهنا نتحدث عن عاصمة إدارية بالصحراء الشرقية، تعد بمثابة المركز اللوجستي الرابط بين المدن، والطرق الكبرى بمحاورها المتعددة؛ فقد أصبحت القاهرة، والسويس في مرمى التواصل الشامل للاقتصاد، والمتعة في آن واحد، ناهيك عن براعة التصميم الداخلي لمدينة، وصفت بالذكية، اشتملت على مبان تدل على مقدار، وقدر الدولة المصرية صاحبة الحضارة العتيقة.
واصلت الدولة بمؤسساتها الفاعلة عملية الإعمار، فدشنت العلمين الجديدة على الشريط الصحراوي للساحل الشمالي؛ لتصبح مزارًا سياحيًا، مبهرًا، ومركزًا للاستثمار المباشر، وبالطبع تحول التوجه من الفكرة الموسمية إلى مبدأ الاستدامة، ولم يتوقف الأمر على التضاريس السهلة؛ فالتحدي رأيناه بعين اليقين، من خلال مدينة الجلالة في قلب الصحراء الشرقية، ووسط الجبال الوعرة؛ ليتأكد للعالم قاطبة أن مصر قادرة على خلق مجتمعات عمرانية، تحدث نقلات نوعية في التقنية، والصناعات جلها؛ بالإضافة إلى خلق منتجعات سياحية، تعد قبلة للقاصي، والداني.
وامتدت التنمية بالصحراء الشرقية للدلتا، على طول مجرى النيل باتجاه البحر الأبيض المتوسط؛ لتدشن إحدى مدن الجيل الرابع، وهي المنصورة الجديدة؛ لتصير جاذبة لكافة الأنشطة الاقتصادية، ومن ثم أصبحت حلًا لمشكلة العشوائيات بالمدن التقليدية في الوادي، ناهيك عن الكثافات الخانقة، ومسارات المعيشة الصعبة، وعلى غرار تلك المدينة، 6 أكتوبر، الشيخ زايد، العبور الجديدة، أسيوط الجديدة، سوهاج الجديدة، وجميعها مبنية في الصحراء بهدف تخفيف الضغط عن المدن القديمة.
الواقع يؤكد أن عمارة الصحراء المصرية، لم تقتصر على المدن الذكية، ومشروعاتها الاستثمارية؛ لكن هناك مشروعات للاستصلاح الزراعي، جعلت من الأرض القاحلة منبعًا للخير الوفير؛ حيث الإنتاجية التي رأينا ثمرتها اليانعة، من خلال مشروع الدلتا الجديدة بالصحراء الغربية، المحققة للأمن الغذائي، والسانحة؛ لتكوين مجتمعات عمرانية زراعية، كما كان في القلب مشروع مستقبل مصر بالدلتا أيضًا، الذي خلق العديد من فرص العمل، والإنتاج، المدعوم بالتكنولوجيا المتطورة، ومشروع توشكي المنتج لكل من التمور، والحبوب، في منطقة صحراوية كبيرة تحولت إلى رقعة زراعية وصفت بالعملاقة.
وجنوب البلاد وسع لمشروع، جذب مزيدًا من السكان للبيئة الصحراوية في منطقة جغرافية جديدة، ربطت بين صعيد مصر، وكافة محاور التنمية، وهذا ما شاهدناه بالوادي، ونالت سيناء أكبر خطة تنموية في تاريخ البلاد؛ نظرًا لأهميتها الاستراتيجية؛ فدشنت مشاريع إسكان، ومصانع، وشبكات مياه، وطرق جديدة؛ لتحويل أرض الفيروز إلى منطقة عمرانية، واقتصادية متكاملة؛ ثم مشروع محور قناة السويس، وتنمية شرق بورسعيد؛ حيث حولت المنطقة إلى مراكز لوجستية، وصناعية على أطراف الصحراء الشرقية، وسيناء، بما يعزّز الارتباط بين هذه المناطق، وبين الاقتصاد العالمي، ويخلق وظائف جديدة في بيئة صحراوية، صنعت منطقة جغرافيا جديدة.
في هذا المقام الضيق يصعب أن نحصي كافة مشروعاتنا القومية؛ لكن نشير إلى شبكة الطرق القومية، التي ساهمت في رسم جغرافيتنا الجديدة، وفتحت مسارات للتنمية، لا حصر لها، وهناك مشروعات المياه، والمصادر المتنوعة للطاقة المتجددة، العاكسة لفكر الدولة، ومقدرتها على استغلال مواردها الطبيعية، وهنا نقول إن إعادة هندسة الجغرافيا المصرية قد ساهمت في توازن توزيع السكان، وخلقت أقاليم جديدة، وعززت الأمن الغذائي، وفتحت آفاق مراكز اقتصادية كبرى، تضمن التنمية في صورتها المستدامة، إننا نفخر، ونشيد، ونثمن، جهود الدولة، متمثلة في سواعد أبناء الوطن المخلصين، ومخططات مؤسساتها الوطنية، ورؤى قيادتها السياسية الرشيدة.. ودي ومحبتي لوطني وللجميع.